ما الذي يجب فعله إذا كان الإنسان رقيق القلب جدًّا؛ لدرجة متعبة جدًّا تتعطل معها أمور حياته, ولا يستطيع المضي في هذه الدنيا الظالم كثير من أهلها. أرجو عدم الإهمال, والإجابة, جزاكم الله خيرًا, عسى أن أشعر بالأمان على أيديكم. الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإيمان بالله تعالى, والإقبال عليه, وبذل الوسع في طلب مرضاته سبحانه, هو سبيل نيل السعادة, والراحة, والأمان, وهدوء النفس, وطمأنينة البال، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}.
ورقة القلب تحمد إذا حملت على الخوف من الله تعالى, والحذر من عقابه, فاجتهد صاحبها في فعل الطاعات واجتناب المنهيات، وأما إذا وصل الأمر إلى تعطيله عن مهامه, وتعويقه عن أعماله, وعدم استطاعته المضي في هذه الحياة فهي رقة مذمومة، بل هي ضعف وعجز، فعلى العبد أن يعالجها بتكميل عبودية التوكل، فيستحضر تصرف الله تعالى في هذا الكون, وتدبيره له, وأن هذا التدبير والتصرف جار على مقتضى الحكمة،
ويعلم أن قدر الله تعالى ماض ولا بد, وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه, فإذا اطمأن قلب العبد لحكم الله الكوني ولحكمه الشرعي وحصل له اليقين لم يصبه الجزع ولا الضجر مما يقدره الله ويقضيه, ومضى في حياته واثق النفس, هادئ البال, ينظر واجب الوقت فيؤديه, ولا يلتفت إلى ما يحول بينه وبين وظيفته الكبرى, وهي العبودية لله تعالى, وإخلاص الدين له، قال ابن القيم: فإذا أراد الله أن يريح العبد ويحمل عنه أَنْزَلَ عَلَيْهِ سَكِينَتَهُ, فَاطْمَأَنَّ إِلَى حُكْمِهِ الدِّينِيِّ، وَحُكْمِهِ الْقَدَرِيِّ, وَلَا طَمَأْنِينَةَ لَهُ بِدُونِ مُشَاهَدَةِ الْحُكْمَيْنِ, وَبِحَسَبِ مُشَاهَدَتِهِ لَهُمَا تَكُونُ طُمَأْنِينَتُهُ, فَإِنَّهُ إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَى حُكْمِهِ الدِّينِيِّ عَلِمَ أَنَّهُ دِينُهُ الْحَقُّ، وَهُوَ صِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ وَنَاصِرُ أَهْلِهِ وَكَافِيهِمْ وَوَلِيُّهُمْ, وَإِذَا اطْمَأَنَّ إِلَى حُكْمِهِ الْكَوْنِيِّ: عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، وَأَنَّهُ مَا يَشَاءُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ, فَلَا وَجْهَ لِلْجَزَعِ وَالْقَلَقِ إِلَّا ضَعْفُ الْيَقِينِ وَالْإِيمَانِ,
فَإِنَّ الْمَحْذُورَ وَالْمَخُوفَ: إِنْ لَمْ يُقَدَّرْ فَلَا سَبِيلَ إِلَى وُقُوعِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى صَرْفِهِ بَعْدَ أَنْ أُبْرِمَ تَقْدِيرُهُ, فَلَا جَزَعَ حِينَئِذٍ لَا مِمَّا قُدِّرَ وَلَا مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ, نَعَمْ إِنْ كَانَ لَهُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ حِيلَةٌ, فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْجَرَ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حِيلَةٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْجَرَ مِنْهَا, فَهَذِهِ طُمَأْنِينَةُ الضَّجِرِ إِلَى الْحُكْمِ, وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَا قَدْ قُضَى يَا نَفْسُ فَاصْطَبِرِي لَهُ ... وَلَكِ الْأَمَانُ مِنَ الَّذِي لَمْ يُقْدَرِ وَتَحَقَّقِي أَنَّ الْمُقَدَّرَ كَائِنٌ ... يَجْرِي عَلَيْكِ حَذَرْتِ أَمْ لَمْ تَحْذَرِي. انتهى, فلا تحملنك هذه الرقة المزعومة على ترك مأمور أو فعل محظور، بل عالجيها باليقين والتوكل, واجتهدي في الدعاء أن يلهمك الله رشدك, ويعيذك من شر نفسك.
والله أعلم.