السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مما يثار حول القرآن الكريم من الشبهات هو : إذا كان القرآن كتاباً لكل البشرية ، فلماذا أنزله الله باللغة العربية ، و لم ينزله بلغة أخرى غيرها ؟
و في الجواب نقول : من الواضح أن نزول القرآن كغيره من الكتب السماوية كان لا بُدَّ أن يكون بلغة من اللغات الحية التي يتكلم بها الناس عصر نزول القرآن ، و اللغة العربية كانت إحدى أهم تلك اللغات .
و من الواضح أيضاً أنه على أي لغة أخرى غير العربية كان يقع الاختيار فإن هذه الشبهة كان يمكن طرحها ، و حينها كان يقال : لماذا نزل القرآن بهذه اللغة ، قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾
[هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، فإن أي كتاب سماوي ينبغي أن ينزل بلغة الرسول الذي ينزل عليه ذلك الكتاب ، ليتمكن من التعامل معه بصورة طبيعية ، و من هذا المنطلق كان من الطبيعي إختيار اللغة العربية دون غيرها من اللغات ، حيث أنها اللغة التي كان يتحدث بها النبي محمد ( صلى الله عليه و آله وسلم) ، كما و أن أي رسول لا بُدَّ و أن يتحدث بلسان القوم المرسَل إليهم ، أو المبعوث فيهم ، و لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر حيث قال : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾، فكان من الطبيعي أن يتم نزول القرآن باللغة العربية التي هي لغة النبي محمد ( صلى الله عليه و آله وسلم) ، و لغة قومه الذين يعيش معهم ، لكن إختيار لغة قوم الرسول لا يدل على إنحصار الدعوة في من يتكلم بتلك اللغة ، خاصة و أن الأدلة القاطعة تثبت خلاف ذلك .
هذا مضافاً إلى أننا لا نشك في أن نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها من اللغات لم يكن عفوياً ، بل كان لأسباب دقيقة ، و هو بكل تأكيد إختيار حكيم لأنه من قِبَلِ رب العالمين ، و نحن نؤمن بوجود الحكمة في هذا الاختيار سواءً تبيَّنت لنا أسبابه أم لم تتبين .
أضف إلى ذلك أن خصائص اللغة العربية و قابلياتها الحيوية و مرونة تعبيراتها و سعتها و ما إليها من مميزات من حيث الاشتقاق الصرفي ، و الايجاز ، و الخصائص الصوتية ، و إمكانية تعريب الألفاظ الواردة ، تجعل إختيارها لغة للقرآن الكريم هو الخيار الصحيح .
و من جانب آخر فأن اللغة العربية كما جاء في الأحاديث هي لغة عدد من الأنبياء العظام السابقين ( عليهم السلام ) ، و قد كانوا يتكلمون بها ، و لقد جاء في بعض الروايات أن خَمْسَة أنبياء مِنَ الْعَرَبِ : هُودٌ وَ صَالِحٌ وَ شُعَيْبٌ وَ إِسْمَاعِيلُ وَ مُحَمَّدٌ ( عليهم السلام ) ، و أن لغة النبي آدم ( عليه السَّلام ) حينما كان في الجنة كانت العربية ، حيث أنها لغة أهل الجنة ، و ستكون العربية لغتهم التي يتكلمون بها في الجنة ، فكل هذه الأمور مما ترجح و تدعم إختيار اللغة العربية لأن تكون لغة للقرآن الكريم .