ليس كل الصبر جميلا ..!
إذن ما سرّ هذا التوجيه الرباني .. الذي نقرأ فيه لطف التوجيه ورحمة الأمر والاعتناء
" فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً " ( سورة المعارج 5 )
" فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " ( سورة يوسف 18 )
تنزلت هذه الآية على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في زمن عزّ فيه الناصر ، وقل فيه الرفيق والمُعين يوم كان في مكة يكابد ألم التكذيب والإعراض حتى كاد صلى الله عليه وسلم يقتل نفسه حزناً وألما فيأتيه هذا الأمر الذي يمتلئ رحمة ورأفة ، فيبشبش في النفس مرّ الحياة وألم المواجهة ليكون الألم أملا .
" فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً " ويذكره سبحانه ويسليه بصبر يعقوب عليه السلام الذي صبر صبرا جميلا فكانت له العاقبة ..!
إننا من خلال النظر إلى واقع التنزيل للآية ، وجمع النصوص في أمر الصبر نستطيع أن نخرج بأوصاف لابد أن تلازم الصبر ليكون الصبر صبراً جميلا ..
الصفة الأولى : إنما الصبر عند الصدمة الأولى .
صدمة الألم .. صدمة الإعراض والتكذيب .. صدمة المواجهة من أعز قريب . فلا جزع ولا تسخّط . . بل إيمان ورضا . . وتفاؤل وأمل ! الداعية إلى الله . . لا يدعو لذاته وفكرته وخُلقه ومبدأه .. إنما دعوته ربانية سماوية
" قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ " ( سورة يوسف 108 )
وهذه الدعوة الربانية هذا هو طريقها ..
" أَمْ حَسِبْتُـــمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء
وَزُلْـــزِلُواْ" ( البقرة 214 )
لكن كيف تقابل هذه البأساء ،وهذه الضراء ، وهذه الزلزلة ..؟!
تقابلها بالصبر .. والصبر الجميل عند الصدمة الأولى الذي لا سخط معه ولا جزع . !
الصفة الثانية : صبر يورث الثبات ..!
فلا ييأس أو يفتر . . بل صبرا يزيد ه ثباتا على المبدأ . .وقوة في الطرح . . وتجددا في الأسلوب والوسيلة سرا وجهارا . . إعلانا وإسرارا . . جدالاً وحوراً . . بالحكمة والموعظة الحسنة . . ! دعوة لا تعرف الفتور أو الانطفاء بمجرد همزة أو لمزة أو صلب على خشبة الإعدام . .! دعوة لا تنهزم من واقع مرير ، أو انتفاضة الباطل . . ! إنما هي دعوة الحريص المشفق
" حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " ( سورة التوبة 128 )
ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم . . !
إنه الصبر الجميل . . صبر يورث الثبات .
الصفة الثالثة : صبر الاختيار لا الاضطرار ..! صبر في عزة لا ذلة في قهر . . !
الداعية يمنع نفسه من الغضب لذاته ، في سبيل أن يبلغ دعوته . . ! لكن إذا انتهكت محارم الله فلا ذلّة في المواجهة . . وكثيرا ما يخلط بعض الدعاة بين حقيقة الصبر والقهر . .
يظن القهر صبراً .. والذلّة حمدا وفخرا . . والصبر إنما هو صبر في اختيار . . تمثّل جلياً في موقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يوم الفتح حين تمكّن ممن طرده وشرده وآذاه وقتل عمه فقال كلمة المؤمن الواثق الصابر ( . . اذهبوا فأنتم الطلقاء ) !
يخرج من الطائف مطرودا مكلوماً ، تسيل دماء قدميه الشريفتين . . فيأبى على جبريل أن يأمر ملك الأخشبين فيطبقه عليهم .. ( لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله . . ! )
إنه الصبر الجميل . . صبر الثبات والعزة صبر الرضا والتصديق . . !
أسال الله لي ولكم الصبر عند الشدائد..
" فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " ( سورة يوسف 18 )