..
عمر المختار مجاهد ليبي عظيم لقب "بشيخ المجاهدين"، نظراً لبطولته واستبساله في الدفاع عن وطنه وشعبه ضد الاستعمار الإيطالي فأصبح يضرب به المثل كبطل ومجاهد وسياسي عظيم، وقبل أن يكون عمر المختار مجاهدا ناجحاً كان رائداً دينياً عظيماً وهو الأمر الذي أعطاه بعد سياسي وديني.
مرت حياة عمر المختار بالعديد من الأحداث الحافلة، وكان القسم الأخير منها زاخراً بالنضال وحركات المقاومة التي قام بقيادتها عمر المختار من أجل الدفاع عن وطنه وتحريره من أيدي قوات الاستعمار فعلى مدى العشرين عاماً الأخيرة من حياته استمر في النضال رافضاً جميع المغريات التي عرضتها عليه الحكومة الإيطالية للتخلي عن الدفاع عن قضية بلاده، وظل حاملاً لراية الكفاح الوطني كفارس شجاع حتى آخر يوم في عمره وهو يوم استشهاده تاركاً للتاريخ ذكرى بطل عظيم ومثل يحتذى به.
نشأته :
اسمه بالكامل عمر بن المختار بن فرحات من عائلة غيث، وفرحات قبيلة من بريدان أحد بطون قبيلة المنفة وهي إحدى القبائل العربية المشهورة بالبأس والشجاعة في المنطقة، ولد عمر المختار في عام 1277هـ - 1859م في منطقة وادي البطنان ببرقة .
التحق وهو مايزال صغيراً بزاوية ( جنزور) حيث تعلم بها مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم قام بالالتحاق بزاوية جغبوب وهي إحدى الزوايا التي أنشئها محمد بن علي السنوسي "السنوسي الكبير"حيث قام بتلقي تعليمه الديني بها فدرس المبادئ الدينية والعلوم الشرعية والتاريخ الإسلامي والأدب العربي .
عرف عمر المختار بشخصيته القيادية القوية واتزانه بالإضافة لتواضعه، مما جعله يكسب حب واحترام جميع من تعامل معه.
وقد حاز عمر المختار أيضاً على إعجاب شيخ السنوسية في هذا الوقت السيد المهدي السنوسي، فقام بإرساله في العديد من المهام ومن ضمن هذه المهام مهمة فض المنازعات بين القبائل وكانت مهامه دائماً ناجحة مما أكسبه احترام القبائل وتعمقت درايته بأحوالهم .
صدر قرار من السنوسيين بتعيينه شيخا على زاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، ولعل هذا كان تحدياً لقدرات عمر المختار حيث إن هذه المنطقة التي تم تعيينه بها شيخاً على الزاوية كانت تسكنها قبيلة متمردة لا تعترف بالقوانين أو تلتزم بها، ولكن عمر المختار استطاع بأسلوبه الحكيم والحازم في نفس الوقت أن يقوم بمهمة ترويضهم والقضاء على نزعة التمرد بهم ومحاولة إفشاء الآداب الإسلامية فيما بينهم.
الاستعمار وعمر المختار
كانت النقطة التي استطاع الاستعمار الإيطالي التسلل منها إلى قلب ليبيا هي إنه قام بإنشاء بنك لمساعدة وإقراض أبناء الشعب الليبي بضمان أراضيهم، وبالتالي إذا عجز المقترض برد القرض يتم الاستيلاء على أرضه، وتوالت هذه الطريقة المرة تلو الأخرى حتى تمكن هذا البنك الإيطالي من الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الليبية، كما قامت إيطاليا بإرسال بعثة إلي طرابلس قالت حينها أنها بعثة علمية إلي الأراضي الليبية بحجة الكشف عن معدن الفوسفات، ولكن تم كشف الخدعة حيث اتضح أنها بعثة عسكرية جاءت لوضع الخرائط الحربية، وبدأت الرؤية الاستعمارية والأطماع التي ثارت حول الأراضي الليبية تتضح مما استفز الشعب الليبي وأثاره وكان على رأسهم بالطبع عمر المختار الذي قرر الاستعانة بالمبادئ الإسلامية التي تحث على الجهاد من أجل استعادة الأرض المغتصبة، فعمل على الفور من أجل تهيئة البلاد لمواجهة هذا الاستعمار الإيطالي حيث إن البلاد لم تكن على القدر الكافي من الاستعداد أو التهيئة العسكرية والسياسية من أجل مواجهة هذا الاستعمار، فعمل المختار على عقد المؤتمرات وتحفيز أبناء الشعب وتوعيتهم للخطر الاستعماري الإيطالي وتشجيعهم من أجل الدفاع عن بلدهم والزود عنها، فتحولت ليبيا إلى معسكر ضخم متأهب للجهاد في أي لحظة وصد العدوان عن البلاد.
كانت إيطاليا قد بيتت النية بالفعل من أجل استعمار البلاد فقامت بإرسال إنذار وتهديد إلى الحكومة العثمانية في سبتمبر 1911م كان يتضمن تهديد باحتلال طرابلس وبني غازي حيث إن إيطاليا تخشى على رعاياها الإيطاليين في ليبيا، وهو الأمر الذي قابلته الحكومة العثمانية بشكل من الضعف والتهاون طالبة الجلوس من أجل إجراء المفاوضات، وهو الشيء الذي لم يحدث حيث كان الأسطول الإيطالي في طريقه بالفعل إلى السواحل الليبية.
