الموضوع
:
مدونة المحاضرات والخطب الاسلامية
عرض مشاركة واحدة
21 - 9 - 2014, 12:38 AM
#
94
عضويتي
»
2702
جيت فيذا
»
15 - 12 - 2012
آخر حضور
»
2 - 11 - 2014 (08:40 PM)
فترةالاقامة
»
4396يوم
مواضيعي
»
203
الردود
»
4733
عدد المشاركات
»
4,936
نقاط التقييم
»
145
ابحث عن
»
مواضيعي
❤
ردودي
تلقيت إعجاب
»
0
الاعجابات المرسلة
»
0
المستوى
»
$51 [
]
حاليآ في
»
دولتي الحبيبه
»
جنسي
»
العمر
»
سنة
الحالة الاجتماعية
»
مشروبى المفضل
»
الشوكولاته المفضله
»
قناتك المفضلة
»
ناديك المفضل
»
سيارتي المفضله
»
الوصول السريع
رد: مدونة المحاضرات والخطب الاسلامية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له..وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
( يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاتهِ ولاْ تموتنَّ إلاّ وأنتمْ مسلمونَ )
( يا أيها الناسُ اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسآءلونَ بهِ والأرحامَ إنَّ اللهَ كانَ عليكم رقيباً )
( يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ وقولوا قولاً سديداً ، يصلحْ لكم أعمالكم ويغفرْ لكم ذنوبكم ومن يطعِ اللهَ وَرسولهُ فقدْ فازَ فوزاً عظيماً )
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
معاشر الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حياكم الله وبياكم وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم .. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم من دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين .. أسأله سبحانه أن يفرج هم المهمومين ويكشف كرب المكروبين ويقضي الدين عن المدينين وأن يدل الحيارى ويهدي الضالين ويغفر للأحياء والميتين ..
أهلاً بكم أحبتي في ليلة مباركة عنوانها البداية والنهاية ...
ولكل شيء أحبتي بداية ونهاية ..
تعالوا نبدأ هذه البداية بنبأ عظيم رواه الله لنا في كتابه جل وعلا .. إنه نبأ عظيم غفل عنه الأكثرون .. تعال نسمع ونتدبر قوله جل في علاه بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( قلْ هوَ نبأٌ عظيمٌ ، أنتمْ عنهُ معرضونَ ، ما كانَ ليَ منَ علمٍ بالملأِ الأعلى إذْ يختصمونَ ، إنْ يوحى إليَّ إلاَّ أنما أنا نذيرٌ مبينٌ ، إذْ قالَ ربكَ للملائكةِ إني خالقٌ بشراً منْ طينٍ ، فإذا سويتهُ ونفختُ فيهِ منْ روحي فقعوا لهُ ساجدينَ ، فسجدَ الملائكةُ كلهمْ أجمعونَ ، إلاَّ إبليسَ استكبرَ وكانَ منَ الكافرينَ ، قالَ يا إبليسُ ما منعكَ أنْ تسجدَ لما خلقتُ بيديَّ أستكبرتَ أمْ كنتَ منَ العالينَ ، قالَ أنا خيرٌ منهُ خلقتني منْ نارٍ وخلقتهُ منْ طينٍ ، قالَ فاخرجْ منها فإنكَ رجيمٌ ، وإنَّ عليكَ لعنتي إلى يومِ الدينِ ، قالَ ربِّ فأنظرني إلى يومِ يبعثونَ ، قالَ فإنكَ منَ المنظرينَ ، إلى يومِ الوقتِ المعلومِ ، قالَ فبعزتكَ لأغوينّهم أجمعينَ ، إلاَّ عبادكَ منهم المُخلَصينَ ، قالَ فالحقُ والحقَ أقولُ ، لأملأنَّ جهنمَ منكَ وممنْ تبعكَ منهمْ أجمعينَ ، قلْ ما أسألكمْ عليهِ منْ أجرٍ وما أنا منَ المتكلفينَ ، إنْ هوَ إلاَّ ذكرٌ للعالمينَ ، ولتعلمنَّ نبأهُ بعدَ حينٍ )
ومنذ تلك اللحظة بدأت حكاية البداية والنهاية .. بدأت المعركة بين الحق والباطل .. معركة باطل يتزعمها إبليس وجنوده .. هدفهم إضلال البشرية وتزيين الباطل لهم وصدهم عن صراط الله المستقيم .. واستخدموا لذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ..
قال تعالى على لسان إبليس : ( قالَ فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطكَ المستقيمَ ، ثمَّ لآتينهمْ منْ بينِ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدُ أكثرهمْ شاكرينَ ).. فزينت الشياطين للبشر الضلالة والغواية .. وعود وأماني ( وما يعدهم الشيطانُ إلاَّ غروراً ) .. فزينوا للناس الدنيا والركون إلى شهواتها ولذاتها وأنسوهم الموت وسكراته والقبر وظلماته .. أنسوهم يوم الحشر وكرباته والحساب وشدته ..
