الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات...
والصلاة والسلام على رسوله الذي بعثه بالهدى ودين الحق..
وبعد: فإن الحج ركن من أركان الإسلام يجب على كل مستطيع له من المسلمين المكلفين لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سورة آل عمران: 97].
ومناسكه التي شرعها الله لها أثر بالغ في زيادة الإيمان؛ فإن الإيمان يزيد بالطاعات والصالحات وينقص بالمعاصي والسيئات.
ولذلك فإنه ينبغي على المسلم - من حج ومن لم يحج - أن يتدبر ثم يعتبر ليجني الثمرة؛ زيادة في الإيمان... وقوة في اليقين...
الإحرام:
ما بال الرجل يحرم في رداء وإزار، ويتجرد من المخيط؟!
إن ملابس الإحرام شبيه بملابس الكفن!!... فهي تذكرنا بموتنا حتى نكون أكثر استعداداً له...
وتذكرنا ببعثنا حفاة عراة...
لا رداء .. لا إزار .. لا كفن...
وتذكرنا بنعمة الله علينا: {يَا بَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [سورة الأعراف: 26]، هذا في الدنيا، فإذا جاء يوم البعث وكنا عراة!!
فما الذي يسترنا؟!
والجواب فى قول ربنا: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [سورة الأعراف: 26]...
وكما نتجرد من المخيط في إحرامنا فينبغى أن نتجرد لله في أعمالنا فنجعلها خالصة لوجهه الكريم، ولا نشرك بربنا أحداً..
التلبية:
لفظها: "لبيك اللهم لبيك.." إلخ.
ومعناها: ها أنا عبدك...
وأنا مقيم على طاعتك وأمرك...
غير خارج عن ذلك، ولا شاردٍ عليك...؛ فهي اعتراف بالعبودية، وإقرار بالطاعة، وإذعان وخضوع.
وقد كان المشركون يحجون ويلبون من قبلنا!!
وفرق بين تلبية الموحدين وتلبية المشركين!!
المؤمنون يقولون: "لبيك لا شريك لك".
والمشركون يقولون: "لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك"!!
الطواف بالبيت:
البيت بيت الله، يطوف به الطائف فيتدبر ويتذكر أنه أول بيت وضع للناس:
- من دخله كان آمناً.!!
- جعله الله مثابة للناس وأمناً.!!
- رفع إبراهيم عليه السلام قواعده وإسماعيل.!!
- تهوى إليه الأفئدة، وكلما رحلت عنه تمنت أن تعود إليه...
- قال عنه عبد المطلب: "للبيت رب يحميه"!!
- بجواره كانت قريش تصد عن سبيل الله، كان المشركون يطوفون به عراة!!
- من عنده انطلقت الدعوة إلى الله.
تقبيل الحجر الأسود:
الحجر الأسود حجر!!
لا يضر ولا ينفع...
تقبيله سنة، وتعلق القلب به شرك!!
والمزاحمة عليه معصية!!
لم ينزل من الجنة، ولم تسوده خطايا بني آدم... فتدبر هذا فإنه من المواضع التي زلت فيها الأقدام، وضلت فيها عقول!!
إن تقبيل الحجر الأسود سنة لمن وصل إليه بغير مزاحمة، ولا إيذاء، ولا اختلاط... وتقبيل غيره من الأحجار يفتح باباً إلى الشرك!!؛ فالمؤمن يقبله وقلبه معلق بالله لا بالحجر!!
الشرب من زمزم:
سنة بينها النبي صلى الله عليه وسلم...
والمؤمن عندما يشرب منها لا يلتفت بقلبه إليها، وإنما يرى فيها سبباً من الأسباب التي قدرها الله، وهو يوقن دائماً بأن الله قادر على الشفاء بغيرها، وعلى تأخير الشفاء عمن شربها!!
وهو بعض معنى قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [سورة الأنعام: 17]، فمن تعلق قلبه بربه، فلم يلتفت إلى غيره فقد حقق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
السعي بين الصفا والمروة:
يسعى الحاج والمعتمر بينهما فيتذكر ويتدبر!!
عند الصفا بواد غير ذي زرع،، ترك إبراهيم عليه السلام زوجه وولده الرضيع طاعة لله!!
ونحن لا نترك المعاصي!!!
وأطاعت الزوجة المؤمنة ربها ثم زوجها في أمر قد يكون فيه الهلاك!!!
وبين الصفا والمروة سعت أم إسماعيل رضي الله عنها؛ لعلها تجد ماءً لرضيعها الذي كاد أن يموت!!
إنه الإيمان عندما تخالط بشاشته القلوب.
الوقوف بعرفة:
عرفة ركن الحج الأعظم، وكل من حج وجب عليه أن يقف بها وإلا فلا حج له!!، واجتماع الحجيج في عرفة يذكرنا بيوم الحشر {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [سورة التغابن: 9].
ومن تذكر يوم الجمع كن أكثر استعداداً له ممن غفل عنه...
وفي يوم عرفة، في شدة الحر، قد يجد الحاج مشقة أحياناً في الحصول على ماء يشربه ثم يدركه فيتذكر قول ربنا: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة الأعراف: 50].
وفي حجة الوداع وقف رجل على راحلته يلبي، فسقط عنها فوقصته الناقة (ضربته برجلها) فمات!!،فقال صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» [رواه البخاري]!!
مات وهو يلبي... وبعث وهو يلبي... مات على طاعة، وبعث على طاعة!!
فإن مات على معصية، وما أكثر الذين يموتون على معصية!!، إنها حقيقة غفل عنها الغافلون "لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ".
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام، واجعل هذه الكلمات من الباقيات الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.