الحمـدُ للهِ الذى امتنَّ علينا بنعمة الإسـلام ، و فَضَّلنا على سائر الأنام
، و منحنا مواسمَ للخيرات ، فيها مِن النفحات العَطِرات ما يُزيدُ
الحسنات ، و يرفعُ الدرجات ، و يُكَفِّرُ السيئات .. و الصلاةُ و السلامُ
على البشير النذير ، و السِّراج المُنير ، محمد بن عبدالله ، صَلَّ اللهُ
و سَلَّمَ و باركَ عليه و على آله و صحبه أجمعين .
و بعـد ؛؛
بـدأ موسِمُ الحَـج ، و بـدأ الحُجَّاجُ يتوافدونَ إلى بيتِ اللهِ الحـرام ،
و إلى مكة المُكرمة ، منهم المُفـرِد ، و منهم القارِن ، و منهم
المُتَمَتِّع ..
الكل جاء بشوقٍ و حُب ، مُلَبِّين مُكَبِّرين ، مُستجيبين لدعوة سيدنا
إبراهيم عليه السلام : (( وَأَذِّن فى النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجًالًا وَعَلَى كُلِّ
ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )) الحج / 27 .. الكُلُّ جاء و ألسنتهم
تلهجُ بذِكر الله .. الكُلُّ يَحمدُ اللهَ أنْ يَسَّرَ له الوصولَ لمكة المكرمة ،
و أعانه على أداء فريضة الحَـج ..
و نحنُ هنا - بالرغم مِن بُعدنا عنهم و عدم تواجدنا بينهم - إلا أننا
ندعوا اللهَ جَلَّ و عَلا أن يقبل حَجَّهم ، و أن يغفر ذنوبنا و ذنوبهم ، و أن
يُيَسِّرَ لنا أداء فريضة الحَـج .
و مـع بدايـة موسم الحَـج بنفحاته و بركاته .. فلنستقبله بالطاعة ،
و الاستقامة على الدين ، و التمسك بسُنِّة المُصطفى الأمين صلى الله
عليه و سَلَّم .
حَاجٌّ ترك بيته و اتجه لبيت الله الحـرام .. ترك أولاده و زوجه و ماله
و عمله و كل أهله و أصحابه و أجاب داعىَ الله ، فذهب ليَحُج و يؤدى
فريضةً من فرائض الإسلام ..
على الرغم من ضعف بددنه و قلة ماله إلا أنه لم يتكاسل و لم يُسَوِّف
و لم يتردد ..
تَحَمَّل مَشاق الطريق و تعب السفر استجابةً لأمـر الله جَلَّ و عَلا ..
جاء بحبٍ و شوق و رغبةٍ في الطاعة و التقرب إلى الله جل و علا بما
يُحب ..
مَرَّ بالميقات و لبس ملابس الإحـرام ، و وجـد شعورًا غريبًا لم يُحس
به من قبل ،، إنه شعـورٌ لا يُوصَف ..
دخل مكة و كاد قلبه يطيرٌ فَرَحًا ،،
دخل إلى بيت الله الحرام ،، نظر إلى الكعبة و رأى الطائفين و المُصَلِّين
و الحُجَّاجَ و المُعتمرين ففاضت عيناه .. مشهدٌ مُؤثِّر .. يأسر القلوب ،
و يُحَرِّكُ المشاعر ..
نظر إلى الحُجَّاج و إلى ملابسهم فقال : سبحان الله ..!
كلهم عند الله سواء ... لا فرق بين غنىٍّ و فقري ، و لا صغيرٍ و كبير ،
و لا مُديرٍ و غفير .. لا فرق بينهم إلا بالتقوى و العمل الصالح ..
الكُلُّ جاء لِيَحُج .. ملابسهم واحـدة .. أهدافهم تقريبًا واحـدة .. يُؤدُّون
أعمالاً واحـدة .. إذا نظرتَ إلى أحدهم لم تعرفه ، لتشابههم في
هيئاتهم ..
حَاجٌّ جاء ليَحُجَّ لأول مرةٍ في حياته ، و يؤدي المناسك في خشوعٍ
و خضوعٍ و تَذَلل .. نسى الدنيا بما فيها و عاش الحج لحظةً
بلحظة ..
إنه منظرٌ يُذَكِّرُ بيوم القيامة ،، فـ سبحان الله ..! جلستُ مرةً مع إحـدى قريباتي بعـد عودتها من مكة المكرمة و أدائها
للعُمرة .. و طلبتُ منها أن تُحَدِّثَني عن تلك الرحلة الطيبة .. فبدأت
تقص عَلَىَّ الرحلة ، منذُ أن خرجت من بيتها و حتى رجعت إليه ..
تتحدث و هى تشعر بسعادةٍ غامرة لتمكنها من أداء العمرة و وصولها
إلى بيت الله الحـرام ،، و تتمنى لو يتكرر ذلك ... و أنا أستمعُ إليها
بتركيزٍ شديد و شوقٍ لزيارة بيت الله الحـرام ،،،، سبحاااان الله ..!!
حديثها يخرجُ من القلب ، و مشاعرها تبدو على وجهها ..
فَـرَحٌ بالغ ..
فما بالنا لو كانت رحلتها هـذه للحَـج ..
كُلُّنا يتمنى الحَـج ،، و يُحَرِّكُه الشوقُ لزيارة بيت الله الحـرام ..
أسألُ اللهَ جَلَّ و عَلا أن يكتبَ لنا حَجَّ بيته الحـرام ،، و أنْ يُبارِكَ لنا ، و أن يُعيننا على طاعته ، و أن يتقَبَّلَ مِنَّا
صالحَ الأعمالِ و الأقـوال .