فأرسل الله الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع .. قال سبحانه : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً )
وقال سبحانه : ( يا أهلَ الكتابِ قدْ جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ) .. فأرسل الله إلينا خير رسله وأنزل علينا أحسن كتبه وشرع لنا أكمل الشرائع ..
من اتبع وأطاع وسلك طريق الهداية فليبشر بروح وريحان ، ومن ضل وعصا وسلك طريق الغواية فلا يلومن إلا نفسه..
من رحمة الله بنا أن جعل طريق الهداية والاستقامة طريقاً مستقيماً واضحاً بيناً ..عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط لنا النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مستقيماً وخط على جوانبه خطوط ثم قال : " هذه سبل وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه ، وهذا – يعني الخط المستقيم – وهذا صراط الله مستقيماً " ثم قرأ قوله تبارك وتعالى ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) ".
فهيا بنا نبدأ الحكاية وستتكون من العناصر التالية :
أول المواعظ .
ثم بداية حياة ونهاية .
ثم بداية موت وقبر ونهاية .
ثم بداية حشر ونهاية .
ثم بداية حساب ونهاية
ثم آخر الكلام .
أول المواعظ : قدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشام متفقداً أحوالها فزار صاحبه أبا الدرداء في منزله ليلاً ، فدفع الباب فإذا هو بغير غلق ، ثم دخل في بيت مظلم لا ضوء فيه ، فلما سمع أبو الدرداء رضي الله عنه حسه قام إليه ورحب به ثم جلس الرجلان يتفاوضان الأحاديث والظلام يحجب كلاً منهما عن عيني صاحبه ،فجس عمر وساد أبي الدرداء فإذا هو برذعة ، وجس فراشه فإذا هو حصا ، وجس دثاره – يعني لحافه – فإذا هو كساء رقيق لا يفعل شيئاً في برد الشام ...فقال له عمر : رحمك الله يا أبا الدرداء : ألم أوسع عليك ؟! ألم أبعث لك ؟! فقال أبو الدرداء : أتذكر يا عمر حديثاً حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال عمر : وما هو ؟! قال : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: " ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب " فماذا فعلنا بعده يا عمر!! فماذا فعلنا بعده يا عمر !! فبكى عمر وبكى أبو الدرداء وما زالا يتجاوبان البكاء والنحيب حتى طلع عليهما الفجر ..
فلا إله إلا الله والله أكبر .. كيف إذا جاء عمر وجاء أبو الدرداء ونظرا في أحوالنا !!! كم غيرنا !! وكم بدلنا !! وكم انفتحت الدنيا !!
ومضت الأيام قدماً وتوفي أبو الدرداء رضي الله عنه كما هو سبيل كل حي .. فرأى عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه.. رأى فيما يراه النائم .. رأى مرجاً أخضراً فسيح الأرجاء وارف الأفياء فيه قبة عظيمة من أدم حولها غنم رابضة لم ترَ العين مثلها قط ، فقال : لمن هذه ؟ فقيل : هذه لعبد الرحمن بن عوف .. فبينما هو يتأمل في حسن المرج وبهاءه إذ طلع عليه عبد الرحمن بن عوف من القبة ، وقال : يا ابن مالك هذا ما أعطانا الله عز وجل على القرآن .. هذا ما أعطانا الله عز وجل على القرآن .. ولو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم ترَ عينيك وسمعت ما لم تسمع أذنك .. ووجدت ما لم يخطر على قلبك .. أعده الله عز وجل لمن ؟! أعده الله لأبي الدرداء لأنه كان يدفع عنه الدنيا بالراحتين والصدر ..
وصدق الله العظيم حين قال : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) وصدق الله العظيم حين قال : ( والسابقون السابقون ، أولئك المقربون ، في جنات النعيم ، ثلة من الأولين ، وقليل من الآخرين ، على سرر موضونة ، متكئين عليها متقابلين ، يطوف عليهم ولدان مخلدون ، بأكواب وأباريق وكأس من معين ، لا يصدّعون عنها ولا ينزفون ، وفاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، وحور عين ، كأمثال اللؤلؤ المكنون ، جزاء بما كانوا يعملون ، لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً ، إلا قيلاً سلاماً سلاماً ) .. جزاء بما كانوا يعملون ..ما غيروا وما بدلوا ..
هيا نسمع بداية الحياة ونهايتها .. تعال نسمع من أخبار الدنيا ..
