{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
ليست الكلمات التي نتفوه بها فقاقيع صابون تطفو على سطح ألسنتنا لتنفجر في الهواء بسرعة ..
فالكلمة في الإسلام مسؤولية (ما
يلفظ من قول إلاّ لديهِ
رقيب عتيد )
رقيب يراقب أقواله في الخير وفي الشّر ، ذلك لأنّ اللسان كما في الحديث
«مفتاح خير ومفتاح شر» .
ومسؤولية الكلمة تتحدد في التفكير بها قبل إطلاقها ، واختيار الأحسن من بين الكلمات الحسنة الكثيرة ، واتباع الأسلوب الأمثل في إطلاقها ، ودراسة انعكاسها وتأثيرها على من يتلقّونها .
وتلك عملية تحتاج إلى شيء من التدريـب ، فالتسرّع في قذف الكلمات كثيراً ما يؤدي إلى نتائج سلبية وأحياناً وخيمة ، والتأني في انتقاء الألفاظ وصياغتها بأسلوب محبب ، غالباً ما يؤدي إلى نتائج إيجابية طيِّبة .
إن كلماتنا الجميلة هي مثل الهدايا .. يستحسن أن نقدمها مغلّفة بغلاف جميل حتى تسر الذين نقدمها إليهم .
وكلماتنا الناقـدة مثل وخزات الإبر ..
يفضل أن لا تكون موجعة للدرجة التي تجرح سامعيها .
وبعد حين من المراس والتمرين سـيكون لنا قاموسـنا الخاص في الكلمات المهذبة والكلمات النقدية الصريحة ،
فنحن في الحالين نريد أن نصل إلى عقول الناس عن طريق قلوبهـم ، ولا يكون ذلك إلاّ باتباع الأسلوب الذي علّمنا القـرآن إيّاه
(وقُل لعـبادي يقـولوا الّتي هي أحسن ).
فالكلمات كالبضائع في السوق ، فيها الجيد وفيها الرديء .. وعلينا أن نتخير (الكلمة الطيِّبة) في لفظها وفي معناها وفي مرادها لتكون رسولنا إلى الآخرين ..
وتلك ليست مهمّة سهلة لكنّها ليست صعبة على من يعيش مسؤولية الكلمة .
والكلمات بعد ذلك درجات (طيِّبات) و (خبيثات) .
هناك (الكلمة المعروفة) التي درج الناس على تقديرها واستحسانها:
(وقولوا لهم قولاً معروفاً ).
وهناك (الكلمة اللينة) التي تخفق بأجنحتها فوق سمع السامعين فلا تجرحهم
(فقولا له قولاً ليناً لعلّه يتذكّر أو يخشى)
وهناك (الكلمة السديدة) المطبوخة على نار هادئة ، والموزونة بميزان الذهـب ، والتي تهدف إلى الرّشـاد والتسديد لخطى السامع
(فليتّقوا الله وليقولوا قولاً سديدا)
وهناك (الكلمة الكريمة) بما تحمله من جود وسخاء نفس قائلها بحيث تثري سامعها إنْ بموعظة أو نصح أو توجيه أو تصحيح للأخطاء ونقد للعـثرات ، أو في ثناء وتشـجيع وحث وشكر
(وقل لهما قولاً كريما ) .
وهناك (الكلمة البليغة) التي تبلغ أسماع الناس فتؤثر فيهم ، فكأن قائلها يتريث كثيراً في تقدير إصابتها للهدف ، كمن يطلق سهماً وهو مطمئن أ نّه سيصيب كبد هدفه
(أعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا ) .
إنّ انتقاء الكلمات الأحسن ، واختيار الأسلوب الأمثل في إطلاقها، محاولة وتمرين منّا ، وتوفيق وهدايـة من ربّ العالمين
(وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ) .
وأمّا الكلمات الخبيثة التي تحتاج إلى تمرين آخر في اجتنابها ، والإعراض عنها ، والهروب منها هروبنا من الجراثيم والميكروبات ، فمنها :
(كلمة الزور)
: وهي الكلمة التي لا أساس لها من الصحّة أو هي الشهادة بالباطل
(واجتنبوا قول الزّور ) .
(وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزورا )
و (كلمة التشهير والتسـقيط)
: بما لا يبقي حرمة للآخر المسلم
(لا يحبّ الله الجهر بالسُّوء من القول إلاّ من ظلم )
و (الكلمة المزخرفة)
: التي لها شكل جمـيل ، وهي إمّا خاويـة من الداخل أو تحمل مضموناً قبيحاً (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )
. ومثلها (الكلمة المزوقة المزيفة)
التي لها رنين ووقع في السـمع لكنّها منقـوعة بالسم
(ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدُّنيا
ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام )