للدكتور / جاسم المطوع
كلنا نمر بظروف اجتماعية نشعر فيها بحاجتنا للحب ، بدءا من سن المراهقة والبحث عن الحب بكل أنواعه وانتهاء بمرحلة الشيخوخة والبحث عن الكلمة الطيبة واللمسة الحانية ، وقد وردتني شكاوى كثيرة لأناس يبحثون عن الحب الرومانسي سواء أكانوا متزوجين والطرف الآخر لا يعطيهم حبا ، أو لم يتزوجوا وبحاجة للزواج ، أو مروا بتجربة انفصال أو وفاة للطرف الذي كان يعطيهم حبا ، وقد قدمت لهؤلاء حلولا بديلة عن الحب الرومانسي الذي يتمنون وجوده في حياتهم ، وكان لهذه الحلول الأثر الطيب عليهم وهي علي النحو التالي :
أولا : أن يعيشوا حبا صادقا مع المقربين منهم مثل الوالدين أو العمة أو الخالة أو الجدة ، فيكثرون من التواصل والسفر وقضاء الأوقات معهم ، ويبادلونهم الهدايا والعطايا ، ويعبرون لهم عن حبهم وأهمية وجودهم بحياتهم
ثانيا : كفالة يتيم يعيش معهم في البيت فيتكفلون بتربيته وتوجيهه وتعليمه ، فيكون محلا لتفريغ العواطف الجياشة له ، وإني أعرف أكثر من عائلة جربت هذه الفكرة وتقول إنها قد حققت ما كانت تحتاجه من اشباع عاطفي ، أو العمل في مجال التربية والتعليم فإنه يشبع حاجة الإنسان للعاطفة والحب.
النبي الكريم يوم توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها فقد الدعم العاطفي والحب الذي كان يعيشه معها ، وقد حزن على فراقها كثيرا ولهذا سمي العام الذي توفيت فيه مع عمه بـ (عام الحزن) ، فالحب مطلب شرعي وإنساني وحياة لا حب فيها كالعيش في المقبرة
ثالثا : تربية حيوان أليف يعتبر حلا ذكيا لهذه المشكلة ، وقد اقترحت ذلك لرجل بعدما فقد حب زوجته له ، فبدأ بمشروع تربية الأغنام ورعايتها وقد عبر لي بعد سنة من البدء بالمشروع أنه مستمتع بهذه الهواية الجديدة وقد عالجت ما كان يعاني منه ، وامرأة أخرى اهتمت بالقطط وتربيتهم فانشغلت بها وتغيرت مشاعرها نحو هذا الأمر ، ثم توسع المشروع معها وعملت مستشفى لعلاج القطط المريضة ، وكلنا يعرف ما يفعله الأجانب من تربية للحيوانات في بيوتهم وتعلقهم بها ، وهذا جزء من حل المشكلة العاطفية في حياتهم
رابعا : حب الحياة والانطلاقة فيها بنشاط وحيوية ، وممارسة هوايات متنوعة تشبع جانبا كبيرا من العاطفة عند الإنسان وخاصة الرياضة بأنواعها والعلاقات الاجتماعية بأصنافها.
خامسا : حب العمل والإنجاز وكثرة العطاء الوظيفي يعطي للعامل شعورا بالراحة والنصر والارتياح النفسي ، وهذا يعالج جانبا كبيرا من المشكلة بكثرة الانشغال بالعمل ، وتحويل العواطف من رومانسية إلى عواطف نحو العمل والانجاز
سادسا : الأصدقاء يعتبرون مصدرا مهما للعواطف والحب ، فالصديق يعطي الاهتمام والرعاية والمتابعة والسؤال والدعم النفسي وعلاج المشاكل ، وكل ذلك من علامات الحب والإشباع العاطفي.
سابعا : حب الله وتقوية العلاقة به فهذا هو المصدر الأساسي للحب ، وحب الرسول الكريم وطاعته ، وحب القرآن والتعلق به ، وحب العمل الصالح والمداومة عليه ، فهذه الأعمال كلها تشبع الإنسان الطالب للحب وتغنيه عاطفيا.
وأذكر مرة دخلت علي امرأة تشتكي من فقدان الحب في حياتها على الرغم من أنها استبدلت ذلك بحب الله ورسوله ، ولكن كانت تقول لي إنها مازالت بحاجة لحب بشري ، فقلت لها : إن لم تحصلي على الحب البشري في الدنيا فاعتبري ذلك من الإبتلاء الذي تؤجرين عليه ، بشرط أن تصبري ولا ترتكبي الحرام ، فإن الله سيعوضك حبا بشريا في الجنة ، فاستغربت وقالت : أحقا ما تقول ؟؟ قلت لها : نعم فقد قال تعالى (هم وأزواجهم في ظلال على الارائك متكئون)
فالله سيرزقك زوجا ، أليس في ذلك حبا عاطفيا ؟ فابتسمت وقالت : أفرحتني أفرح الله قلبك ، ولكن كم عمر هذا الحب ؟ ، فقلت لها : لا تخافي إن هذا ليس كحب الدنيا ، فإن الحب الذي في الجنة مستمر وخالد وقد وصف الله عمر هذا الحب قائلا (لهم فيها ما يشاءون خالدين فيها ، كان على ربك وعدا مسئولا) فقالت : والله أنا كنت أعتقد أن ما أطلبه غير صحيح ! قلت لها : لا أبدا بل هذا من حقك ومن الحاجات البشرية..
فالنبي الكريم يوم توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها فقد الدعم العاطفي والحب الذي كان يعيشه معها ، وقد حزن على فراقها كثيرا ولهذا سمي العام الذي توفيت فيه مع عمه بـ (عام الحزن) ، فالحب مطلب شرعي وإنساني وحياة لا حب فيها كالعيش في المقبرة !!