قبل ان أبدأ في ذكر أخبار الدنيا أريدك أن تعرف أنه ما ذُمّت الدنيا من أجل الدنيا،إنما ذمت الدنيا لسوء فعل أهلها وغفلتهم عن الآخرة ، وإلاَّ فهي طريقنا إلى الآخرة وفيها نتزود من العمل الصالح .. ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خيركم من طال عمره وحسن عمله ، وشركم من طال عمر وساء عمله " ..
أما من أخبارها فجديدها يبلى ، ملكها يفنى ، عزيزها يذل ، كثيرها يقل ، حيها يموت ، وخيرها يفوت ، لو لم يكن فيها عيب إلا أن أهلها يموتون لكفاها ..اسمع حقيقتها كما قال تعالى : ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور )،هذه حقيقتها.. سريعة الفناء ، قريبة الانقضاء ، تعد بالبقاء ثم تخلف عند الوفاء ..
أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع .
طريق النجاة فيها (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
خلقها الله – يعني الدنيا – خلقها الله للامتحان والابتلاء كما قال سبحانه : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملاً ، وإنّا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً )
الناس فيها على صنفين ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )
وهم أيضاً على حالين ( إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً )
اسمع رعاك الله ماذا أعد الله لهؤلاء وماذا أعد الله لهؤلاء ( فأما من طغى ، وآثر الحياة الدنيا ،فإن الجحيم هي المأوى ، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى ) ..
وقال سبحانه: ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ).. النتيجة :(ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً ، كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً ، انظر ( انظر ) كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً )
قال صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " .
وقال " ما لي وللدنيا ،ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها "
وقال : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " .
وقال : " ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أ هلكتهم " .
مر صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه على شاة ميتة ، قال : " أترون هذه الشاة هينة على أهلها " قالوا : من هوانها ألقوها . قال : " والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ماء " .
وقال :" إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون،وكل الناس غادي " .
تأمل بعد هذا الكلام من سيد المرسلين ..تأمل في حياته ومماته .. تأمل من البداية حتى النهاية .. لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز وكسرت أغلالها لما رآها الله تمشي نحوه لا تريد إلا رضاه سعى لها ..
تقول عائشة : يمر الهلال ، ثم الهلال ، ثم الهلال لا توقد نار في بيوت آل محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا خالة : ما طعامكم ، قالت : الأسودان التمر والماء .
قالت أيضاً : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتاليين ..
تخبز فاطمة خبيزاً فتأتيته بكسرة خبز فيأكلها ثم يقول - بأبي هو وأمي - : " والله يا فاطمة ما دخل بطن أبيك طعام منذ أيام " .
يبكي عمر لما رأى حاله وقد أثر الحصير في جنبه وملوك فارس والروم تلبس الحرير وتنام على الوثير .. فقال يا عمر : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ".. " أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " ..
يبغي من الله المكان الأرفعا .. ما لبس الحرير ولا وضع التاج على الرأس مرصعا ..
يقول الحسن البصري رحمه الله : دخلت بيوت النبوة بعد موته صلى الله عليه وسلم بحين فإذا جدرانها من طين ، سقفها من جريد ، فرشها من حصير ، طولها وعرضها أمتار..
يقول سعيد بن المسيب : لما هدمت بيوت النبوة لتوسيع المسجد ما رأيت باكياً كما رأيت في ذلك اليوم .. يقول : ليتهم أبقوها .. ليتهم أبقوها ..حتى ينشأ ناشئ الفتيان فينا ويروا كيف كانت حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو الذي حيزت له الدنيا بما فيها
ومما زادني شرفاً وتيهاً
دخولي تحت قولك يا عبادي
وكدت بأخمصي أطأ الثريا
وأن صيرت لي أحمد نبياً
ثم سار أصحابه من بعده على نهجه دربه.. ما شربوا المسكرات والمخدرات ، ولا اتخذوا الجواري والقينات ، وما أكلوا الأموال الربويات ، ولا ألهاهم عن ذكر الله شاشات و قنوات ، ولا ضيعوا الأوقات في مطاردة الفتيات في المجمعات .
اسمع من كلامهم وقل بارك الله فيك: أين نحن من هؤلاء ؟!
يقول أبو بكر لخالد رضي الله عنهم : فرّ من الشرف يتبعك الشرف ، واحرص على الموت توهب لك الحياة ، لا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير في قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم..
أتعبت من بعدك يا خليفة رسول الله ...
كتب عمر إلى ابنه عبد الله رضي الله عنها في غيبة غابها أما بعد:فإنه من اتقى الله وقاه،ومن اتكل عليه كفاه،ومن شكر له زاده،ومن أقرضه جزاه، فأهل التقوى أهل الله فاجعل التقوى عمارة قلبك وجلاء بصرك فإنه لا عمل لمن لا نية له ولا خير لمن لا خشية له .
كان يقول : كل يوم يقال مات فلان ومات فلان ولا بد من يوم يقال فيه مات عمر ..
ولقد مات عمر .. لكن على أي حال !! .
أما من كلام عثمان فقد كان يقول : لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير .
كان يقول : لو طهرت قلبوكم ما شبعت من كلام ربها ..
لا عجب فقد كان يقوم الليل كله بالقرآن ..
ولعلي رضي الله عنه كلام ومقال .. اسمع وتفكر ..قال رضي الله عنه : ألا إن لله عباداً مخلصين كمن رأى أهل الجنة في الجنة فاكهين ورأى أهل النار في النار معذبين.. شرورهم مأمونة ، قلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة ،حوائجهم خفيفة ، صبروا أياماً قليلة لعقبى راحة طويلة ، أما بالليل فصفوا أقدامهم في صلاتهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم : ربنا..ربنا ..يطلبون فكاك رقابهم وصلاح قلوبهم ، أما بالنهار فعلماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح – يعني السهام وشبههم بالسهام لأن أجسامهم ضامرة من الصيام والقيام - يقول من ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى ووالله ما بالقوم من مرض ولكن خالط القوم أمر عظيم .. وما أحلى وما أجمل وصف الله لهم : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) فلما وصف نهارهم كان من المناسب أن يصف ليلهم فقال : ( والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً ، إنها ساءت مستقراً ومقاماً ) ..
بكى أحد الصالحين عند موته فقيل له : ما يبكيك ، فقال : أبكي أن يصوم الصائمون ولست فيهم ،ويذكر الذاكرون ولست فيهم ،ويصلي المصلون لست فيهم ..
انظر على ماذا يبكون
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التي تسعى لها
والليل فاعلم والنهار كلاهما
وجميع ما حصلته وجمعته
تباً لدار لا يدوم نعيمها
ستردها بالرغم منها وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
أنفاسنا فيها تعد وتحسب
حقاً يقيناً بعد موتك يذهب
ومشيدها عما قليل يخرب
الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ..من اشتاق للجنة هجر الشهوات واللذات في الدنيا..الدنيا كالحلم تمر مرّ السحاب ساعة من زمن ثم تنقضي .. ألا إنها رحلة بدأت وسوف تنتهي..وسوف تنتهي..هبّ الدنيا تساق إليك عفوا.. أليس مصير ذلك إلى انقضاء .. هب الدنيا تساق إليك عفواً .. أليس مصير ذلك إلى انتقال..ومادنياك مثل ظل أظلك حيناً ثم آذن بالزوال ..
أحبتي ليس المطلوب ترك الدنيا بتاتاً فإن هذا ليس بالإمكان .. ولكن المطلوب الاعتدال في طلبها على وجه المباح لا يصد عن ذكر الله وطاعته .. قال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )..
وقال : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )
لو لم يكن في الدنيا عيب إلا أن أهلها يموتون لكفاها ..
فهيا نسمع خبر الموت بداية ونهاية ..
الموت هو الحقيقة التي لا يستطيع الإنسان مؤمناً كان أو ملحداً أن يفر منها ..
ذكره يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي .. إنه أمر فظيع وأليم يفضح الأسرار ويهتك الأستار ويبدي العورات ويظهر الحسرات.. لو نجى منه أحد لنجى منه خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) فإنا لله وإنا إليه راجعون .. وقال له سبحانه : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ،كل نفس ذائقة الموت ).
جاء عند أحمد يإسناد جيد أن نبي الله داود عليه السلام رأى يوماً رجلاً في داره فقال : من أنت ؟ ، فقال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولايمنعني الحجّاب ، فقال له دواد عليه السلام : فأنت والله إذاً ملك الموت .. لا يمنعه مانع ولا يحجزه حاجزٍ.
أما أحوال الناس عند الموت فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال : " مستريح ومستراح منه " قلنا : يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه ، فقال : " العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله .. والفاجر يستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب".
قال لقمان لابنه : يا بني أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفاجئك .. أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفاجئك ..
فكيف بك إذا نزل بك مرض الموت وحلت ساعة الاحتضار ووقف أبوك المشفق بجوارك وأمك الحنون وأولادك الصغار والكبار من حولك قد أحاطوا بك إحاطة السوار بالمعصم ينظرون إليك بعين الرحمة والعطف والشفقة..قد سالت دموعهم وحزنت قلوبهم يرجون لك الشفاء ويتمنون لك البقاء..ولكن هيهات هيهات ( حيل بينهم وبين ما يشتهون ) فلا يملك أحد من الخلق ان يزيد في عمرك أو يرد إليك عافيتك..إن الذي أعطاك الحياة بلا اختيار منك هو الذي يسلبها منك.." فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار ".إنا لله وإنا إليه راجعون..
