مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
قال تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "
يخبر تعالى ، أنه المتفرد بخلق جنس الإنسان ، ذكورهم وإناثهم ، وأنه يعلم أحواله ، وما يسره ، وتوسوس به نفسه . وأنه
" أقرب إليه من حبل الوريد "الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان ، وهو : العظم المكتنف لثغرة النحر ، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه ، المطلع على ضميره وباطنه ، القريب إليه في جميع أحواله ، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه ، أو يفقده حيث أمره . وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال ، فيجلهم ويوقرهم ، ويحذر أن يفعل أو يقول ما يكتب عنه ، مما لا يرضي رب العالمين ، ولهذا قال : " إذ يتلقى المتلقيان "، أي : يتلقيان عن العبد أعماله كلها ، واحد " عن اليمين "يكتب الحسنات ، ( و ) الآخر " وعن الشمال "يكتب السيئات ، وكل منهما " قعيد "بذلك متهيىء لعمله الذي أعد له ، ملازم لذلك . " ما يلفظ من قول "من خير أو شر " إلا لديه رقيب عتيد "، أي : مراقب له ، حاضر لحاله ، كما قال تعالى : " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون "
تفسير ابن سعدي ... سورة ( ق )