الموضوع
:
مدونة القران الكريم
عرض مشاركة واحدة
19 - 8 - 2014, 03:01 AM
#
56
عضويتي
»
2702
جيت فيذا
»
15 - 12 - 2012
آخر حضور
»
2 - 11 - 2014 (08:40 PM)
فترةالاقامة
»
4396يوم
مواضيعي
»
203
الردود
»
4733
عدد المشاركات
»
4,936
نقاط التقييم
»
145
ابحث عن
»
مواضيعي
❤
ردودي
تلقيت إعجاب
»
0
الاعجابات المرسلة
»
0
المستوى
»
$51 [
]
حاليآ في
»
دولتي الحبيبه
»
جنسي
»
العمر
»
سنة
الحالة الاجتماعية
»
مشروبى المفضل
»
الشوكولاته المفضله
»
قناتك المفضلة
»
ناديك المفضل
»
سيارتي المفضله
»
الوصول السريع
رد: مدونة القران الكريم
تيسير البيان عن إعجاز القرآن
بقلم
الدكتور محمود أحمد الزين
باحث أول بدار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث
له الحمد وبه المستعان ، وعلى حبيبه سيدنا محمد وآله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.
وبعد فقد ترددت بين الناس كلمة تقول : إن إعجاز القرآن أمر لا يدركه إلا العلماء المتخصصون.
وهي كلمة غير صحيحة ، لأن من وجوه إعجاز القرآن ما يمكن أن يدركه كل إنسان، وإن كان منها ما لا يدركه إلا العلماء ، ومنها ما لا يدركه إلا أكابر العلماء .
والوجه الذي يدركه كل الناس مذكور في القرآن الكريم نفسه في قول الله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82) } الإسراء .
أي لكان بعضه متناقضاً ، وبعضه قاصراً ، وبعضه خطأ ، وبعضه ضعيفاً ، وأي شيء وجد من ذلك . كان فيه نفي الإعجاز عنه ، مهما وجد فيه بعد ذلك من صواب ، لأن الله تعالى لا يمكن أن يصدر منه أي خطأ ، فإذا خلا كتاب من الخطأ دل ذلك على أنه من عند الله سبحانه دلالة قاطعة ، إذ لا يمكن أن يخلو غير الله سبحانه من خطأ ، إلا أن يعصمه الله سبحانه .
والمراد بالخطأ الذي نفاه القرآن الخطأ الحقيقي ، لا الشيء الذي يختلف العقلاء فيه ، فيراه بعضهم خطأ ، ويراه الآخر صوابا ، كل حسب فهمه وعلمه ، ولو صح أن يكون هذا النوع حجة لكان الأعداء يتخذون الشبهات والحيل دليلا على وجود الخطأ، ويرفضون كل دليل صحيح بناء على هذه الطريقة .
وبيان أن انتفاء الخطأ معجزة يحتاج إلى ضرب مثال من واقع تأليف الكتب في العلوم كلها ، فما من كتاب يكتبه صاحبه إلا ويكتشف فيه غيره خطأ ، بل كثيرا ما يكتشف هو نفسه خطأ في كتابه حين يراجعه ، لا سيما إذا مضت عليه مدة ينضج فيها علمه ، وتتجدد نظراته في العلم ، ولو كان في القرآن أي خطأ لاكتشفه الناس لا سيما أولئك الخصوم ، الذين يفترون عليه ، إذ لو وجدوا أي خطأ لاستغنوا عن الافتراء .
والمثال الذي يوضح أن الإعجاز القرآني يدركه كل من تدبره : هو أن نفترض افتراضا وجود كتاب في اختصاص واحد من علم واحد ، ولنفترضه طب العيون - وهو علم تجريبي - ولنفرض أنه قد اجتمع على تأليفه وتنقيحه جميع أهل الاختصاص في العالم ممن حاز لقب أستاذ (( بروفيسور )) ونتسأل هل يمكن أن يكون فيه خطأ ؟ إن أهل العلم أنفسهم يقولون : نعم لا يستبعد ، ومع ذلك فسنفترض أنهم قالوا : يستبعد كل الاستبعاد أن يوجد فيه أي خطأ ، ولو وجد لكان فيه قليلا جدا ، لا يتجاوز نسبة واحد من ألف ، بل لا يتجاوز نسبة واحد من عشرة آلاف .
أثر مرور الزمن على معلومات الكتب :
ترى لو أعدنا عليهم السؤال بعد عشر سنوات ـ مع ملاحظة تطور العلم ، لا سيما في زمننا الذي تطور فيه العلم تطورا يغير كثيرا من نتائج البحث العلمي التي كانت معتمدة ـ هل يستبعدون الخطأ ، أو هل تبقى نسبة وجود الخطأ واحد من عشرة آلاف؟ الإنصاف يقول : لا ، فإذا طرحنا السؤال عليهم بعد مائة سنة فسنراهم يقولون : إن وجود الخطأ يصبح أمرا محتما لا ريب فيه ، إذن ماذا يقولون لو طرحنا السؤال عليهم بعد ألف سنة ؟ وقد طرحت هذا السؤال ذات مرة على طبيب فقال : إن تطور المعلومات الطيبة في ألف عام لا بد أن يكشف أن أكثر هذا الكتاب صار أخطاء .
أثر تعدد الموضوعات والعلوم على زيادة احتمال الخطأ في الكتب :
لقد افترضنا أن الكتاب في علم واحد هو الطب ، واختصاص واحد منه هو طب العيون ، وهذا يقلل احتمال وقوع الخطأ ، أفلا تزيد نسبة وجود الخطأ إذا افترضنا إضافة الاختصاصات التي لها صلة بطب العيون كأمراض المخ والأعصاب وأمراض الدم ، وكالجراحة والصحة العامة ، والغذاء وأمثالها ؟ نقول هذا مع بقاء المستوى العلمي في الأطباء الذين شاركوا في التأليف والمراجعة والتصحيح ، ومع بقاء العدد الأكبر منهم ؟ إن نسبة الخطأ في هذه الحالة سوف تزيد وإن لو تكن كبيرة، لكنها ستكون كبيرة بلا شك إذا نحن افترضنا أن الكتاب يشتمل على كل الفروع الطب الجسمي منها والنفسي . أما إذا أضفنا إلى الطب في هذا الكتاب علوما أخرى تكمله وتساعده كالصيدلة والكيمياء والتحليل المخبري ، وطبائع أجسام الحيوان (( البيولوجيا )) ، وعلم النبات ، وعلوم الأجهزة الطبية وصناعتها كأدوات الجراحة والتصوير والتحليل ، فنسبة الخطأ بلا شك تكون أكبر عددا كلما تعددت الاختصاصات والعلوم ، وتكون آكد تحققا ، لا سيما بعد مرور ألف سنة كما تقدم .
أثر انفراد المؤلف على احتمال الخطأ في الكتاب :
لقد لا حظنا أولا أثر تطاول الزمن على الكتاب ، ثم لا حظنا معه أثر زيادة عدد الاختصاصات والعلوم التي اشتمل عليها الكتاب ، فأدى الأمران إلى زيادة احتمال الخطأ ونسبته وتأكده ، فلنلاحظ الآن أثر عدد المؤلفين الذين تعاونوا على تأليفه ، فقد افترضنا أنهم جميع المختصين في العالم ، ترى هل تزيد نسبة احتمال الخطأ إذا كانوا هم نصف المختصين لا جميعهم ؟ لا شك أن هذا النقص الكبير في التعاون سيؤدي إلى زيادة النسبة ، فإذا افترضنا أن التعاون كان بين خمسة منهم فقط صارت كبيرة ، فإذا افترضنا أن المؤلف واحد لم يساعده أحد كانت نسبة الخطأ أكبر وعددها أكثر وتحققها آكد ، لا سيما إذا تذكرنا مرور الزمن الطويل ، مع كثرة الاختصاصات التي بحثت في الكتاب ، ومع عدم التعاون بحيث يكون المؤلف واحدا ، لكنه في أعلى درجات العلم.
أثر مستوى التحصيل العلمي عند المؤلف على احتمال الخطأ في الكتاب :
أما ما هو أهم من ذلك كله فهو ملاحظة المستوى العلمي للمؤلف ، فماذا حال الكتاب ونسبة الخطأ فيه إذا مر عليه ألف عام تعدد الاختصاصات والعلوم ، ومع عدم وجود التعاون ، ومع المستوى العلمي الأقل ، كما لو افترضنا أن المؤلف كان طبيبا مختصا، لكنه ليس في رتبة الأستاذ (( البروفيسور )) ولا شك أن نسبة الخطأ تزيد حينئذ ، لان المستوى العلمي للمؤلف هو أهم عناصر التأليف ، يرتقي الكتاب برقيه ، ويضعف بقلته ، وهذا يظهر أكثر إذا افترضنا المؤلف طبيبا عاما غير مختص ، وتتعاظم الأخطاء إذا افترضنا ممرضا ، وتتفاحش الأخطاء ويتكامل ظهورها إذا افترضنا حامل شهادة المدارس الابتدائية ، فماذا يكون حال الكتاب إذا كان صاحبه أميا أملى الكتاب على بعض أصحابه إملاء ؟!!.
ماذا يكون في هذا الكتاب من صواب عند تأليفه بغض النظر عن تطور العلوم عبر الأزمان الطويلة ؟ !! .
هذا المثال يوضح لنا حالة القرآن مع من جاء به يعرضه على الناس ويدعوهم إلى الإيمان به ، إنه النبي الأمي الكامل الأمية ، فقد كان هو أميا ، في بلد أمي أمية ، وجاء بهذا القرآن الذي يشتمل على علم العقيدة الإسلامية بتفاصيلها ، وعلى علم مقارنة العقائد الدينية مقرونة بأدلتها ، ومقارعة المخالفين بالحجة والبرهان ، وعلى علم أساسيات التشريع بكل جوانبه : العبادات مع بيان مقاصدها وآثارها ، والقوانين : قانون الأسرة (( الأحوال الشخصية )) ، والقانون الاقتصادي ، والجنائي ، والعسكري ، والدولي ، وقانون المرافعات من شهادة واعتراف واستدلال وغير ذلك، واشتمل على دستور الأخلاق الإنسانية وأهم قضاياها ، وعلى مجمل تاريخ الوجود الإنساني في أهم مراحله ، ومجمل تاريخ الأديان وما طرأ عليها من تغيير ، واشتمل على قواعد مهمة جدا من علم النفس ، وعلم الاجتماع ، وقطوف من الطب والطبيعة، وغير ذلك ، يسوق كل هذا بطريقة تربوية تعمق أثره في النفوس ، وبأسلوب أدبي رفيع ، هو وحده معجزة مستقلة .
وهو مع ذلك كله يقول : إن هذا الكتاب لا يوجد فيه أي خطأ موثق بالدليل الصحيح ، وهو يتخذ من ذلك دليلا على أنه من عند الله { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( 82 ) } النساء .
وهو يتحدى المتشككين بأن الله الذي أنزله يقول : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ( 23 ) } البقرة .
وهذا التحدي ليس مقصورا على قومه أو جيله أو عصره ، بل هو يقول : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( 88) } الإسراء .
هل يمكن أن يعجز البشر عن كشف خطأ واحد في كتاب تعددت علومه ، جاء به إنسان واحد أمي ، من بلد أمي ، ومن أمة أمية ، وقد مضى على الكتاب ألف وأربعمائة عام ؟ هل يمكن أن يعجز البشر هذا العجز لو كان الكتاب من تأليف هذا الإنسان ؟
البداهة تقول : لا يمكن ، والعلم العميق يقول : لا يمكن . فهو إذن معجز لا يقدر عليه إلا الله ، ولا يأتي به إلا الصادق الأمين وحيا من عند الله .
هذا الوجه من وجوه إعجاز القرآن عام في كل جانب من جوانب القرآن ، وكل علم من العلوم التي تناولها ، يستطيع أن يتفحصه كل صاحب اختصاص ، سواء كان أعلم العلماء ، أو أبسط البسطاء في اختصاصه .
كما يستطيع ذلك كل مثقف وكل ذي عقل سليم ، وهو يغني الناظر عن البحث في وجوه الإعجاز الأخرى التي تحتاج إلى استعداد علمي خاص ، ولا يخلو وجه من تلك الوجوه عن مقدار يمكن أن يدركه الناظر بشيء من التأمل الصحيح .
وجوه أخرى من إعجاز القرآن :
وسأعرض هنا بإيجاز شديد إلى طرف من وجوه أربعة من الإعجاز : هي الإعجاز التشريعي ، والإعجاز الأدبي ، والإعجاز بكشف غيب المستقبل ، الذي لا يمكن تقديره حسب المقدمات الظاهرة الموجودة في الحاضر ، والإعجاز في موافقة الكشوف العلمية الطبية للقرآن .
الإعجاز التشريعي
والإعجاز التشريعي يظهر في الأمور الثلاثة التالية : الاعتراف العلمي العالمي به ، والاعتراف التشريعي العالمي به ، وعدم احتياجه إلى التعديل خلافا لكل قوانين الدنيا.
(1) أما الاعتراف العلمي العالمي به : فيظهر في تلك الدراسات الجامعية من رسائل الماجستير و الدكتوراة في الشريعة الإسلامية ، لا في جامعات العالم الإسلامي فقط ، بل في العالم الغربي الذي يتبنى عداء العالم الإسلامي والدين الإسلامي ، وكذلك الأمر في كثير من بلدان العالم غير الإسلامي في الشرق ، وهذا اعتراف ضمني من الجميع ـ حتى الخصوم ـ بأن هذا التشريع يستحق أن يدرس دراسة علمية على أعلى المستويات ، فهل يمكن أن يأتي أحد بكتاب على هذا المستوى وهو أمي في بلد أمي في أمة أمية ؟ !! .
(2) وأما الاعتراف التشريعي العالمي به : فيظهر في قرارات المؤتمرات العالمية :
أ ـ مؤتمر القانون المقارن في مدينة لاهاي في جمادى ( 1356هـ ) أغسطس ( 1937) حيث اتخذ القرار التالي : (( اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع العام )) (1)
ب ـ مؤتمر المحامين الدولي في مدينة لاهاي ( 15ـ 22 أغسطس 1948) حيث اتخذ القرار التالي : (( نظرا لما في التشريع الإسلامي من مرونة وماله من شأن هام يجب على جمعية المحامين الدولية أن تتبنى الدراسة المقارنة لهذا التشريع وتشجع عليها )) (2) ، والتشريع الإسلامي أساساته كلها في القرآن .
ج ـ بل عقد المجمع الدولي للحقوق المقارنة مؤتمرا في كلية الحقوق من جامعة باريس (2/7/1951) باسم : (( أسبوع الفقه الإسلامي )) كان من جملة قراراته المتعلقة بالشريعة الإسلامية ما يلي :
(( إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها...ويرغب المؤتمرون أن يظل أسبوع الفقه الإسلامي يتابع أعماله سنة فسنة )) (3) .
أيعقل أن يؤلف التشريع الإسلامي ـ الذي يقر خصومه هذا الإقرار ـ إنسان مهما عظم علمه ، فكيف الأمي في بلد الأمية والأمة الأمية ؟!!. أم هو تنزيل العليم الحكيم ؟!!.
(3) وأما عدم احتياجه إلى التعديل خلافا لكل قوانين الدنيا ، فهذا برهان من لإعجاز يستطيع كل مثقف مهما قل مستواه الثقافي أن يتأكد منه ، فكل قوانين الدنيا تظل دائما بحاجة إلى التعديل حسب تغير الظروف وتغير الشعوب وتغير الأوطان .
وأقرب مثال على ذلك هو القانون الروماني ، الذي ظل الرومان ينقحونه مئات السنين ، ثم أخذ منه العالم الغربي قوانينه ، وهي عرضة للتعديل دائما، حتى صار الفارق بينها وبين الأصل كبيراً ، وهذا التعديل قاعدة تشريعية معترف بها عالمياً . لكن التشريع الإسلامي ـ الذي وضع القرآن أساساته ـ ظل سائداً في المجتمعات الإسلامية ثلاثة عشر قرنا دون حاجة إلى أي تعديل ، إلا إذا كان ضمن قواعده هو ، وأحكامه هو ، وحينئذ يكون التعديل لما أدركه العلماء منه ، لا تعديلا له ، أما هو فاستغنى عن التعديل ، رغم تغير الأزمان وتغير الأوطان وتغير الشعوب ، وظل يفيض أمنا وسلاما على المسلمين إلا حين يخالفه الحكام والقضاة ، ولا يزال أثر ذلك الأمن موجوداً في البلاد الإسلامية بعد زوال حكم الشريعة الإسلامية منها ، يختلف حظها من الأمن قرب نظامها من الشريعة الإسلامية ، وحسب قرب عاداتها منها ، أو حسب قرب شعبها من مفاهيم الإسلام وأخلاقه وسلوكياته .
ترى هل يعقل أن تكون حاجة كل قوانين الدنيا إلى التعديل مستمرة رغم اعتمادها على الدراسات القانونية الجامعية ، وعلى أنواع شتى من هذه لدراسات ، وعلى مشاورات كثيرة لأعضاء اللجان المتخصصة في المجالس التشريعية ، بينما يستغني التشريع الإسلامي عن التعديل إلا ضمن قواعده وأحكامه وثوابته ، مع أنه جاء به رجل أمي في بلد أمي في أمة أمية ، أيعقل ذلك إلا إذا كان الذي جاء به رسولاً مؤيداً من عند الله تعالى .
الإعجاز الأدبي
إن الحديث عن الإعجاز الأدبي في القرآن: وهو أنه ارتقى في البلاغة حتى صار في مستوى يعجز عنه البشر أفراداً وجماعات ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً – هذا الحديث يطول كثيراً ، وهو أحوج أنواع الإعجاز إلى الاستعداد في التحصيل الدراسي وفي التذوق ، وتوضيحه أصعب ما يكون ، لا سيما في وقتنا الذي تضاءلت فيه إمكانية إدراكه حيث غلب على الدارسين ضعف الاستعداد ؛ لقلة التحصيل الدراسي وضعف التذوق .
لكن هناك مقداراً يمكن بيانه وهو الإيجاز العظيم في هذا الكتاب ، فرغم كل العلوم التي تناولها مما سبق ذكره في هذه الرسالة الصغيرة . لا يتجاوز حجمه حجم كتاب صغير من مقياس الصفحات المعتاد ( 25 × 18 سم ) ولا تتجاوز صفحاته (150) صفحة لو طبع بالحرف المتوسط كما في الكتب المتداولة ، وهو مع ذلك فيه تكرار غير قليل في القصص والأخبار كقصة موسى عليه السلام وتكرار في تناول الموضوعات كموضوع التوحيد والشرك .
والإيجاز من أهم عناصر البلاغة في النصوص الأدبية مع المحافظة على الوضوح كما في القرآن الكريم ، حتى قال بعض علماء البلاغة : (( البلاغة هي الإيجاز )) ، ترى أيمكن وجود هذا المقدار من الإيجاز في استطاعة البشر ؟!.
فإذا نحن أردنا دليلا من أهل الاختصاص في الأدب والبلاغة فيكفي أن نذكر أن هذا القرآن أول ما تحدى البشر تحداهم ببلاغته حتى قال : { قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات } 13 هود .
والافتراء ليس له مضمون حقيقي ، فالتحدي أسلوبي حتما ، ثم تنزل معهم في التحدي فقال : { فأتوا بسورة من مثله } مع أن بعض السور كلماتها بضع عشرة كلمة .
وبعد أربعة عشرة قرنا لم يقدم خصوم القرآن أي نص أدبي يعارضه ، إلا تلك المنقولة عن مسيلمة وأشباهه مما هو سخرية في نظر البلغاء ، ترى ما الذي منعهم من المعارضة لو كان ذلك في استطاعتهم ، وما الذي دعا مفاوض النبي صلى الله عليه وسلم من قريش ، وهو الوليد بن المغيرة إلى أن يقول لهم : (( والله ما منعكم رجل أعرف بالشعر مني ، ولا أعلم بزجره ولا بقصيده ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا ، و والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته )).
أيمكن أن يكون أحد منهم قادرا على ذلك ويتوقف عنه رغم التحدي الشديد والتوبيخ والتنديد ؟!.
إن مجرد الفضول الأدبي يدعو الإنسان الذي يجد في نفسه القدرة أن يستجيب ، فكيف إذا كان يجد القدرة وتكون نتيجة المعارضة كسر هذا الخصم الذي حاربوه وحاربهم بكل سلاح ؟ ولقد عارضوا شعراءه حين اشتعل الهجاء بينهم ، ولكنهم لم يعارضوه قط ، أيمكن أن يكون لذلك سبب سوى أنهم عن المعارضة عاجزون ، تحقيقا لقوا الله تعالى وهو يكشف للخلق حجب المستقبل : { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا
فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكفرين (24) } البقرة . ولا سبيل إلى اتقائها إلا الإيمان به .