فكأن أهلك قد دعوك فلم تسمع وأنت محشرج الصدر.
وكأنهم قد قلبوك على ظهر السرير وأنت لا تدري .
وكأنهم قد زودوك بما يتزود الهلكى من العطر .
يا ليت شعري كيف أنت إذا غسلت بالكافور والسدر .
أو ليت شعري كيف أنت على نبش الضريح وظلمة القبر.
قال سبحانه: ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) .
قال رجل لداود الطائي : أوصني ، قال : عسكر الموت ينتظرونك .. قال : أوصني : قال عسكر الموت ينتظرونك ..
كان مالك بن دينار يقول : والله لو استطعت أن لا أنام ما نمت ، فقيل : لماذا يا أبا يحيى ، قال : أخشى أن يأتيني ملك الموت وأنا نائم ولا أريد أن يأتيني إلا وأنا على عمل صالح ..
فلله درهم ..لكن قل لي بالله العظيم .. كيف ستكون الخواتيم ..
سمع عامر بن عبد الله المؤذن يؤذن لصلاة المغرب وهو يجود بنفسه في مرض شديد فقال: خذوا بيدي.. فقيل له : إنك عليل وقد عذرك الله .. فقال : والله إني أستحي أن أسمع منادي الله ولا أجيب .. والله إني لأستحي أن أسمع منادي الله فلا أجيب ..
الله اكبر .. كم هم اليوم الذين يسمعون ولا يجيبون ..
فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات..ركع مع الإمام ركعة ثم مات ..قل لي بالله العظيم كيف يبعث يوم القيامة (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ، ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين)
فكيف أنت إذا بالماء والسدر غسلوك..
وكيف أنت إذا بالكفن الأبيض أدخلوك ..
وكيف أنت إذا في القبر المظلم أنزلوك ..
يقول أحد مغسلي الموتى : جيء بميت فلما ابتدأنا بتغسيله انقلب لونه كأنه فحمة سوداء ، وكان قبل ذلك أبيض البشرة ، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فوجدت رجلاً واقفاً فقلت:ما هذا..هذا الميت لكم ؟ قال : نعم ، قلت : أنت أبوه ، قال : نعم ، قلت : فما شأن ميتكم ؟! قال الأب : إنه لم يك من المصلين ..إنه لم يك من المصلين ..فقلت له : خذ ميتك فغسله أنت ..أما حكم الله ورسوله في مثل هذا فهو لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يحمل على الأكتاف بل يجر على وجهه وتحفر له حفرة في الصحراء يكب فيها على وجهه ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .. فهل ترضى أن تكون مثل هذا ؟؟؟!!! فهل ترضى أن تكون مثل هذا ؟؟؟!!!
هذا من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الغواية ..
أما من أخبار أولئك الذين سلكوا طريق الهداية.. فيقول أحد مشايخنا : دفنا شاباً بعد صلاة الظهر .. كان داعية ..كان شاباً مواظباً ومحافظاً على الصلاة في المسجد .. لما غسلناه وكفّناه استنار وجهه وأشرق ..فلما أتينا القبر وكنت ممن نزل في قبره لإنزاله .. قلت: بسم الله وعلى ملة رسول الله .. فإذا به أُخذ مني واستقبل القبلة قبل أن أنزله ..قلت لصاحبي : شعرت بما شعرت أنا ، قال : سبحان الله .. أُنزل من يدي قبل ان أُنزله أنا في القبر .. فلما كشفت عن وجهه وجدته يضحك .. فلما كشفت عن وجهه وجدته يضحك ..فداخلني الخوف بأن يكون حياً وأنا الذي غسلته وكفنته .. فسبحان من وفق لحسن الختام أقواماً وخذل أقواماً .. ( ولا يظلم ربك أحداً )
قال ثابت البناني : كنا نشهد الجنائز فلا نرى إلا متقنعاً باكياً ..
واليوم اشهد الجنائز ترى عجب العجاب ..
قال الأعمش : كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المُعزى فيها لكثرة الباكين ، وإنما كان بكاءهم على أنفسهم لا على الميت..
واليوم نشهد الجنائز وكثير من الناس يضحكون ويتحدثون ونداء ربهم يقرع مسامعهم ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون )
اعلم رعاك الله أن من حمل الجنازة اليوم سيُحمل غداً .. وأن من رجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيرجع إليها غداً ..
اللهم لا تدعنا في غمرة ، ولا تأخذنا في غرة ، ولا تجعلنا من الغافلين ..
