الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صل الله عليه وسلَّم، رسول الله سيِّد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر.
اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
لماذا قدَّم الله الموت على الحياة، مع أنه في الترتيب الزمني يحيا الإنسان ثم يموت، والله سبحانه وتعالى في
هذه الآية قدم الموت على الحياة ؟
قال بعض المفسرين: لأن حدث الحياة، أو حدث الولادة يعطيك فرصتين ؛ إما أن تكون سعيداً، وإما أن تكون شقياً، يعطيك فرصةً كي تتعرَّف إلى الله عز وجل، لكن حدث الموت حدثٌ مَصيريّ، يحدد السعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي، لذلك حدث الموت أخطر في حياة الإنسان من حدث الولادة، قال الله تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
يا أيها الإخوة المؤمنون... لا يسعد الإنسان في الدار الآخرة إلا إذا صَلُحَ عمله، ولا يَصْلُح عمله إلا إذا عرف ربه، كمقياسٍ دقيقٍ جداً لصحة الإنسان أن ينقلب الإيمان إلى عمل، أو أن يحملك الإيمان على طاعة الله عز وجل، ما دام إيمانك بالله لا يحملك على طاعته، فهذا الإيمان فيه خلل، وفيه نقص، ولابد من أن تجدده، ولابد من أن تنميه.
أيها الإخوة الأكارم... الناس مشغولون بحياتهم الدنيا، إن الحياة الدنيا تأخذ كل ساحة نفوسهم، هي مبلغ علمهم، هي محط آمالهم، أما حدث الموت، فهو ليس داخلاً في حساباتهم اليومية، لذلك جاءت السور المكية لترسخ الإيمان بالله وباليوم الآخر، من هذه السور يا أيها الإخوة المؤمنون سورة الواقعة، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( شَيَّبَتْنِي هودٌ والواقِعةُ ))
( سنن الترمذي: عن " ابن عباس " )
شيبتني " هود " لآيةٍ واحدة فيها وهي قوله تعالى:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
( سورة هود: من آية " 112 " )
" والواقعة " شيَّبت النبي عليه الصلاة والسلام كما ورد في الحديث الصحيح، ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)﴾