علم عمر المختار أثناء جولاته بين المدن الليبية لحث الناس على الجهاد بأمر حصار وضرب الأسطول الإيطالي للمدن الليبية وأن الأهالي قاموا بالاشتباك مع قوات الاستعمار من أجل الدفاع عن مدنهم، فعاد مسرعاً حيث قام بالتمركز هو وآلاف المجاهدين في مكان بالقرب من بنغازي واستطاع من موقعه هذا هو والمجموعة التي معه أن يبث الرعب في قلوب القوات الإيطالية وكبدوهم العديد من الخسائر الفادحة.
بدأت الحكومة الإيطالية التعرف على شخصية عمر المختار حيث بدأ اسمه يتردد في أوساط القيادة الإيطالية كقائد عسكري مسلم محنك يقوم بتكبيد الاستعمار العديد من الخسائر، ولم تنجح جميع المغريات التي قدمتها إليه الحكومة الإيطالية في إثناءه عن عزيمته في الجهاد، ونظراً لعدم قدرة الحكومة الإيطالية عن مقاومة هذا القائد العظيم فقد لجأت إلى الأستانة لتعقد صلحاً مع الحكومة العثمانية، حيث تم توقيع معاهدة بين الدولتين في 21 أكتوبر عام 1912م، وقامت الحكومة العثمانية بسحب قواتها في اعتقاد منها بأن هذه الاتفاقية وضعت نهاية للحرب، ولكن المجاهدين في ليبيا ظلوا متمسكين بأسلحتهم وعلى أهبة الاستعداد لأي هجوم من القوات الإيطالية وعلى الرغم من قيام القوات الإيطالية بسحب قواتها من المدن الليبية إلا أنهم قاموا بالعديد من العمليات الاستفزازية منها زج العديد من المجاهدين في السجون والاعتداء على الملكيات المختلفة لهم، الأمر الذي قابله المجاهدين الليبيين بخطف وقتل الجنود الإيطاليين ومحاولة تكبيدهم أكبر قدر ممكن من الخسائر ونظراً لاستياء القوات الإيطالية من كثرة خسائرها فقد أعلنت عام 1919م بإصدار قانون ينص على أنها ستحكم البلاد دون قهر، ولكن ظلت حالة البلاد بين الحروب والمعارك التي يقوم عمر المختار بقيادتها لمدة عشرون عاماً متصلة بين هزيمة ونصر ولم يعرف الضعف أو الاستسلام طريقاً لقلبه على الإطلاق.
استشهاد البطل
ظل عمر المختار على مدار عشرين عاماً متصلة يشن الهجمات والمعارك على القوات الإيطالية دون أن المختار أسيرا يهدأ للحظة أو ينعم براحة بال وبلاده مازال الاستعمار متوغل في قلبها، وعلى الرغم من كثرة الجروح التي شكلت في جسده معالم لا يمحوها الزمن مهما طال إلا أن الموت على الرغم من قربه منه في معظم الوقت إلا أنه لم يستطع النيل منه في خلال كل هذه الفترة، ولكن لكل بطل نهاية فقد جاء اليوم الذي خرج فيه مع قواته من المجاهدين من أجل استطلاع قوات العدو وكانت قوات الاستعمار تتربص به فتمت محاصرته هو وجنوده وكفارس عظيم باسل يدافع عن قضية عادلة أبدى عمر المختار من الشجاعة والصمود وظل يتبادل إطلاق النار مع العدو حتى أصابت إحدى الرصاصات حصانه وسقط من عليه فتمكنت منه القوات الإيطالية وقامت بأسره، وتم نقله إلى ميناء سوسة، ومن هناك تم نقله إلى بنغازي حيث مكث بسجنها أربعة أيام حتى ميعاد المحاكمة في سبتمبر 1931م، وعندما تلي عليه القائد الإيطالي بنود التهم الموجهة إليه لم ينكرها بل إنه أكد أن تعاليم الإسلام أوجبت عليهم الجهاد ضد المعتدين المحتلين وأنه لم يفعل أي شيء سوى تنفيذ تعاليم الإسلام في دفع الاستعمار عن بلده وإنقاذها من المحتل وإنقاذ الشعب من الذل والخضوع لمحتل غاشم وفد على البلاد من أجل استعمارها ونهب خيراتها.
وقد صدر الحكم على عمر المختار بالإعدام شنقاً وهو الحكم الذي أعدته الحكومة الإيطالية مسبقاً حتى من قبل أن تبدأ المحاكمة، وفي اليوم التالي للمحاكمة في 16 سبتمبر 1931م ، كانت المشنقة معدة ومجهزة بالفعل، حيث سيق الفارس البطل إلي ساحة الإعدام وهو يردد الشهادتين ليستشهد وهو في السبعين من عمره على مرأى من عائلته وجنوده وشعبه، ليترك في التاريخ ذكرى بطل عربي أبى أن تخضع بلاده للذل والهوان من قبل المستعمر وظل لأخر نفس يتردد بصدره يهتف بحبها ويسعى لتخليص شعبه من نيران الاستعمار.
..