لا تظن أن الأمر بالموت قد انتهى بل هناك بداية ونهاية أخرى ..
ولو أنّا إذا متنا تُركنا
ولكنّا إذا متنا بُعثنا
لكان الموت راحة كل حي
ونُسأل بعدها عن كل شيء
نعم ..سيبعثر ما في القبور ، وسيحصل ما في الصدور ..
فهيا ننتقل من خبر إلى خبر .. تعال ننتقل إلى موقف عظيم ألا هو موقف الحشر .. والحشر هو جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم .. الحشر هو جمع الناس أولهم وآخرهم ليوم لا ريب فيه ...سماه الله يوم الجمع ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) ..
وقال سبحانه : ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود ).
وقال جل في علاه : ( إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) ..
تأمل حالهم ( يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نُصب يوفضون ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) .. فلا إله إلا الله على يوم مثل هذا .. قدرة الله أحاطت بهم فلا يعجزه شيء حيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم ..إن هلكوا في أجواء الفضاء ، أو غاروا في أعماق الأرض ، إن أكلتهم الطيور الجارحة ،أو الحيوانات المفترسة ،أو أسماك البحار ، أو غيبوا في قبورهم في الأرض ..تأمل في قوله (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير ) .
وكما ان قدرة الله محيطة بعباده يأتي بهم حيثما كانوا فكذلك علمه محيط بهم فلا ينسى منهم أحداً ولا يضل منهم أحد ولا يشذ منهم أحد ..لقد أحصاهم ولن يغادر منهم أحد ( إن كل من السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ، لقد أحصاهم وعدهم عداً ، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ) ،( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً )
الناس فيه سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.. أسكرتهم الشدائد والأهوال ..
قال قتادة : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال سمعت الحسن يقول : ما ظنك بأقوام قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا منها أكلة ولم يشربوا فيها شربه تدنى الشمس من رؤوسهم مقدار ميل فيغرقون في عرقهم ..
فقل لي بالله العظيم كيف سيكون الحال؟!!..
عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : إن الكافر يلجم يوم القيامة بعرقه من طول ذلك اليوم .. وقال علي رضي الله عنه : من طول القيام حتى يقول ربي أرحني ولو إلى النار ..
فلك أن تتخيل أنت وأنا لا محالة من بينهم . لك أن تتخيل لا محالة أنا وأنت من بينهم.. فتوهم نفسك وتخيل قد علاك العرق وأطبق عليك الغم وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب والناس معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء حتى إذا بلغ منك المجهود ومن الخلائق منتهاه وطال وقوفهم لا يُكلمون ولا يُنظرون في أمورهم .. فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو إلى النار .. ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم وموسى وعيسى كلهم يقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله .. فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول نفسي نفسي .. فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها ، وصدق الله حين قال ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) ، قال سبحانه ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ، فيذرها قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً ، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً) فلا إله إلا الله على أهوال يشيب له الولدان وتذهل المرضعات عن الأطفال وتضع الأمهات الأحمال ..
كيف سيكون حالي وحالك (إذا دكت الأرض دكاً دكاً ، وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى ) لا إله إلا الله يؤتي بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ، لو تركت على أهل المحشر لأتت على برهم وفاجرهم (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً ) فإذا نظرت إلى الخلائق فارت وثارت وشهقت وزفرت نحوهم وتوثبت عليهم غضباً لغضب ربهم (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ، تكاد تميّز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم في ضلال كبير ، وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) فتتساقط الخلائق حينئذ على ركبهم جثاة حولها قد أسبلوا الدموع ، ونادى الظالمون بالويل والثبور ( لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعو ثبوراً كثيراً ) ثم تزفر ثانية فيزداد الرعب والخوف في القلوب ، ثم تزفر الثالثة فتتساقط الخلائق على وجوههم ويشخصون بأبصارهم وهم ينظرون من طرف خفي خوفاً أن تبلغهم أو يأخذهم حريقها .. أجارنا الله منها ..
أيا من ليس لي منه مجير
أنا العبد المقر بكل ذنب
إن تعذبني فبسوء فعلي
بعفوك من عذابك أستجير
وأنت الفرد الواحد القدير
وإن تعفو فأنت به جدير
فتصور وتخيل أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم منفرد كل واحد منهم بنفسه يقول : نفسي نفسي فلا تسمع إلا قول نفسي نفسي .. فيا هول ذلك وأنت تنادي معهم بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك وعقابه ..
إنه يوم قد بدأ وسوف ينتهي لكن قل لي بالله العظيم كيف ستكون النهايات وإلى أين المصير؟!
