قال الله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].
وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8].
وقال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - تعالى - يَبسُط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ رواه مسلم[1].
وعن الأغر بن يسار المزني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة))؛ رواه مسلم.
روضة الإكرام والأمان والسلام والرأفة والرحمة والغفران والمحو والسرور والعفو والفوز والنيل والبكاء والدموع.
روضة بدايتها نورٌ، ونهايتها نور ووسطها نور، فبدايتها نور اعتراف، ووسطها نور نَدَم، ونهايته نور محبة من الغفور الودود.
لا بد لكل مسلم أن يدخلها بكل سرور وشوق ونَدَم واعتراف وإقبال، وكذا شكْر وحمْد وثناء لله العزيز الوهاب.
روضة التوبة لا غنى لأحد من البشر عنها، وما أفضلها وأجلَّها وأروعها فثمارها يانعة، وقطوفها دانية،فيطير بها الفؤاد إلى الملك الديان، ويكتمل بها الكمال، وتتزين بها المساجد، وتنير بها الوجوه، وتسعد الليالي والأيام.
روضة التوبة: دليل سعة رحمة الرحيم الرحمن، وعظمة مغفرة الغفور المستعان، فلا بد من دخولها وإلا فالخسران.
روضة فيها من نعيم الاتصال بالخالق ما لا يحويه وصفٌ، ولا يُسجِّله جهاز فهو ﴿ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 27]، وهو ينادي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا ﴾ [التحريم: 8]، وهو: ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [التوبة: 104]، وهو ﴿ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وهو ((أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم سقط على بعيره وقد أضلَّه بأرض فلاة))، فله الحمد كل الحمد، وعظيم الحمد أن كان توابًا رحيمًا يغفر الذنب ويقبل التوب.
روضة التوبة مدرسة الصراحة والوضوح، وقاعدة الاعتراف والرجوع، ومُنطلَق التجديد والوثوب، بها تقف بين يدَي ربك، ولا يعلم بأمرك وذنبك إلا هو فتبكي وتعترف، فترفع يدًا وتَنصِب جبهة، وتَخفض دمعة، وتجزم قلبًا على أن لا عودة إلى ما يُغضِب الكريم - سبحانه وتعالى.
تدخل هذه الروضة لتغسل ماضيًا أسود، فتخرج منها كاللبن بياضًا، وكالشمس نورًا، وكالذهب خالصًا؛ من أوساخ الذنوب، هذا إذا صدقتَ وأخلصت وندِمت، وأن لا عودة قرَّرت وعزمت.
فادخل روضة التوبة وأَعلِن لنفسك بعهد مع الله أن لا عودة بعد إقرارك واعترافك لخالقك بتقصيرك وتجاوزك، وأَظهِر صادقًا الندمَ؛ فالندم توبة، وتحسَّر على تأخُّرك، واحمَدِ الله أن إلى التوبة والعودة وفَّقك، وهنيئًا لك بما أفرحك.
التوبة من صغير الذنوب وكبيرها وما عرفه الناس وما خفي عليهم، وما ذكرته ونسيت، فلا تتردَّد، واعلم أنك لن تتردد إلا إذا كان في سيرك خَلل، فتمتَّع في هذه الروضة ما دمت مُقتدرًا ولا تؤجِّل، فالأمر ليس بيدك فقد تريد وقت لا يمكنك فعل ما تريد، فافعل ما الله يريد.
فبلِّل بدموع التوبة لحيتَك، وابكِ على خطيئتك، وافتح صفحة جديدة لحياة جديدة وعهد مع الله ما بقيت.
خير يوم عليك منذ ولدتك أمك يوم أن يتوب الله عليك ويقبل توبتَك، فكلنا ذو خطأ، ومَن ذا الذي ما ساء قط، غير أن التوبة باب للتفريق بين المغتر والمغرور، وبين التائب والمطيع، ويكفي للتوبة مرغبًا أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها وتمحو ما سلف وإن عَظُم.
وللعلم، فإن الدخول على هذه الروضة واجب لا خيار للعبد في ذلك، غير أنه إن دخل فهو الرابح الفائز، والله المتفضِّل المعطي، ولما كانت واجبة فلا تكن آخر مَن يدخل أو يُمنِّي نفسه ويؤجِّل، فقد يفوته المقصود، ويذهب عنه خيرها، فادخل بعزمٍ ونشاط ومبادرة في كلِّ ساعة وحين، والعودة إلى الطاعة والقُربة.
واحذر أن تجعل من التوبة نزهةً كان تقضي مثلا أيام رمضان ولحظاته الثمينة! ثم بعد خروجها تعود لغيِّك ولَعِبك بالطاعات والحدود، فتُفسِد دخولك الأول، وتعود أسوأ مما كنتَ، وما تزداد من الله - تبارك وتعالى - إلا بُعدًا، وعيب خُلف الوعود والنكث بالعهود مع مخلوق مِثلك، فكيف بملك الملوك ذي الجبروت والملكوت!
روضة التوبة فرصة ثمينة لمن أسرف، بأن يقف ويعترف ويغسل زمانًا قد سلف سوَّد فيه الصحف، فإن صدق فاز بالقَبُول وكأن شيئًا لم يكن، وهذه الروضة من لم يدخلها، الخوفُ عليه متأكِّد، والبعد من الرحمة عنه ليس ببعيد؛ فالحذر الحذر، والفرص لا تعود، والناصح حبيب! تُب من ذنوب نسيتها والله أحصاها.
• وتب من ذنوب مصرٌّ عليها والنفس تهواها.
• وتب من ذنوب تُخفيها على الناس والله يعلمها.
• وتب اليوم؛ فقد لا تعيش إلى الغد.
• اللهم تب علينا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن سيئاتنا، إنك أنت الغفور الرحيم.