ن هو ستيفن هوكينج ؟
يُعَدُّ ستيفن هوكينج أحد ألمع فيزيائيي القرن العشرين ومن أبرز علماء الكونيات، الذين تصدَّوا لأصعب الأسئلة على مرّ التاريخ: "خلق الكون ومصيره"، حتى لُقِّب بـ "العقلية الفيزيائية الثانية بعد نيوتن"، وقد اعتبرت نظريته عن أصل الكون ونهايته تحولاً في هذا الاتجاه، خاصة وأنه ركز جهوده طوال العقود الماضية على التوحيد بين "فيزياء الكم" و"نسبية إينشتاين"، وكانت له أبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، ودراسات في التسلسل الزمني.
ستيفن هوكينج متحدي الإعاقة
ورغم أن ستيفن هوكينج "معاق" وعاجز عن الحركة وعن الكلام إلا إنه كان يقول (إلكترونيًّا) في تحدٍ: "لا أشعر بأنني شخص معاق، وإنما مجرد شخص مصاب بتعطل العصب الحركي، وذلك كما لو كنت مصابًا بعمى الألوان. أظن أن من الصعب وصف حياتي بأنها عادية، لكنني أشعر أنها عادية روحيًّا" [1]!! فكان مثالاً وأنموذجًا في التحدي والصبر ومقاومة المرض، وإنجاز ما عجز عنه الأصحاء.
وكان هوكينج قد أصيب بمرض عصبي وهو في الحادية والعشرين من عمره، جعله مقعدًا تمامًا غير قادر على الحراك، وهو مرض التصلب الجانبي "als" المميت والذي لا دواء له، حتى إن الأطباء ذكروا أنه لن يعيش أكثر من سنتين، إلا أنه عاش مدة أطول من ذلك، واستطاع أن يتفوق على أقرانه الأصحّاء رغم أن أيديهم كانت سليمة، وكانوا يستطيعون كتابة المعادلات المعقَّدة، وإجراء الحسابات الطويلة على الورق، وكان هو -وبطريقة لا تصدق- يجري هذه المعادلات وتلك الحسابات في ذهنه، حتى جاءه اليوم الذي كان يفخر فيه بأنه حظي بذات اللقب وكرسي الأستاذية الذي حظي به من قبل السير إسحاق نيوتن!
ويستخدم هوكينج صوتًا إلكترونيًّا بعد إجراء عملية للقصبة الهوائية، وأصبح مرتبطا بجهاز إلكتروني خاص موصول مع الكرسي، يتلقى الأوامر عن طريق حركة العين والرأس ليعطي بيانات مخزَّنة في الجهاز، وهذا الجهاز هو كمبيوتر قامت بتطويره له بشكل خاص شركة (إنتل) [2]!!
وقد حظي هوكينج بعائلة متميزة، وخصوصا زوجته "جين وايلد" التي تزوجها سنة 1965م، وإضافة إلى رصيده العلمي فقد كان يتميز بالدعابة، ومساعدة الأطفال وتدعيم مشاريع تنمية الطفولة، وشارك في مظاهرات ضد الحرب على العراق، ولم تكن محاضرة "العودة بالتاريخ إلى الوراء"، في جامعة (بيرزيت) بفلسطين في سنة 2006م هي نهاية محاضراته التي يجوب بها العالم.
ستيفن هوكينج .. نشأته وتعليمه
وُلِدَ هوكينج سنة 1942م أثناء الحرب العالمية الثانية في أكسفورد -إنجلترا، وكان والده باحثًا في طب الأمراض الاستوائية، ومنه أخذ اهتمامه فيما بعدُ بالبحث العلمي، لكنه وجد الطب والبيولوجيا علمين وصفيين وغير دقيقين، وكان هو يبحث عن شيء أكثر جوهرية، فوجد ذلك فيما بعد في الفيزياء. كما درست والدته أيضًا في أكسفورد في ذات الجامعة التي درس فيها والده، والتي سيدرس هو أيضًا فيها فيما بعد.