الإعجاز بكشف المستقبل
ومن أدلة الإعجاز باب الحديث عن الغيب : ولا سيما المستقبل الذي لا يوجد بين يدي من يخبر عنه شيء من دلائله ، ولنأخذ لذلك مثلا قول الله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9) } الحجر .
فسنرى عند التأمل أمرا عجيبا ، وأول ما يظهر من ذلك تميزه على الكتب السابقة ، فمثلا التوراة والإنجيل كتابان لا زالت شعوبها قائمة عليها متعصبة لهما أشد التعصب ، ومع ذلك فإن تاريخ الكتابين ـ حسب ما يقول أصحابهما ـ يصرح بأنهما قد تعرضا لضياع كثير وتدخل من الناس كثير .
فلندع هذا ولننظر كيف يسر الله أسباب الحفظ لهذا الكتاب تيسيرا لا يعرف له نظير .
(1) توثيق الكتب كان أمرا بعيد الحصول في الأمة الأمية نادر الأدوات من ورق وأقلام فكتب القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حسب ما تيسر في نسخة له خاصة ، وفي نسخ يكتبها لنفسه كل قارئ في الجلود والألواح الخشبية أو الحجرية .
(2)حفظوه في صدورهم حفظا حرفيا فكثر حفاظه ، حتى قتل منهم في معركة بئر معونة سبعون حافظا ، فكم كان الحفاظ الآخرون ؟ .
(3) أعيدت كتابته في خلافة الصديق حين كثر القتلى من حفاظه ، مع المقابلة بين النسخة الأولى النبوية وحفظ الحافظ ومنهم الكاتب وهو زيد بن ثابت رضي الله عنه ، وهذه هي نشأة علم مقابلة المخطوطات وتوثيقها ، وهو علم لم يكن معروفا لا سيما عند العرب ، وفي مكة والمدينة بالذات ، لقد نشأ هذا العلم لأجل القرآن خاصة ثم انتقل إلى غيره .
(4) ولما نقل الناس بعضهم من بعض عن غير نسخة الأصل وعلى مناهج إملائية غير موحدة وقع اختلاف في القراءة ، فأعيدت الكتابة مرة ثالثة بمنهج إملائي موحد، في عهد عثمان رضي الله عنه ثم أحرقت النسخ الأخرى ، وألزم الناس جميعا ألا ينقلوا إلا من هذه المصاحف التي تمت فيها المقابلة على الوجه السابق ، لكي لا يتجدد الاختلاف.
(5) ظل القرآن ينقل بالسند المتصل حتى يومنا هذا في بداية العقد الثالث من القرن الخامس عشر الهجري ، مع الاعتماد على الكتابة والسماع معا ، وشيوخ الإسناد معروفون يقصدهم طلبة العلم لذلك .
ونشأت علوم متعددة كمل الله تعالى بها هذا الحفظ وهذا الضبط من حيث النطق والكتابة :
(1) نشأ علم رسم القرآن ، أي طريقة كتابته ، حيث حافظت الأمة على الطريقة التي كتبت بها المصاحف أيام عثمان رضي الله عنه حتى لا يطرأ عليها أي تغيير ، رغم تطور علم كتابة اللغة العربية (( الإملاء )) تطورا كثيرا . وهذا شيء لم يعرف عن أي كتاب لا عربي ولا غيره قبل ذلك .
(2) نشأ علم القراءات ، وهي طريقة ضبط الكلمات ونقطها على وجوه متعددة ، كلها أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم . وهذه القراءات أيضا رغم أنها مكتوبة فهي تروى بالسماع مع السند من كل طالب إلى شيخه حتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك لم يكن هذا الأمر معروفا ، ولم يزل مهملا في القرآن إلى يومنا هذا .
(3) نشأ علم التجويد ، وهو طريقة لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كل حرف من القرآن ، حتى إن العلماء ضبطوا مقدار طول كل حرف من حروف المد . وهذا أيضا لم يفعله أحد في ضبط كتاب غير القرآن ، ولا أحد يفعله حتى الآن في التحري لضبط الكتب .
(4) اخترع العلماء طريقة تمييز الحروف المتشابهة بواسطة النقط ، كالفرق بين الجيم والحاء والخاء بالنقط ، وهو شيء لم يكن معروفا عند العرب طول تاريخهم .
(5) اخترع العلماء الحركات الثلاث والسكون في ضبط الحروف ، وهي الفتحة والضمة والكسرة والسكون ، من أجل القرآن أولا .
ونشأت علوم أخرى تخدم معاني هذا القرآن الكريم وتفسيره ، وهي مع ذلك تعين القارئ على معرفة أسباب الضبط واختلاف وجوهه ، وأثر ذلك على المعنى :
(1) نشأ علم الصرف ، لمعرفة أسباب ضبط الكلمات في غير آخرها ، وله صلة عظيمة بمعرفة المفردة ، وإن كان يستخدم هذا العلم في كل الألفاظ العربية ولو في غير القرآن .
(2) نشأ علم النحو ، لمعرفة ضبط أواخر الكلمات ، وبه تعرف المعاني التركيبية للجمل ، واختلافها واحتمالاتها ، وإن كان هذا العلم يستخدم في غير القرآن أيضا .
