ضحايا خلال شهر: الوزارات تتنصل من المسؤولية والتحقيق دون نتائج حتى الآن
"غول" الصرف الصحي يبتلع "الأبرياء" ويصيب "عروس البحر" بالرعب
محمد حضاض- سبق- جدة:
لم تعد الأم الجداوية توصي طفلها عند خروجه لمدرسته صباحاً بالأكل الجيد،
والاستماع لمعلمه حين الشرح، بل صار التحذير منصباً على متابعة خطواته على الأرض،
عندما يسير في الشارع حتى يصل مدرسته، خوفاً من تكرار مآسي غرف الصرف الصحي، التي تحولت لغول مفجع لا يتوقف عن ابتلاع الأبرياء.
فقبل أن تجف دموع المحافظة الساحلية حزناً على سقوط "علي منشو" وطفله الصغير في فوهة الصرف الصحي بشارع التحلية قبل شهر تقريباً،
استيقظت جدة مطلع الأسبوع الجاري على فاجعة جديدة عندما هوى الطالب عبدالله عاطي الزهراني ذو ال 16 ربيعاً
في بالوعة الصرف الصحي التابعة لمدرسته ولفظ أنفاسه خلال دقائق قليلة. وأصاب "عروس البحر الأحمر" وساكنوها بفوبيا جديدة.
وعلى الرغم من لجان التحقيق التي تم تشكيلها بعد الفاجعتين، والتي أعادت بصيصاً من الأمل لقلب عروس البحر المفجوعة,
أملاً في تحديد المتسبب ومحاسبته فوراً، إلا أن تلك اللجان خفتت أخبارها حتى تلاشت تماماً،
في حين انشغلت الإدارات الحكومية في تبادل التهم بينها، لعلها تنجح في التنصل من المسؤولية خوفاً من سياط الصحف،
والذي ليست أحسن حالاً من سابقيها، فنفسها القصير, لا يسمح لها باستمرار المتابعة.
وبعد أن تنطلق بحملات شرسة ضد المسؤولين عن تلك الكوارث، ما تلبث أن يقل نشاطها مع تقادم الأيام،
حتى تنشغل بقضايا أخرى هامشية، وتتناسى أن غول الصرف الصحي القاتل ما زال حراً طليقاً في شوارع جدة.
أهالي جدة اضطروا للنزول إلى "ميدان تويتر"، معبرين عن مخاوفهم وقلقهم من هذا الغول،
حتى أنهم انشؤوا وسماً ساخراً في موقع التواصل الاجتماعي بعنوان "الجمعية _الأهلية_ للتبرع_بأغطية_الصرف_الصحي"،
وعبروا خلالها عن قلقهم من تزايد مخاطره، وضرورة إنهاء المشكلة بأي طريقة كانت.
ومع تأكيدات مصدر مطلع في أمانة جدة ل"سبق" أن 80 % من البلاغات التي ترد إليهم
حول ملاحظات الصرف الصحي تخص قطاعات حكومية أخرى، إلا أنه يؤكد أن الوضع يحتاج
إلى حملة وطنية تتعاون فيها كل القطاعات الحكومية للقضاء على هذه الظاهرة التي فتكت بفلذات الأكباد.
مشكلة الصرف الصحي بدأت حسب تأكيدات المتابعين منذ ما يقارب السنوات العشر،
عندما ارتفع سعر الطن من الحديد إلى ما يقارب الستة آلاف ريال تقريباً، وانتشر الآلاف من الأجانب في شوارع جدة،
باحثين عن هذا المعدن الغالي والذي صار ينافس الذهب قيمة،
فلم يتركوا شيئاً يمكن نهبه إلا وأخذوه حتى وصلوا لأغطية الصرف الصحي وبالوعات البيارات، دون أن يردعهم رادع، أو يمنعهم نظام.
ما حدث حينها، استفز الجهات المختصة لدراسة القضية من خلال لجنة فنية أصدرت توصياتها عام 1424ه
بضرورة تغيير أغطية الصرف الصحي، وتغييرها بأنابيب بلاستيكية، تكفي لولوج خراطيش الشفط فقط،
وبدأ تطبيقها في أغلب مدن المملكة باستثناء جدة، والتي لم تطبق تلك التوجيهات فعلياً، وتسببت في تغذية غول الصرف الصحي،
حتى تحول إلى وحش كاسر، لا يمكن إيقافه بسهولة.