هل ندمت يوما إنك منحت أحدا ثقتك ... و شعرت إنه لا يستحق هذه الثقة ... هل ائتمنت يوما شخصا لم يكن محلا لهذا الائتمان ... هل أودعت أفكارك و أسرارك شخصا و غدر بك ...هل ترى أن لا احد يستحق أن تمنحه ثقتك ؟
دوما ما تؤكد لك التجارب و المواقف هذا على مر الأيام ... و دوما يا ييأس البعض منح الثقة و تعدو فكرة أن لا احد يستحق الثقة منهاجا لحياته ... لكن هل فعلا بإمكاننا أن نحيا حياة طيبة دون أن نمنح الثقة لأحد ...
إذا كنت تعتقد ذلك فانا لا أوافقك في هذا الاعتقاد ... فالثقة هي الأساس الذي ينبني عليه التعامل مع الأصدقاء و الزملاء وهي الأساس الذي يكون مثل تلك العلاقات ... فبدون هذه الثقة ستعدو حياتنا مليئة بالخوف و القلق و سيملئ الشك قلوبنا تجاه الآخرين... هذا إلي جانب إننا سنشعر بالوحدة ، و لست اقصد هنا الوحدة الفعلية ، فقد يكون للشخص علاقات مع أشخاص آخرين و يكون طوال الوقت معهم و مع ذلك قد يشعر بالوحدة ، عندما تكثر لديه مشاكله و همومه و لا يجد أحدا يتكلم معه ، لأنه ظن أن لا احد يستحق أن يمنحه هذه الثقة ، فيعيش وحيدا وسط مشاغله و همومه ، و أنا لا اعتقد أن الإنسان يستطيع أن يعيش حياته وحيدا في اغلب الأوقات حياة طبيعية حتى أن سيدنا آدم عليه السلام طلب من الله سبحانه و تعالى أن يرزقه بمن يؤانس وحدته .
و الثقة بالناس تعني الآمان و الائتمان المتبادل بكل معانيه و يجب أن نشير هنا إن الأمانة كانت إحدى الصفتين الآتي عرف بهما رسولنا الكريم صلوات الله و سلامه عليه فكان العرب في عصره يعرفونه بالصادق الأمين حتى ألد أعدائه لم ينكروا عليه هذه الصفة فكانوا يستودعونه أماناتهم و حتى وقت أن يحدث نزاعا بينه و بينهم ما كان أبدا ليخون هذه الثقة و كذلك كان رسوله الله صلى الله عليه و سلم يثق في أصحابه و يأتمنهم .
الثقة بالناس ... أسرار و حدود
و لكن هل يجب ان تمنح الناس هذه الثقة بلا حدود أو قيود ؟
إذا وافقني فيما وصلت إليه من رأي ستجد أمامك هذه التساؤل يثور دوما ، هل امنح الثقة لكل الناس ، و هل امنح كل الثقة لمن امنحه إياها ، أم امنحه بعضا ً منها فقط ؟
إن القيد الأول على الثقة التي ينبغي علينا أن نمنحها للأشخاص الذين نتعامل معهم هو هؤلاء الأشخاص أنفسهم ، فالناس يختلفون في الصفات و الطباع فمنهم من يستحق أن تمنحه الثقة و منهم من لا يستحق ؛ و الذي يستحق هذه الثقة هو الإنسان الصادق الأمين و لعل هذه كانت أهم صفات رسولنا الكريم ، ولا يستحق هذه الثقة الإنسان المنافق و الذي بينه لنا النبي صلى الله عليه و سلم و بين انه هو الشخص الذي إذا حدثك كذب عليك و هو الذي إذا ائتمنته خان الأمانة و إذا وعدك وعدا اخلفه، و كثيرا ما ستلتقي به في مجتمعنا هذا ، لكن لا يجب عليك أن تنكر وجود الصالحين الذين إذا وثقت بهم كانت ثقتك في محلها و مستودعها ، و إذا جعلت نظرتك للأشخاص الذين تتعامل معهم نظرة موضوعية تتمثل في الحكم على الشخص نفسه دون أي اعتبار آخر أو محاباة فأنك تكون قد تجنبت خطا يقع فيه الكثيرون ، فالثقة لا يجب أن نمنحها لكل صديق بل نمنحها لشخص صادق أمين ، فالصديق قد ينقلب عدوا لك و إذا وجدته في خصامه خائنا لثقتك فاعلم انه منافق، فالمنافق أيضا هو الذي إذا خاصم فجر، لكن الصادق الأمين حتى إذا أصبح عدوا لك فأنه لن يخون ثقتك فيه .
