واحدة من النساء العربيات اللواتي دخلن التاريخ :
هي الصحابية الجليلة أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية رضي الله عنها... وهي بنت اخي ابي جهل عمرو بن هشام عدو الله ورسوله وامها فاطمة بنت الوليد اخت خالد بن الوليد ..... وقد زوجها والدها الحارث من ابن عمها عكرمة بن ابي جهل .... وعندما تم فتح مكة دخل المسلمون مكة المكرمة ، تصدى بعض شباب مكة لجيش المسلمين ، ومنهم عكرمة فقد تصدى لسرية من جيش المسلمين على رأسها ابن عمه وصديق شبابه خالد بن الوليد..... فاشتد القتال بينهما ولما شعر باقتراب الهزيمة فر هاربا خارج مكة ... وأهدر الرسول دمه ..... فهرب عكرمه إلى اليمن وهو يعلم ماتوعده من رسول الله ..... وبعد ذلك دخل الناس في دين الله أفواجا ..... فاسلم الحارث بن هشام واسلمت أبنته أم حكيـــــــم .
وكانت أم حكيم تتمتع بعقل ثاقب وحكمة نادرة ، فحسن اسلامها وكانت من اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وشعرت ام حكيم بحلاوة الايمان تملأ كيانها ، ولكنها كانت حزينة على فرار زوجها عكرمة وكانت تتمنى ان يعود زوجها للعيش في مكة وان يدخل زوجها في الاسلام ويتذوق حلاوة الايمان مثلما تذوقته هي لانه كان من احب الناس اليها واقربهم الى نفسها...... وبعد تفكير عميق من أم حكيــــــم قادتها حكمتها وعقلها الى الذهاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب منه العفو ، فاخذت تبث الى الرسول شكواها ، فرق الرسول لحالها وعفا وصفح عنه ...... وغمرت السعاده قلبها وهي تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفح عنه ويأمنه على نفسه...... بحثت عن زوجها في كل طريق، وسألت عنه كل قريب أو صديق، وعلمت أنه مضى إلى البحر في طريقه إلى اليمن ...... فــاندفعت ام حكيم مسرعه تتبع زوجها الهارب لعلها تدركه قبل ان يركب البحر ، وعانت الكثير مما لا تطيقه أي امرأة ، فعانت ما عانت من وحشه الطريق وقله الزاد ولكنها مع كل هذا لم تيأس ولم تضعف .......
أما زوجها عكرمة فقد ركب البحر على متن السفينة وبقي مهموما ، نادما ، مفكرا في أمره وأمر زوجته وأهله وأقاربه والوطن الذي غادره والدين الجديد الذي جاء به محمد الصادق الأمين....... وخلال رحلته هبت عاصفة قوية، تأرجحت السفينة واقتربت من الغرق وأشرف ركابها على الهلاك..... فقال عكرمة: اللهم لك عليّ عهد، إن عافيتني مما أنا فيه، أن آتي محمدا، حتى أضع يدي في يده ولأجدنه عفوا كريما....... ووصلت السفينة بمشيئة الله إلى بر الأمان..... كما وشاءت قدره الله لها ان تدرك أم حكيـــــم زوجها في ساحل من سواحل تهامه. ولما أدركته قالت له مبشرة: جئتك من عند أوصل الناس وأكرمهم، وقد أمنك، أي أعطاك عهدا بالأمان.
فقال لها عكرمة: اوقد فعلت ذلك؟ .... قالت : نعم........ ثم اخذت تحدثه عن شخص الرسول الكريم وكيف دخل مكه وكسر اصنامها وكيف عفا عن الناس بقلبه الكبير ونفسه المنفتحه لكل انسان...... فنجحت ام حكيم بذرع البذور الطيبة في نفس زوجها ..... فعاد الزوجان إلى مكة المكرمة، ومضى عكرمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رأى نور الإسلام في وجهه، فقام إليه وعانقه وقال: مرحبا بالراكــــب المهاجــــر.