ثم نشأت علوم التفسير ، وهي التي تتناول معاني القرآن من وجوه كثيرة :
1- نشأ علم مفردات القرآن الكريم ، لبيان معاني الكلمات المفردة من حيث اللغة أصلا ، ثم من حيث المقصود بها في القرآن الكريم .
2- علم إعراب القرآن ، وهو تطبيق قواعد النحو على آيات القرآن الكريم ، وكان التركيز في البداية على مواضيع الإشكال ، ثم اكتمل هذا العلم حتى وجدت كتب تعرب القرآن كله .
3- علم الأساليب القرآنية ، وهو التفسير البلاغي للقرآن الكريم .
4- علم قواعد تفسير القرآن الكريم .
5- علم قواعد استخراج الأحكام الشرعية من القرآن والسنة ، وهو علم أصول الفقه .
6- تفسير الأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن الكريم خاصة ، وهي الكتب المعروفة بأحكام القرآن .
ثم توسعت كتب التفسير توسعا كبيرا ، وكثرت كثرة عظيمة ، كل منها يحاول أن يتناول جانبا مهما ، ومنهم من يجمع كل الجوانب في كتاب واحد ، وكتبت كتب موسوعية ، وكتب متوسطة ، وكتب موجزة ، ثم فسر بغير اللغة العربية التي أنزل بها ، ومنعت ترجمته ، حتى لا يعتمد الناس على تلك الترجمات وتنشأ طرق متفرقة في فهمه حسب اللغات ، مع التنبيه إلى سبب أنه لا يمكن أن يترجم ، وهو أن تركيب ألفاظه على الوجه الذي أنزل أمر اختص الله تعالى بالقدرة عليه . فمن المحال أن يقدر بشر عليه ، والترجمة يدخلها اختلاف فهم المترجمين فتختلف صورة القرآن في أذهان الناس حسب الترجمة ، والكتب السابقة ترجمت ـ أعني التوراة والإنجيل ـ وضاعت الأناجيل التي كتبت بلغة بني إسرائيل التي أنزل بها الإنجيل .
وهذا المستوى العظيم من الحفظ والضبط كان سدا عظيما في وجوه أهل الآراء الشاذة المبتدعة أن يغيروا ألفاظ القرآن بحسب مقاصدهم ، فقد اختلف المسلمون في أمور كثيرة ، أما هذا القرآن فلا يزال مكتوبا مقروءا كما أنزل ، قد سخر الله تعالى له هذه العلوم وهؤلاء العلماء فانفرد من بين كل الكتب السماوية وغيرها بوجوه من الحفظ المحكم الوثيق التي لم ينلها غيره ، فهل يمكن لبشر أيا كان أن يقول : { وإنا له لحافظون (9) } الحجر .
فتتهيأ له كل هذه العلوم من أسباب الحفظ التي انفرد بكثير منها بالنسبة إلى ما قبله وما بعده من الكتب ؟ .
ثم ناله من بقيتها التي نالت الكتب الأخرى قبله أو بعده حظ وافر لا يشبهه فيه كتاب تحقيقا لخبر الله في قوله سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9) } الحجر . ومن يستطيع أن يقول هذا إلا من يعلم ما كان وما يكون إلى أبد الآبدين ؟! إلا من { يعلم السر وأخفى (7)} طه . أليس من حقه أن يقول لعباده جميعا :
{ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكفرين (24) } البقرة
الإعجاز
في موافقة الكشوف العلمية للقرآن
والحديث عن الإخبارات الغيبية التي تحققت له صلة وثيقة بالحديث عن موافقة الكشوف العلمية للقرآن الكريم ، مع أنها أمور لم تكن معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأحد من العلماء فضلا عن البسطاء ، وهذا لا يمكن أن يفسر إلا بأن هذا الكتاب أنزله علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية ، ولا يمكن أن يأتي به الخلق ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ..
وفي هذا الموجز أحب أن أذكر بالجانب الطبي في القرآن الكريم ، والمعلومات الطبية ما بين زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزماننا ـ بعد أربعة عشر قرنا ـ قد تغيرت تغيرا كثيرا حتى كأنها انقلبت رأسا على عقب ، ومع ذلك تظل المعلومات الطبية والوصايا المتعلقة بها في القرآن الكريم موضع تقدير المنصفين من أهل العلوم الطبية غير المسلمين ، وموضع إعجاب شديد لهم وبابا من أبواب الهداية للباحثين عن الحق والهدى من طريق البراهين العلمية .
ويكفي لإثبات الإعجاز الطبي في القرآن الكريم ألا يكون في أوامره ونواهيه المتعلقة بالطب مخالفة لشيء من المعلومات الطبية المحققة ، لأن علوم الطب تطورت منذ عصر نزول القرآن تطوراً كبيراً قلب كثيراً من المعلومات ـ إن لم نقل أكثرها ـ وكانت مكة أقل بلدان العالم معرفة بالطب ، فهذا المقدار وحده معجزة لا تقاوم ولا تنكر .
أما إذا جاء تطور العلم الطبي ليؤكد تلك المعلومات القرآنية الطبية، وليكشف عن مجالات أكبر لفوائد الأوامر وأضرار النواهي كان ذلك مستوى من الإعجاز أرقى مما سبق .
لكن الذي نجده في القرآن الكريم هو شيء فوق ذلك كله ، ففي الحديث عن خلق الإنسان نجد وصفا دقيقا لأطوار الجنين وتكوين الإنسان يتفق مع المعلومات الطبية المحققة بعد أربعة عشر قرنا من نزول القرآن ، وقد أفردت لبيانه كتب مستقلة .