لم يكن هوكينج في المدرسة أفضل من المتوسط أبدًا، وعِلمه لم يكن مرتبًا، وكان خط يده مثار يأس أساتذته، وهو الذي كان يقول عن نفسه: "كنتُ أكثرَ مهارة في أداء الامتحانات والاختبارات من الأداء أثناء الدرس"، ورغم ذلك فإن زملاءه أطلقوا عليه اسم "أينشتاين" لذكائه وتميزه في حل المعادلات وموهبته الاستثنائية في الفيزياء والرياضيات، والتي ظهرت في سن مبكرة، حتى كان قادرًا على حلِّ مسائل رياضية في بضع ساعات لم يكن زملاؤه الطلاب قادرين على حلِّها في أسابيع [3]!!
وفي سنة 1962م حصل هوكينج على درجة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة أكسفورد، وفي سنة 1966م حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من قسم الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية في جامعة كمبريدج، وفي سنة 1974م أصبح عضوًا في الجمعية الملكية، والتي هي إحدى أقدم المنظمات العلمية على وجه البسيطة، ثم تسلَّم في العام 1979م كرسيَّ الرياضيات اللوكاسي في جامعة كمبردج، وهو منصب كان يحتله العالم العظيم إسحاق نيوتن، وشغله أيضًا العالم بول ديراك، وهما من أكابر العلماء الذين اهتموا باللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر، وقد كان هوكينج - كما يقول كارل سيغان -: "خليفتهما بكل جدارة" [4].
أهم إنجازات ستيفن هوكينج
في سنة 1960م نشر هوكينج نظريته الكبرى الموحدة عن أصل الكون، وفي سنة 1971م وبالتزامن مع عالم الرياضيات روجر بنروز، أصدر نظريته التي تثبت رياضيًّا، وعبر نظرية النسبية العامة لاينشتاين، أنَّ الثقوب السوداء، أو النجوم الـمنهارة بالجاذبية، هي حالة تفرُّدية في الكون "أي أنها حدث له نقطة بداية في الزمن".
وفي سنة 1974م أثبت نظريًّا أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعًا على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك، وسُمِّي هذا الإشعاع باسمه "إشعاع هوكينج"، واستعان بنظريات ميكانيكا الكم وقوانين الديناميكا الحرارية.
ومع معاونه جيم هارتل من جامعة كاليفورنيا، طوَّر هوكينج نظرية اللاحدود للكون التي غيرت من التصور القديم للحظة الانفجار الكبير عن نشأة الكون، إضافة إلى عدم تعارضها مع أن الكون نظام منتظم ومغلق.
وعمل ستيفن هوكينج على القوانين الأساسية التي تحكم الكون، ومن الـمنشورات التي صدرت له هناك: "النسبية العامة"، و"300 عام من الجاذبية".
وكان تقديم آخر ما توصل له العلم، بخصوص خلق الكون وتطوره، إلى الجمهور العريض شغل هوكينج الشاغل، فقرَّر بعد سلسلة المحاضرات التي ألقاها في هارفارد تأليف كتاب شعبي عن الزمان والمكان يستهدف الجمهور العريض، فكان الكتاب "موجز تاريخ الزمن"، والذي حقق أرقام مبيعات وشهرة عالية، وعُدَّ من أكثر الكتب العلمية شعبية على الإطلاق، ودخل في سِجِل جينيس للأرقام القياسية بسبب طول الفترة التي بقي فيها على لائحة الكتب الأكثر مبيعًا [5].
وفي تقديمه للكتاب يقول كارس ساغان: "إنه أول كتاب مليء بالهدايا من كل نوع يقدمها هوكينج للجمهور العادي من غير المختصين، إنه ينبيء عن العمل الفكري الذي بذله مؤلفه، وفيه من التشويق بمقدار ما فيه من التنويع. إن هذا الكتاب حافل بالرؤى النفاذة فيما يخص حدود الفيزياء وعلم الفلك وعلم الكون.." [6].
ويعرض هوكينج في هذا الكتاب، وبلغة علمية بسيطة، مسيرة تطور فهم الإنسان للكون، وأحدث ما اكتشفته علوم الكونيات، كما يعرض للنظريتين الرئيسيتين في القرن العشرين: النسبية العامة والميكانيك الكمومي، والمحاولات الرامية لتوحيد الفيزياء عبر دمجهمها بنظرية واحدة. والكتاب متوافر باللغة العربية، وقام بترجمته الدكتور أدهم السمان.