ما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم والشكور نوح والخليل إبراهيم والكليم موسى والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله وعظم قدر منازلهم عند ربهم ..كل ينادي نفسي نفسي .. هذا حال أتقى البشر ، فكيف سيكون حالي وحالك !!! وكيف يكون خوفي وخوفك!!! ..
حتى إذا آيس الخلائق من شفاعتهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم لها وقال : أنا لها .. أنا لها ..
عند الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم وما سواه إلا تحت لوائي " .
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى ( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) سُئل عنها فقال : " هي الشفاعة " فينطلق صلى الله عليه وسلم إلى العرش فيخر ساجداً فيفتح الله عليه من محامده والثناء عليه ما هو أهله ..ذلك كله بمسمعي ومسمعك وأسماع الخلائق أجمعين .. فيقال : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطَ واشفع تشفع ..فيقول يا رب : أمتي أمتي .. فيجيبه ربه عز وجل إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم..( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) ( أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة ، أفمن هذا الحديث تعجبون،وتضحكون ولا تبكون،وأنتم سامدون ، فاسجدوا لله واعبدوا ).
إلا إنها شدة قد بدأت وانتهت وبدأت بعدها عقبة كؤود .. إنها الحساب وشدته وهو أعظم موقف وأشد عقبة ، فعلى ضوئها ونهايتها ستحدد البداية التي لا نهاية لها .. إما يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، وإما يقال : يا أهل النار خلود فلا موت ..
فهيا نتابع الأحداث والأخبار .. تعال نتابع بداية حساب ونهايته ، لكن كيف ستكون البداية وكيف ستكون النهاية .. تعال نسمع رعاك الله ..
حسبك أن تعلم .. حسبك أن تعلم .. أن القاضي والمحاسب في ذلك اليوم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأراضين ليتبين لك عظم هذا المشهد وجلالته ومهابته (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ) .. نعم سيجيء الرحمن مجيئاً الله أعلم بكيفيته .. نؤمن به ونعلم أنه حق ولا نؤوله ولا نحرّفه ولا نكذب به .. وستجيء الملائكة في هذا الموقف الجليل .. ستجيء ومعها كتب الأعمال التي أحصت على الخلق أعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم ليكون حجة على العباد ..( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ربنا يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً ) ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد )
ومعنى الحساب أن يوقف الحق تبارك وتعالى عباده بين يديه .. يعرفهم بأعمالهم التي عملوها أقوالهم التي قالوها وما كانوا عليه في حياتهم من إيمان او كفر أو استقامة او انحراف أو طاعة أو عصيان ..
فمن سلك طريق الهداية فيُعطى كتابه بيمينه ويحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً ..
ومن سلك طريق الغواية فيُعطى كتابه بشماله ويحاسب حساباً عسيراً ويدعو ثبورا
ستقام محكمة قاضيها الملك الديان ، شعارها : (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ). شعارها : " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً " .
ستقوم المحاكمة على قواعد وأصول بينّها الله جل في علاه ..
منها : العدل التام الذي لا يشوبه ظلم . قال جل في علاه ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) .
ومنها : لا يُخذ أحد بجريره غيره . قال سبحانه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
ومنها: إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً ) .
ومنها: إقامة الشهود . قال سبحانه ( اليوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما يعملون ، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين )
عن ماذا سيكون السؤال ؟!! سيكون السؤال عن خمس فاستعد للجواب :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزول – أي إلى الجنة أو إلى النار – لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس :
عن عمره فيما أفناه .. اسمع.. أيها الشاب .. عن عمره فيما أفناه ..وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه ،وماذا عمل فيما علم ..
الحساب فيه بالذرة ووالله إنه لحساب شديد ذلك الذي سنحاسب فيه بالذرة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) ..
فتأمل عبد الله .. تأمل عبد الله موقفك غداً بين يدي العزيز القهار تنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدمت .. تنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت .. تنظر امامك فلا ترى إلا النار ..
إنها والله ساعة لا يخفى على الموقنين رهبتها ولا على المتقين شدتها
تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً
والنار تلهب من غيظ ومن غضب
المشركون غداً في النار يلتهبون
مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة وربّ العرش غضبانا
والموحدون بدار الخلد سكانا
فتخيل نفسك عبد الله إذا تطايرت الكتب ، ونُصبت الموازين ، وعُرضوا على ربك صفاً ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً )..