ونجد مع ذلك من قواعد الطب الوقائي جانبا عظيما يحمي أتباع القرآن من أمراض كثيرة جدا لشموله أهم الأساسات الوقائية والشمول التام ليس ضروريا ، لأنه كتاب دين أصلا لا كتاب طب. ويظهر ذلك من ملاحظة أسباب المرض ، وأثر الأوامر والنواهي القرآنية في صدها إذ إن أهم أسباب المرض كما يقول الأطباء ما يلي :
أولاً : ضعف تكوين الإنسان في مرحلة الحمل و الرضاع ثم الغذاء مدى الحياة .
أ ـ ففي مرحلة الحمل يضعف بناء جسم الجنين كلما كانت القرابة بين الزوجين أكثر ، وفي مقابل هذا نجد القرآن الكريم يحرم نكاح القرابة الشديدة من الدرجة الأولى : الأصول والفروع ، والدرجة الثانية الأخوات ، والدرجة الثالثة العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وهذا احتياط صحي كبير ، والزيادة عليه تضييق على الناس ، وليس الاحتياط الصحي وحده سبب التحريم بل يصاحبه الاحتياط من الأضرار الاجتماعية ، وهي مهمة جدا .
ب ـ وفي المرحلة نفسها نجد في القرآن تحريم الزنا وتحريم النكاح في الحيض والنفاس بسبب الأمراض الكثيرة التي تؤذي الرجل و المرأة ، وتؤذي تكوين الجنين ـ لو وجد بعد ذلك ـ وقد أفردت لذلك كتب ورسائل جامعية ، وكان إعداد إحدى الرسائل سببا في إسلام طبيعة أمريكية حين رأت الفرق الكبير في نسبة الأمراض الجنسية بين نساء الإسلام وغيرهن .
ولو لم يكن من الإعجاز القرآن طبيا إلا الصيانة من الإيدز وآثاره المدمرة على الرجل و المرأة وتكوين الجنين لكان كافيا وكان مبررا لتشديد عقوبة الزاني ، مع ملاحظة الأهمية الكبرى للأضرار الاجتماعية .
ج ـ وفي مرحلة الرضاع نجد القرآن الكريم يقول : { والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } (233) البقرة . وقد ثبت طبيا أن تكوين الرضيع في خلال الحولين يعتمد على حليب أمه اعتمادا كبيرا ، لا يساويه فيه بديل ، وهو يستغني عنه تماما بعد تمام الحولين وينقص بناء الجسم كلما نقصت المدة عن الحولين .
د ـ فإذا انتقلنا إلى مرحلة الغذاء بالطعام كان أوسع الأبواب لدخول المرض على الإنسان هو الخلل في مقدار الطعام والشراب ، فالنقص يضعف بناء الجسم ، والزيادة ترهقه ، وقد جاءت آيات القرآن تأمر بالأكل والشرب ، وتنهى عن الإفراط فيهما : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } ( 31) الأعراف . وقد أفرد الأطباء تأليفات كثيرة لأمراض نقص التغذية ، ولأمراض الإفراط في الطعام والشراب ، فيكاد من يقرؤها يظن أن هذين الأمرين سبب لكل الأمراض ، ولأهمية هذا التوازن قال أطباء الإسلام قديما : إن الله تعالى اختصر الطب في هذه الآية .
هـ ـ وإذا وقع الخلل في الغذاء أو في توقيته كان في الصيام إصلاح لهذين الجانبين من الخلل ، وكان فيه وقاية من حصول الخلل إذا لم يكن قد وقع فعلا ، هذا الصيام فرضه الله تعالى فرضا كل عام لمدة شهر كامل ، وقد كشف الطب الحديث عن جوانب كثيرة من العلاج بالصيام ، وألفت فيه كتب ، وأنشئت له مصحات ـ وإن كان يختلف عند غير المسلمين عن الصوم الشرعي بعض الشيء لكنه يلتقي معه ويوافقه في كثير من الجوانب ـ . وفي الصيام الشرعي من الفوائد النفسية والاجتماعية ما يزيد الصحة قوة وصيانة .
ثانياً : ومن أهم أسباب المرض أن يكون الغذاء طعاما أو شرابا فيه ضرر ، وفي القرآن الكريم من ذلك شيء غير قليل ، وأهمه ما جاء في قوله تعالى :
أ ـ { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } ( 172) البقرة .
ب ـ وفي قوله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ( 90) } المائدة . وقد شرح الأطباء من غير المسلمين ما في ذلك من الأضرار الصحية الكثيرة ، ففي الخمر إفساد لأجهزة كثيرة في الجسم دفعت أمريكا فيما مضى لتحريمه ـ وفشلت ـ وأما لحم الخنزير ، فقد قال فيه جايلورد هوزر وهو من أشهر أطباء الغذاء في العالم : (( منذ سنوات بعيدة ذكرت بأن الخنزير ليس له مكان في أي نظام غذائي صحيح )) ـ ومن الضروري أن نتذكر بهذه المناسبة أن الآية نزلت في وقت لم يكن فيه أحد يعرف عن أضرار الخنزير شيئا يذكر ـ . وقد استقر في القواعد الإسلامية المشهورة عند العوام قول العلماء: (( كل مضر حرام )) . وهذه القاعدة تجمع من أسباب صيانة الصحة وغيرها ما لا يحصى ، وقد سمعت صيدليا غير مسلم يقول : إن هذه القاعدة الإسلامية من أعظم القواعد الإنسانية . وستأتي الإشارة إلى مصدر هذه القاعدة من القرآن الكريم إن شاء الله تعالى.
