كَآيّ بشريّ يحزنْ .. !
على صَدَفةِ الذاكرةِ نقوش لـن تموتْ و إنْ كُسِرَتْ ،
و أيامٌ لنْ تنتشي ساعاتهـا و الدقائقْ
و إن نسِيتَ بأيّ وجه بَدأتَ بِهِ صباحاتهـا ..
و قفزت لِذاكرتي عبراتُ يومٍ حزين ،
ليسَ لأنني كُنت حزينة يومها بـلْ لأن الحٌزن
توقّف عن مُداعباتهِ السخيفة
و أسكنني طياتّه دون ان يُميتني فيها .
أذكر حينَ دخلتُ يومها :
عبقٌ يجتاحُ روحَ هذا المكان ..
" أَ هو الألم ؟ أم فرحـة ُ موتِ الألم .. أو موتُ الإحساسِ بِالألمْ ؟ "
سجادة رسَم الزمنُ عليها لوحاتاً مِن المعصية و طلاسيم اهتراءٍ عتيقة ..
مَكتبٌ يبوح ألماً مِن ذكريات الشقاء التي ﻻ تهدأ ذِكراً ..
دستة مِن اﻷوراقُ المُهشمة تبكي متوسلة :
" أعيدوا إليّ روحي أو احرقوني في مأدبةِ الزمن الشريف .. "
و قَلمٌ أسود تعترشُ أطرافهُ حوافٌ مِن ذهبٍ آسر ،
لكنَ حِبره قُتل هجراً و غياباً و جفىً طاغِ ،
يقبعُ قُرب مِحفظة بُنية جَوفاء إﻻ مِن غبار
و على سنهِ المُدببة بقايا دموعُ مفقودة مُنذ زمِن بعيد
" لم تَجُفَ بعد و لَم يُنتهى مِن ذرفها بعد .. "
و بقايا صورٍ غادر أصحابُها الحياة مُنذ زمن بعيد "
سكنوا التراب و "نبتَ الربيعُ على دُمنتهم" ،
ﻻ أدري أيّ دربٍ قد سلكوا ؟
يبدو مِن ملامِح و تضاريس مُحياهم أن الذل قد سكنَ طويلاً بينَ حناياهُم ،
" اعتادوا لُقمة المُر و شرابِ الحنظل ،
يُرددون البسمات كـ نشيد وطني يوميّ
فقط لـ يعيشوا يوماً آخر و يقتربوا مِن ساعة المَوتِ أكثر .. "
الحُزن الشديد قَد يُميت سرعة الوقتِ البطيء ..
يحتاجون للقُرب للدنو مِن الفناء .. ~
البرواز اﻷخير احتضن في رحمه تصويرٍ لِملاك بشري ..
" شعرٌ أشعثُ بشكل جذاب ، أنفٌ دقيق و فمُ مُمتلىء لذيذ "
روحٌ لَم تُغادر الـ سبعة أعوام استحلت لقب الملاك ،
آمنتُ بـ عُذريتهِ بـ روحهِ الفريدة عَن أُسرتهِ الواجمة ..
لكنني بِـ تمعنٍ غير مُتعمد لَحِظتُ تشابه القرائح ..
" كُلها -البراويز- تحمل ذات الطابعِ الحزين المُشفق على نفسِه و يأسِه و بُعد فناءه "
حتى ملاكي الرَحيم ..
أعمتني نظرتهُ المُشاغبة عَن عبراتِ الحُزن الساكنة
بِعمق تفاصيله وانحناءات بَسمتهِ المُصطنعة
" كَـ سارقٍ ينظرُ لـَ عينيك و بِيدهِ مسروقَك و يُقسم بِالله أنه ما سرقَ مِنك شيئاً .. "
إنهُ طِفل حزين ما عاشَ كـ اﻷطفال ! ..
انتهيتُ مِن تِلك الرسومات اﻹنسانية
و ما ارتشفتهُ مِن أسىً كان كافٍ ليجعلني أموتُ حُزناً ..
" لكن عَيش اﻷحزان لذيذ غريبُ يرفعك بعيداً فـ تستطعِمُ معاناة البائسين
و أنّاتِ المُقتاتين على فرحِ الزهور و ألوان قوس قزح وهمي .. "
الجُدران إنها تحتبسُ هذا الأسى كُله !
خَشيتُ أن تزفر فأنتهي مِن الوجود ..
هُناكَ سريرٌ بعيد وحيد ..
يبدو أنَ آخر من احتضنه شخص بائسٌ مريض ..
يُناظر السقف بِـ شحوب و عينين باردتين ﻻ تهتدي لِـ درب آخر غير بُقعة وحيدة مِن السقف ..
تنتظر الموتَ ما عادَ يُضنيها المَرض .. تآكلت روحها و بقي جزءٌ مُعذب
" بـِ انتظار زفرة الولوج مِن الجسد و اﻻلتقاءِ بِـ السماء بعيداً عَن اﻷرض .. "
و تترك الجسد بالٍ لِلتراب يقتاتُ مِنه دود اﻷرض
و يستحيلُ الباقي مِنه لِـ ثروة أرضية ..
السريرُ رَغم بياضهِ إﻻ أنهُ مُعتم ﻻ نورَ فيه !
وسادتهُ بالية مِن الدمع البليد و الدِثار مجعدٌ لِـ حد القَهر ..
رُغم اﻷلَم الذي حَملتهُ صورة السرير إﻻ أن وِقاره لَم يحتمِل التغيير
فَلم تَجرؤ يداي و لَم أبسُط الدثار و أفّك تعقيداتهِ المُلمة ..
بَل احترمتُ رغبته و أبقيتُ له ماء وجهه و الوقار الدفين ..
يبدو أن مَعالم الحُزن قد انجلت ..
عِشتها و لَم أذر مِنها فرداً ..
مضيتُ لِلباب و كانَ اﻷكثرُ أسىً مِن بينهم ..
ملِكُ الآﻻم و باسُط الذراعِ و هادىء السريرة على عرشِ اﻷحزان ..
التحمت يداي بِـ مسكتهِ الدافئة
" بِـ لطف أوصدتهُ و رحلتُ بعيداً
و الحيرة تُلقي بِـ شباكها
و أسأَل هلَ مِن مرارةِ أكبر و حُزن أعظم ؟ نَعم .. !"