وفي سنة 1993م قدم كتابًا ثانيًا هو "الثقوب السوداء والأكوان الطفلة ومواضيع أخرى"، وهو كتاب يتضمن مجموعة من المواضيع المتفرقة كتبها هوكينج على مدى ستة عشر عامًا، تعكس حالته المعرفية في أوقاتها، وهو متوفر أيضًا باللغة العربية، كما قدَّم سنة 2001م كتاب "الكون في قشرة جوز".
ومتابعةً لإصداراته القيمة في مجال الكون، كان هناك أيضًا كتاب "كون ستيفن هوكينج" الأكثر تبسيطًا، والذي قرَّر زميله في قسم الفيزياء في كامبردج العالم "ديفيد فيلكن" تأليفه بعد أن أنجز ستَّ حلقات مع هوكينج في محطة البي بي سي عن الكون ونظرية كل شيء، وكانت هذه الحلقات قد لاقت رواجًا كبيرًا، وقد نُشِر هذا الكتاب أيضًا باللغة العربية سنة 2006م.
ويذكر فيلكن في مقدمة كتابه حادثة تدل على تواضع هوكينج، حيث يقول: ".. أرسلت له بعض الملاحظات ليبدي أفكاره وتصويباته حولها، وكان منها ما كتبت: (ستيفن هوكينج، المعترف به كأحد رواد المرجعيين في الثقوب السوداء)، إلا أن الأوراق المنسوخة قد أُعيدت إليَّ مدونًا بهامشها ملحوظات واضحة بخط سو مازي، ممثلة لأمانة ستيفن العلمية، حيث وضعت علامة بحذف السطر الذي كتبته وأُضِيف بدلاً منه: (ستيفن هوكينج، الذي شارك في دراسة الثقوب السوداء)" [7].
جوائز ستيفن هوكينج
صنع هوكينج لنفسه اسمًا في عالم الابتكارات والعلماء، على الرغم من إعاقته الجسدية الكبيرة التي تمنع أي شخص غيره من القيام بأي عمل أو كسب للرزق، ناهيك عن الاختراع ومقارعة العلماء، وإثبات نظريته أمام الكثير من كبار العلماء في هذا العصر.
وقد استحق بعد أن يحصل على اثنتي عشرةَ مرتبةَ شرفٍ علمية، والعديد من الأوسمة والجوائز، إضافة إلى عضويته في الجمعية الملكية، وجمعية العلوم الوطنية [8].
وفي النهاية يقول هوكينج: "... بالتأكيد أنا أسعد الآن؛ فقد كنت قبل إصابتي بمرض العصب الحركي ضجرًا من الحياة، لكن فكرة الموت المبكر جعلتني أعي أن الحياة تستحق أن تعاش فعلاً، فثمة الكثير الكثير مما يمكن للمرء أن يفعله فيها. إنَّ لدي شعورًا بأنني أنجزتُ شيئًا متواضعًا، لكنَّه إسهام ذو مغزى في المعرفة الإنسانية، أنا محظوظ جدًّا، لكن كل شخص يستطيع تحقيق شيء إذا حاول ذلك بجدية كافية" [9].
**************************
[1] انظر ناصر أسعد منذر: (ستيفن هوكينج العالم والإنسان) من محاضرة ألقيت في كلية الآداب جامعة حلب يوم الثلاثاء 19/12/2006 ضمن نشاطات المنتدى الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة، بمناسبة يوم المعاق العالمي 2006م.
[2] انظر موقع ويكبيديا
[3] انظر المصدرين السابقين.
[4] انظر ناصر أسعد منذر: (ستيفن هوكينج العالم والإنسان).
[5] موقع ويكبيديا على الرابط السابق.
[6] انظر ناصر أسعد منذر: (ستيفن هوكينج العالم والإنسان).
[7] ناصر أسعد منذر: (ستيفن هوكينج العالم والإنسان).
[8] انظر جريدة الأيام الفلسطينية، عدد السبت 16 كانون الأول 2006 = 26 ذو القعدة 1427 مقال ليوسف الشايب، بعنوان: "يعود بالتـاريـخ إلى الـوراء" في جامعة بيرزيت، البروفيسور ستيفان هوكينج .. عبقريته في الفيزياء وحكاية تحديه للـمرض مثار إعجاب العالـم! وذلك بعد قدوم هوكينج ستيفن جامعة بيرزيت.
[9] انظر ناصر أسعد منذر: (ستيفن هوكينج العالم والإنسان).