..
كل ابن آدم خطّاء .. وخيرالخطائين التوّابون ..
تلك حقيقة ندركها جميعاً ..
ومواجهة الخطأ بالاعتراف به هو أول طريق الإصلاح ..
لكنّ بعض الناس يجنح إلى الاعتذار عن خطئه بتهوينه أو تبريره ..
وهذا يعد هروباً منه ، وعدم استعداد للإصلاح ، فمازال في نفسه شيءٌ من الغفلة
وقد يعالج آخرٌ الخطأ البسيط بخطيئة جسيمة؛
بأن يجنح إلى الكذب مثلاً أو إلى جدلٍ عقيم لاطائلة من ورائه .
وهناك من الناس من يؤمر بخيرٍ فيتثاقل عنه ويخلد إلى الأرض ..
وقد يزجر عن شرٍ ما فيخدع به وينزلق إلى مهاويه ، فإذابيّنت له صنيعه،
يزوغ عن علّته الحقيقية ، ويقول مضلّلاً : ماحيلتي ؟ معذور .. مقهور ...!
وهذا مثال لقول المشركين حين واجههم الرسول بضلالهم في عبادة الأصنام :
( وقالوا لو شاء الرحمن ماعبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون
أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون ).
إن تهرب الإنسان من مسؤولية عمله ، وتجاهل ماأودعه الله في طبيعته
من حرية التوجه إلى الخير أو الشر دون ضغط ، واستعداد للعلو أو الضعة ..
هذا التجاهل لايحرره من مسؤولية وتبعات أعماله ،
فالإنسان مخيّر في فعل الخير وترك الشر ،
مخير في القيام بواجباته نحو نفسه .. وتنفيذاً لأوامر ربه ..
وهناك من يتوهم أن معنى بعض الآيات أو الأحاديث يبين أن الإرادة الإنسانية
غير حرة . مثل قوله تعالى :
( إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون )
ليس معنى الآية أن الإنذار أو عدمه لايجدي نفعاً ؛
لأن نفوسهم مجبولة بحيث لاتقبل الحق ، فهي أوعية للكفر رغماً عنها؟
لا إنما القصد أن يصرف الرسول همته عن قوم لم يقصر جهداً
لإنقاذهم من الضلال، لكنهم آثروا الكفر وأعرضوا عن الهداية بمحض إرادتهم
وكان هذا اختيارهم .
فالإنسان باختياره يقود نفسه إلى سوء المصير ،
بإصراره على المعصية .. باتباعه هواه .. بالغفلة .. التي تورثه عمى القلب
قال تعالى : " ولقد ذرأنا لجهنم كثيراًمن الجنّ والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ).
ومعناه إن بعض الخلق من الجن والإنس بغفلته وشروده عن الحق
يرشح نفسه لهاوية جهنم ..!
وهناك من الأفعال مايصح أن ينسب للإنسان على أنه السبب فيه ،
وإلى الله تعالى على أنه الخالق له ..
كمثل الزراعة .. تنسب للفلاح فهو سبب البذر ..
أما سبب الإيجاد فهو الله تعالى .
ولو أفردنا الفعل في نسبته للإنسان وحده فهذا صحيح ،
أو إلى الله وحده فهو صحيح أيضاً ..فكل واحدة لاتلغي الأخرى ..
وهذه قاعدة تتوضح على ضوؤها معاني آيات كثيرة ،،
ففي بعض الآيات قد يكون الفعل من الله خلقاً ولكن لايُنسب إليه تأدباً
مثل الآية التالية طوِيَ الفاعل :
( وأنا لاندري أشرٌّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)
وكذلك فعل الخضر الذي قال :
( فأردت أن أعيبها ) يقصد خرق السفينة
ولكن في حفظ الكنز قال :
(فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما )
وقد يتجرد المؤمنون تواضعاً لله من كل فضل ، وينسبون كل التوفيق لله :
( الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )
ومع هذا يذكرهم الله تعالى بسعيهم وطاعتهم فيقول عز وجل :
( ونودوا أن تلكم الجنة أُورثتموها بما كنتم تعملون ).
من كل ذلك نعرف أن الإنسان مخير في قضية الإيمان كما في كثير من أمور حياته
وأن الله عالم بما سيعمل كلّ منا في الدنيا،
وماسنصير عليه في الآخرة : الثواب .. أو العقاب،
ولكن من الخطأ القول أن سبْق العلم هو مايرغم الناس على العمل بما كُتِب ..
فهذا قول باطلٌ .. فالعلم ليس قوة ترغم ..
والناس بمحض ارادتهم يتوجهون إلى مايختارون .. والله يتم للعبد مايريد
فمن زرع ثمراً طيباً يحصده ، ومن زرع شوكاً فلا يجني إلا الشوك .
ولكن رُبّ ضالٍّ سيّئ الخليقة أدرك قبل فوات الأوان عاقبة أمره فاهتدى ،
وعمل بعمل أهل الجنة .. فيدخلها.
ورب صالحٍ حسن عمله وخلقه ، ثم غرته الدنيا وأغواه الشيطان فوقع في شراكه
وعمل بعمل أهل النار ..فيدخلها .
ولو تأملنا سيرة كل واحد منهما طوال حياته ،
ثم رأينا خاتمة عمله لعجبنا وطال استغرابنا..!!
فهل الأقدار أجبرتهما على خط سيرتهما من البداية إلى النهاية ؟!
بالطبع لا ..! بل هو الاختيار ..!
(فمن أحسن فلنفسه ، ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ).
وماربك بظلام للعبيد ..
فلنحذر حبائل الشيطان وفتنته :
( يابني آدم لايفتننكم الشيطان). لاتفتتنوا به ولا تنساقوا وراءه ..فتخسروا ..!
ولا تقولوا نحن مقهورين مغلوبين على أمرنا ..
وأنتم في قرارة نفوسكم تعلمون أن منطقة إرادتكم حرّة تفعل ماتشاء ..
فلا تهدروا هذه الحرية في عمل يوردكم النار وبئس الورد المورود ..
لاتجعلوا إرادتكم أسيرة هواكم فتصبحوا على مافعلتم نادمين ..
حببوا الإيمان إلى قلوبكم .. وكرّهوا إليها كل معصية ..
داوموا على الطاعة .. تحلو دنياكم وإن كانت مرّة ..
واجعلوها صنواً ورفيقاً وحبيباً ملازماً لكم
ازرعوا لآخرتكم فالدنيا مزرعة الآخرة ...
وغداً سيكون القطاف ..
فإن خيراً فخير .. وإن شرّاً فشر ..
هدانا الله جميعاً لما فيه الخير..!
..