عبدالله المديفر بعد وفاة الملك عبدالله -رحمه الله-، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتداول مقاطع وصور للفقيد الراحل، ولكن صورة واحدة كانت مختلفة عن كل تلك المقاطع والصور المتداولة، واستطاعت بامتياز أن تلبس ثوب "الرمزية" للحدث الجلل الذي هز السعوديين، وهذه الصورة كانت للملك الراحل تظهره من الخلف وهو يتكئ على العصا بيده اليمنى، ويسير وحده دون حرس أو مرافقين تجاه سيارته التي يمسك ببابها المفتوح أحدهم، ولم يكن الملك في هذه الصورة يكلم أحداً، وكان رأسه منحنيا، وقد ارتفعت قدمه الشمال عن الأرض وكذلك مرفقه الأيمن الذي يحمل العصا، وكأنه يقول لنا: (لقد اخترت الرحيل). هذه الصورة تحولت إلى "رمز" للحدث، وتفوقت على صور الراحل وهو مسجى على النعش، وتفوقت على الصور التي كان فيها ممدداً أمام المصلين، وحتى تلك الصورة التي كان فيها عضده سلمان يحثو على قبره التراب، لم تكن أشد حزناً وأكثر تعبيراً عن المصاب، فهذه الصورة "الرمز" استطاعت بحياة إبداعها أن تصف مشهد الموت. في هذه الصورة يظهر فيها الملك على عكس عادته التي يطل بوجهه الضحوك، وقد شعرنا بحزن وجهه مع أننا لم نشاهده في تلك الصورة، وكأنه يقول لنا وجهتي هذه المرة ليست معكم ودربي غير دربكم. في هذه الصورة تخلى الملك عن البشت، الذي كان يعتلي منكبيه، واكتفى بنسفة الغترة التي نعرفها عنه، وكأنه يقول أنا تحللت من لباس الدنيا ومسؤولياتها، فطريقي القادم لا بشوت فيه ولا مشالح. هذه الصورة كانت ملهمة للكثيرين، ومنهم الرسام أحمد زهير الذي جسد اللوحة بريشته على أحد الجدران في كورنيش جدة، وقد خط بجوارها كلمات يقول فيها: (وين رايح.. التفت سلم علينا.. ماروينا من حنانك.. ومنك ماكتفينا)، وليس مستغرباً بعدها أن تكون هذه الجدارية مزاراً مزدحماً؛ لأنه ببساطة اقنتص "الصورة الرمزية" للحدث وطعمها بكلمات الشاعر سليمان الصقعبي. التركيبة الأساسية للثقافة العربية هي التعلق بالكلمة أكثر من الصورة، بعكس الثقافات الغربية التي تتفوق فيها الصورة على الكلمة والصوت، ففي الإسلام وعند العرب رمزية الأذان أقوى من رمزية الهلال، وبالعكس ففي الثقافات الرومانية والمسيحية الصليب يحمل رمزية أقوى من صوت أجراس الكنيسة. وكان الشيء الطبيعي في حدث وفاة الملك عبدالله أن تكون كلمته: (لا تنسوني من دعائكم) هي الرمز للحدث، ولكن ثقافة الصورة التي تجتاحنا وتغيرنا عبر الفضائيات المزدحمة والبرامج التواصلية، بدأت في تغيير التركيبة الثقافية العميقة لنا، وصرنا نتخلى عن مقاعد الكلمة، لنجلس على عروش الصورة. |