وفتح رسول الله ذارعيه ليحتوي الشاب العائد وليجدد بهذا الاسلام شبابا كاد ان يضيع في ظلمات الجهل.... وما كاد عكرمه ينهل من نبع العقيده الاسلاميه حتي تذوق حلاوة الايمان كما تمنت أم حكيــــم ..... وذات يوم ذهب عكرمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شاكيا بعد أن كان بعض الناس ينادونه بابن عدو الله، فنهاهم الرسول.....
وقال لهم : لا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي...... وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى رؤيا عن ذرية ابي جهل ويكون من أهل الجنة ، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رأيت لأبي جهل عزقا في الجنة، فلما أسلم عكرمة قال يا أم سلمة هذا هو”...... والعزق هو جزء من النخلة (العرجون مع الشماريخ) أي أن الأب الذي كفر في نار جهنم والابن الذي أسلم في جنات الفردوس...... وصدقت رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم .....
فاندفع عكرمة وقد حملت نفسه ايمانا صادقا وحبا خالصا الى ارض المعركه ، وشارك في معركة اجنادين سنة 13 هجري ، وقد كان من ضمن القادة في هذه المعركة بعد خالد بن سعيد بن العاص ، وهي من اول المعارك الكبرى بين المسلمين و الروم ، ومن أول الجيوش الاسلامية
التي وصلت للأراضى الشامية ، وكان الجيش الرومى المكلف بمواجهة المسلمين فى تلك المنطقة مرابطاً فى منطقة 'أجنادين' 'بوادى العربات' من 'غور فلسطين' ويقوده القائد الرومى 'القبقلار' وكان 'الروم' وقتها لا يولون قيادة الجيوش إلا أعلمهم بالكتاب، ومن يحظى برضا القساوسة والرهبان عليه، وكان أيضاً عاقلاً حكيماً، فلما سمع بنزول المسلمين إلى الشام أراد أن يتعرف على هؤلاء الوافدين الجدد، حيث لم يكن قد اشتبك معهم من قبل، فأرسل عربياً من أهل 'الشام' ليندس فى معسكر المسلمين حتى يأتيه بالأخبار، فدخل الجاسوس العربى ومكث فيهم يوماً وليلة، ثم عاد سريعاً وقال للقائد الرومى كلاماً أفزعه بشدة قال له : بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق فيهم ابن ملكهم قطعوه، ولو زنى رجموه لإقامة الحق فيهم، فقال 'القبقلار' : إن كنت صدقتنى لبطن الأرض خير من ظهرها ومن لقاء هؤلاء عليها، لوددت أن حظى من الله أن يخلى بينى وبينهم فلا ينصرنى عليهم ولا ينصرهم علي ........ وبدأت المعركة وقاتل عكرمة قتال الابطال واستشهد في سبيل الله في هذه المعركة ...... ومع ذلك لم تجزع ام حكيــــم فقـــد استشهد في المعركه اخوها، وابوها ، وزوجها ؟ فقد كانت تتمني لنفسها الشهاده مثلهم ........
وبعد فتره من الزمن على استشهاد زوجها وبعد أن أتمت عدتها ..... تقدم لخطبتها العديد من كبار رجالات الاسلام ومنهم يزيد بن ابي سفيان ، كما وتقدم لخطبتها بطل آخر من أبطال الإسلام وأحد السابقين إلى دين الله، هو خالد بن سعيد بن العاص .... وهو من الخمسة الأوائل الذين دخلوا في الإسلام، وكان سبب إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف على شفير النار، فذكر من سعتها ما الله أعلم به، وكأن أباه يدفعه فيها، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحقويه لا يقع فيها، ففزع وقال: أحلف إنها لرؤيا حق، ولقي أبا بكر فذكر ذلك له، فقال له أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فإنك ستتبعه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع في النار، وأبوك واقع فيها......