ثالثاً : ومن أهم أسباب المرض انتقال الجراثيم إلى الإنسان بواسطة الأقذار أو العدوى من الآخرين ، وهنا نجد في آيات القرآن التي تأمر بالطهارة صيانة عظيمة لحياة الإنسان تبدأ بإزالة فضلات الإنسان وآثارها في الجسم والثياب كالبول والبراز والحيض والنفاس ، وتثني بالوضوء فتغسل الأعضاء الأكثر تعرضا للأقذار ، وتثلث بغسل الحيض والنفاس والجنابة من الجماع . هذا إذا اقتصر الإنسان على الطهارة المفروضة دون زيادة النوافل عليها كغسل الجمعة والوضوء لكل فريضة ، وهن خمس صلوات يوميا .
وفي تحريم النكاح في الحيض والنفاس جانب كبير من تجنب العدوى ـ مع ما في ذلك من تجنب الأضرار الناتجة عن النكاح نفسه ـ وقد قال الله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } ( 222) البقرة . فأخذ العلماء أن النكاح في الحيض محرم بسبب الأذى ـ وهو الضرر اليسير ـ وأخذوا منها أن كل أذى محرم ، وأن كل ضرر محرم بالأولى إضافة إلى ما في الآيات الأخرى من تحريم الضرر ، صحيا كان أو غيره ، فعبروا عن ذلك بقولهم : (( كل مضر حرام والضرر يزال )) .
وأشد من ذلك في الفتك بالصحة ونقل العدوى الزنا واللواط ـ إضافة إلى الأثر السيئ على الجنين ـ وقد حرمهما القرآن أشد التحريم وعاقب عليهما أشد العقوبة ، وصان بذلك المؤمنين الطائعين عن أشد الأمراض تدميرا للإنسان ، في حين عجز الإباحيون عن صيانة أتباعهم منها ، مع ما يملكون من وسائل العلم والإعلام والقوانين والقوة .
رابعاً : وحين يقع المرض يحتاج الجسم إلى العلاج بالدواء ، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر صريح لأثر العسل في الشفاء فقال :
{ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( 68) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس } (69) النحل . وتكفينا هذه الآية عن الآيات التي أشارت إلى أدوية أخرى دون تصريح ففيها ملاحظات :
(1) منها قوة أثرة في الشفاء ، لأن النكرة ههنا تدل على التكثير والتعظيم ، وقد كثرت الدراسات الحديثة عن العسل ، وعن كثرة الأمراض التي يداويها ، وأفردت له كتب كثيرة في غير العلم الإسلامي .
(2) ومنها عموم الفائدة ( للناس ) وفي ذلك إشارة إلى كثرة الأمراض التي يداويها وتنوعها حسب كثرة الناس التي تظهر من عمومه ، وإلى أن الاستفادة ليست مقصورة على أهل الإيمان بهذه الآية ، وإن كان حظهم ـ بسبب الأثر الإيماني ـ فيه أكبر إذ الثقة بالدواء مما يزيده نفعا .
(3) ومنها أثر تنوع غذاء النحل على قوة ما فيه من الشفاء أخذا من قوله سبحانه : { ثم كلي من كل الثمرات } .
(4) ومنها أن الشفاء لا يتناول كل الأمراض في جميع الأحوال أخذا من (( تنكير الشفاء )) مما يحتم على الناس أن يدرسوا طرق الاستفادة منه وينموها على الوجه المفيد بحسب علمهم .
خامساً : بقي من أمور الطب في القرآن الكريم شيء على غاية من الأهمية هو قوة نفس المريض ، وقوة ثقته بالشفاء ، وقد أكدت الدراسات الطبية الحديثة على الأثر الكبير لهذا الجانب من العلاج حتى في أعتى الأمراض وأشدها طغيانا وتمردا على العلاج وهو السرطان ، وحسبنا في هذه المجال يقين المسلمين الطائعين بقول الله تعالى : { وإذا مرضت فهو يشفين (80) } الشعراء
والآيات في هذا الباب كثيرة .
لقد حاولت أن أوجز الإعجاز الطبي في القرآن الكريم أشد الإيجاز فاكتفيت منه بأقل القليل ، وأهم ما في ذلك أن الوقاية الطبية في القرآن منهج وليست قطوفا متناثرة ، وأنه كلما تقدم العلم كثرت مؤيداته واندفعت عنه الشبهات التي يلقيها المبطلون تحقيقا لقول الله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82) } النساء .
وصدق الله العظيم ، فالحد لله دائماً ، ثم الصلاة على مبلغ القرآن رحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وعسى الله تعالى أن ييسر لي من بيان إعجاز القرآن ما هو أوسع وأعمق من هذا الموجز ، وقد كنت نشرت مقالات في الإعجاز التشريعي ، لعل الله سبحانه ييسر نشرها قريبا بفضله وجوده ، وما توفيقي إلا بالله ، له الحمد في الأولى والآخرة .
فترة الأقامة :
4396 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
4432
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
1.12 يوميا
بحـہة بكـى
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات بحـہة بكـى