الأب لا يكاد يرى طفله حتى ..
يقسو عليه ويضربه ويعذبه أو يهدده فاتسعتْ المسافة بين الأب والطفل..
والأم لا تكاد ترى طفلها حتى ..
تحتضنه وتمسح وجهه ويديه ورجليه بالقبلات وتعطيه بقدر ما يعاقبه أبوه
وليس غريباً أن يلاحظ الأب أن الإبن مدلل مائــع ..
وأنه كثيراً ما يرتكب أعمالاً حمقاء أو يتظاهر بالمرض .. وقد يمرض ..
ولكن المشكلة هنا .. ليست تدليل الأم .. أو قسوة الأب .. !!
المشكلة هي .. هذا الاضطراب في معاملة الطفل .. وحيرة الطفل ..
بين قبلات الأم .. وصفعات الأب .. بين سخاء الأم .. وبخل الأب ..
بين الشدة .. واللين .. بين التهديد .. والهدايا ..
وكثيراً ما يقول الأب للأم .. أنتِ فشلتِ في تربية طفلكِ
وكثيراً ما تقول الأم ..
بل أنتَ الذي جعلتَ من نفسكَ عفريتاً لا يراه الطفل حتى يهرب ..
ويقول الأب .. أنت تقدمين الرشاوى لطفلكِ لكي يكرهني ..
وتقول الأم .. أنتَ الذي جعلته يكرهكَ ..
لماذا لا تكلمه .. ؟ لماذا لا تعلمه ..؟ لماذا لا تقبله ..؟
لماذا لا تشجعه دائماً .. ؟ ولماذا .. ولماذا .. ولماذا ..
ولا بد أن هناك غلطه قد وقع فيها الأب .. وهذه الغلطة عمرها طويلاً إن
الطفل كائن صغير في حاجة إلى أن نعامله على أنه كائن لا يعرف إلا قليلاً
من هذه الدنيا .. ولا يعرف القليل عن نفسه .. وعن غيره ..
ولذلك يجب أن نعامله على أنه صغير .. يريد أن يعرف
وكثيراً ما يغلط .. وعن طريق الغلط يعرف الصواب ويتطلع إلى شيء جديد
ولكن إذا تصورنا أن الطفل له عقل رجل .. وجسم كائن صغير
فقد ظلمنا الطفل .. لا بل أسأنا إليه .. فإذا اختلف الأب .. والأم ..
في تقدير المسافة التي يجب أن تكون بين .. الأب .. والطفل ..
والأم .. والطفل .. فإن الطفل سوف ترتبك حياته ..
فالأب يريد أن يجعله بعيداً والأم تجعله قريباً ويتذبذب الطفل بينهما ..
ويتلعثم ويتهته ويصبح مشلول الإرادة والقدرة على الفهم والتمييز ..
بين الخطأ .. والصواب .. والصديق .. والأم .. والعدو .. والأب ..
لا بد أن تكون هناك مسافة معقولة بين الأطفال .. والآباء .. والأمهات ..
وهناك مشكلة أكبر من ذلك وهذه المشكلة تتعلق بالمسافات التي بيننا
فإذا نشأ الطفل على أنه على مسافة قريبة جداً جداً من الأم .. والأب
فإن هذا الالتصاق بهما يجعله عاجزاً لأنه يعتمد على الأب .. والأم
وفي نفس الوقت يكره هذه العلاقة .. لأن الطفل عندما يكبر ..
يريد أن تكون له شخصية مستقلة وأن تكون له خصوصيات ..
أي يجب أن يكون على مسافة أبعد .. وأبعد .. حتى لا يراه أبواه
أن تكون له غرفة خاصة أن تكون له علاقات خاصة
أن يقول هذا لي وحدي وهذا شأني وهذا رأيي وهذا مستقبلي وهذه حياتي
وهكذا .. فإذا اتسعت المسافة بين الأم .. والأب منذ الطفولة
ولم يكن للأب والأم أي دخل في حياة الطفل كان ذلك وبالاً على الطفل
وإذا كان الطفل لصيقاً بأبويه .. فلا مسافة .. ولا خصوصية
فإن هذا الطفل سيكون عاجزاً مشلولاً ..