أما القيد الثاني هو قيد يتمثل في موضوع هذه الثقة و موضوع هذه الثقة يجب ألا يكون فضحا ً لما ستره الله ، و لا أن يكون من الأسرار الخاصة جدا التي قد تخص أسرتك أو عائلتك أو تمس أشخاصا آخرين فهذه ليست من تداعيات الثقة السوية بالناس ، كما أن هناك أشياء عنك لا ينبغي للآخرين معرفتها فقد تضرك يوما ما و خصوصا إذا انقلب صديقك عدو لك ، و أذكر هنا قول الشاعر الذي يقول فيه :
احذر عدوك مرةً واحذر صديقك ألف مرة……. فربما انقلب الصد يق فكان أعلم بالمضرة
فالثقة بالناس مهما كانت يجب أن يكون لها حدود ، خطوط حمراء لا ينبغي علينا تجاوزها ، و لعل من أفضل ما قرأته عن هذا حكاية القنافد الثلاثة و القنفد حيوان بري تغطي الأشواك جسمه ..و موجزها أن ثلاثة قنافذ كانوا يعيشون في مكان بارد و ذات يوم اشتد عليهم البرد ، فاقتربوا من بعضهم البعض أكثر حتى يستشعروا الدفء و ظلوا يقتربون أكثر فأكثر و كلما اقتربوا شعورا بدفء اكثر حتى تلامست أجسامهم فتضرر كل واحد منهم من الشوك الذي يملأ جسم الآخر ، و أخيرا قرروا أن يكون كل منهم على مسافة من الآخر تشعره بالدفء دون أن يمسه أو يتضرر من الشوك الذي يغطي جسمه ؛ هذه المسافة هي حدود الثقة التي أردت أن أحدثكم عنها .
و طالما كان للثقة بالناس حدود فأن تجاوز هذه الحدود قد يسبب من الأضرار لصاحبه أكثر ما تسببه هذه الثقة له من نفع .
و لكن إذا اعتبرنا الثقة تتمثل في ائتمان الأشخاص على أسرارنا فإننا نأخذ بذلك بالمفهوم الضيق للثقة ليس إلا ، حيث أن الثقة أوسع من ذلك بكثير و تتسع لتشمل جميع المجالات و العلاقات الإنسانية .
فالثقة هي مفتاح قلوب الناس و سبيل من سبل الراحة و الاطمئنان للتعامل مع الناس وودهم و تقوية علاقاتك بهم لكن إذا أسئت استعمالها فلن تجني من ثمارها غير الطالح .
كيف تكسب ثقة الناس بك ؟
كن صادقا ً و أمينا ً
و هم الصفتان اللتان عرف بهما النبي الكريم صلوات الله و سلامه عليه ، فالكذب اقوى الاشياء التي تهدم ثقة الناس بك و الخيانة نقيض الثقة تماما ً .
كن متواضعا ً و سهلا
و اذكر هنا قول الله تعالى لنبيه الكريم " وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " و في ذلك معنى ان الشخص السهل اللين هو الذي يألفه الناس و يثقون به ، كما أن تواضعك يهدم دائما الحواجز التي بينك و بين الناس فيجعلهم يشعرون بالراحة و الآمان في صحبتك .
كن بشوشا ً مبتسما ً
فالابتسامة هي السبيل لنيل قلوب الناس و الحديث لا ينتهي عن تأثير الابتسامة و البعض يطلق عليها السحر الحلال نظرا لما لها من تأثير على قلوب و عقول الآخرين ، و لا تنسى ان ابتسامتك في وجه أخيك صدقة .
كن بسيطا ً
الناس يألفون دوما كل ما هو بسيط و مفهوم ، فإن كنت كثير التفكير ، أو لك في تفكيرك اسلوب معين ، فحاول أن تبسط ذلك الأسلوب للآخرين ، لان شعورهم بالغموض أو عدم الفهم سوف يأثر على ثقتهم بك .
كن مستمعا ً جيدا ً
إستمع أكثر مما تتكلم ، و حاول ان تحدث كل انسان في ما يهمه و ليس ما يهمك انت ، تجنب المقاطعة ، و الحديث الكثير عن نفسك ، فإن من شأن ذلك أن يضعف ثقة الناس بك ، و لا تحتكر الحديث و اترك للباقين فرصة للحديث ، و تذكر ان الله قد خلق لك أذنين لتسمع بهما ، و فم واحد لتتكلم منه .
كن هادئا ً و احترم ذاتك
من يحترم نفسه يحترمه الآخرون و الشخص الهادئ العاقل أكثر مصداقية للناس من الشخص المهرج ، الذي لأ يأخذ الامور الجدية مأخذ الجد ، و لا يلقي بالا ً للكثير من الأمور التي تستحق الأهتمام .
الخاتمة
حسن الختام تذكرة برب الأنام ، خلق الإنسان و خلق له مجالا من الأمان ليعيش فيه وسط قرناءه من الناس ، و ينعم بالسلام ، و لذا كان لزاما على كل إنسان أن يثق فيه ثقة لا حدود لها و يثق في ذاته التي خلقها له ، و يثق فيمن حوله من الناس الذين يستحقون هذه الثقة