وعندما علم والده بإسلامه انهال عليه ضرباً وزجراً ثم أخرجه إلى شعب مكة وشمسها اللاهبة ثلاثة أيام لا يبلل شفتيه قطرة ماء حتى يرجع عن دينه.. ولما يئس منه طرده من بيته إلى غير رجعة...... وكان خالد مرافقاً للرسول صلى الله عليه وسلم لا يتركه لينهل من علمه الوفير، وكان من أول المهاجرين الى الحبشة بقي فيها سنين ، ثم رجع مع جعفر بن أبي طالب، شهد خالد رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وغزوة تبوك، وكان خالد يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف، وهو الذي مشى في الصلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خالد أول من كتب “بسم الله الرحمن الرحيم”........ ومن ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عاملاً له على صنعاء اليمن ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالد في اليمن....... فما كان من أم الحكيـــــم ان ترفضه ، فعقد عليها ، وقد نزل المسلمون في هذا الوقت بمرج يسمى مرج الصفر بالقرب من مدينة دمشق في سوريا ، فنادى منادي الجهاد، فقالت له: “لو تأخرت حتى يهزم أعداء الله”....... فقال لها: إنه يشعر أن الأجل قريب وانه سوف يلقى وجه ربه في هذه الغزوة ...... فقالت : أم حكيـــــــــم فدونك....... فأذنت له، فدخل بها عند قنطرة قريبة، عرفت فيما بعد بقنطره ام حكيم ........ فأعد البطل وليمة لأصحابه، فدعاهم ، فلما فرغوا من الطعام ، فاذا بالروم تحشد صفوفها صفوفاً خلف صفوف, و برز رجل منهم يدعو إلى الى المبارزة فبرز خالد بن سعيد فقاتل قتال الفرسان حتى استشهد في سبيل الله في معركة مرج الصفر سنة 14 هجري .....
كانت أم حكيم تسقي الجنود، وتداوي الجراح ........ فلما رأت ما وقع لزوجها نزعـــت عمود خيمتها، وشــــدت ام حكيم عليها ثيابها ، وقامــــت تضرب الروم بعمود الخيمة التي اعرست فيها، فقاتلت قتال الابطال، فقتلت من اعداء الله يومئذ سبعه منهم، حيث اصبحت فيما بعد تكنى بقاتلة السبعه ، وأدخلت بشجاعتها الرعب في قلوب الأعداء، ورفعت معنويات فرسان الإسلام، حتى أحرزوا النصر المبين........ فيا له من عرس!! ويـــــا لهـــأ من عروس تقاتل ليلة زفافها ويا لها من شجاعة و قوة جعلتها تقتل سبعة رجال بمفردها و هي المرأه الضعيفة بذاتها القوية بإيمانها بربها. ما أروع تلك البطولة الفريدة التى سطرها لنا التاريخ عن أم حكيـــــم!!!!!
أعجب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بشجاعتها وإخلاصها ووفائها، فتزوجها، وعاشت معه مدة قصيرة انتقل بعدها إلى جوار ربه، بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بخنجر مسموم، وهو قائم يصلي في المحراب إماما للمسلمين في صلاة الفجر...... هذه أم حكيـــم بنت الحارث بنت اخت سيف الله المسلــــول خالد بن الوليـــد ، سبقت إلى الإسلام لكنها لم تترك زوجها في طريق الضلال بل كانت وفية مخلصة، شاغلها الأول أن يدخل زوجها في دين الله، فيدخل الجنة وينجو من النار. ولتصدق رؤيا الرسول فيه ..... هذه أم حكيـــم بنت الحارث العروس التي تقاتل ليلة زفافها ، وقاتلت بنفسها اعداء الله فكانت قاتلة السبعه بعمود خيمة عرسها ، وزوجة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..... فهي زوجة الشهداء الثلاثة رضي الله عنها وأرضاها..... اللهم ارزق نساء المسلمين قوة ايمانها ووفائها .