فتخيل نفسك عبدالله إذا نوديت باسمك على رؤوس الخلائق : أين فلان ابن فلان ! .. فلان ابن فلان..استعد للعرض والوقوف بين يدي الله ! وقد وُكلت الملائكة بأخذك فساقتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك إذا عرفت أنك المراد بالدعاء .. تخيل إذا قرع النداء قلبك فعلمت أنك أنت المطلوب فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك .. تُخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم وأنت في أيدي الملائكة قد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك أين يراد بك .. فلا إله إلا الله إذا وقفت بين يدي ربك ليس بينك وبينه ترجمان ، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولامخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل وقلب منكسر والأهوال محيطة بك من بين يديك ومن خلفك .. فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها ، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها أبداها وأظهرها ، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أمَلك فيه عظيماً .. فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت في طاعة ربك .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه عليه وسلم : يدني الله العبد منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه – يعني ستره – فيقرره بذنوبه حتى إذا ظن العبد أنه هلك ..اسمع بارك الله فيك ..اسمع رعاك الله .. فإذا كان ممن تاب وسلك طريق الهداية قال الله له بعد أن قرره بذنوبه : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم ، فيُعطى كتابه بيمينه ، فينطلق بين الملأ فرحاً مسروراً ضاحكاً مستبشراً يقول بأعلى صوته ( هاؤم اقرأوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه ، فهو في عيشة راضيه ، في جنة عاليه ، قطوفها دانيه، كلوا واشربوا هنئياً بما أسلفتم في الأيام الخاليه ) ( وجوه يومئذ مسفرة ، ضاحكة مستبشرة ) ..
لكن قل لي بالله العظيم كيف لو كان ممن سلك طريق الغواية وجاءته النهاية بلا توبة ولا أوبة .. يقرره الله بذنوبه ثم يقول الجبار :يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه فلقد اشتد غضبي على من قل حياءه معي .. فيؤتي كتابه بشماله ،فيخرج إلى الملأ وهو يقول : ( يا ليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضيه ، ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه ) ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ، ترهقها قترة ، أولئك هم الكفرة الفجرة )
فأي مصير تريد ؟! ..أي مصير تريد ؟! ..
اسلك طريق الهداية وتجنب طريق الغواية .. استعن بالصبر والصلاة .. اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم .. لا تحزن لقلة السالكين ولا تغتر بكثرة الهالكين .. أسهر ليلك بالقرآن والقيام .. واقطع نهارك بالظمأ والصيام .. صم في دنياك عن الشهوات والمعاصي والمنكرات ، وأفطر يوم تلقى الله وتنادى إلى جنة عرضها الأرض والسماوات ..
قال إبراهيم بن أدهم لأخ له في الله : إنه بلغني أن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام يا يحيى إني قضيت على نفسي أنه لا يحبني عبد من عبادي أعلم ذلك منه إلا كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي يتكلم به ، وقلبه الذي يفهم به ،فإذا كان عبدي كذلك بغّضت إليه الاشتغال بغيري ، وأدمت فكرته ، وأسهرت ليله ، وأظمأت نهاره .. يا يحيى أنا جليس قلبه وغاية أمنيته وأمله ، أهبُّ له كل يوم وساعة فيتقرب مني وأتقرب منه .. أسمع كلامه وأجيب تضرعه ودعاءه فوعزتي وجلالي لأبعثنه مبعثاً يغبطه به النبيون والمرسلون ، ثم آمر منادياً ينادي : هذا فلان بن فلان ولي الله وصفيه وخيرته من خلقه دعاه إلى زيارته ليشفي صدره من النظر إلى وجهه الكريم ، فإذا جاءني رفعت الحجاب فيما بيني وبينه فنظر إلي كيف شاء وأقول له أبشر فوعزتي وجلالي لأشفينّ صدرك من النظر إلي ولأجددن كرامتك في كل يوم وليلة وساعة..
سبحانك سبحانك يا علي يا عظيم ، يا باري يا رحيم ،يا عزيز يا جبّار ، يا حي يا حليم ..
سبحان من سبحت له السماوات بأكنافها..
سبحان من سبحت له الجبال بأصواتها..
سبحان من سبحت له البحار بأمواجها..
سبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها ..
سبحان من سبحت له النجوم بأبراقها ..
سبحان من سبحت له الأشجار بأصولها..
سبحان من ( يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال )
سبحانك لا إله إلا أنت وحدك ..
اللهم صلي على محمد في الأولين ..
اللهم صلي على محمد في الآخرين ..
اللهم صلي على محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين ..
اللهم اعصمنامن فتن الدنيا ووفقنا لما تحب من العمل وترضى وأصلح لنا شأننا كله وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ..
اللهم اجمع شملنا ،وحد صفنا وأصلح ولاة امورنا وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين
اللهم أصلح الشباب والشيب واحفظ النساء والبنين ..
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا ربنا من الراشدين ..
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أستغفر الله العظيم ..سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
فترة الأقامة :
4396 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
4432
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
1.12 يوميا
بحـہة بكـى
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات بحـہة بكـى