ما أتى الدين الإسلامي إلاّ ليجمع الأمَّة على الحق؛ ولا تتفرَّق عنه إلى الباطل.
فقد أتى بتوحيد المُرسِل، وتوحيد المُرسَل، وتوحيد كلمة أمّة الرسالة.
فدين الإسلام دين اتّفاق وائتلاف؛ لا تفرّق واختلاف.
وبهذا جاء الحثُّ على إقامة الدين؛ وعدمّ التفرّق فيه وعنه، فقد قال تعالى: ( أن أقيموا الدين ولا تتفرَّقوا فيه).
ومن أكبر المُعضلات التي تمرٌّ بأمّتنا اليوم، مشابهتها للأمم السابقة في التفرٌّق فيما بينها بعد مجيء الآيات والبينات !! هذا مع أنّ الآيات والحُجَج والعلميات ؛ ما أتت إلاَّ لتكون سبيلاً للتوحد والالتئام والالتحام ورص الصفوف وعدم تفرقتها حيث تفترق القلوب..!!
هانحنُ نقرأ عن الأمم السابقة من قبلنا وهي أمم كتابيَّة؛ إذ آتاها الله الكتاب للهداية؛ لكنَّها تفرَّقت وتشظَّت وافترقت؛ وليت ذلك التفرق نَجَمَ عن الجهل؛ لهذا الخطب؛ لكنَّه نشأ بعد العلم ومجيء البينة؛ وهذه المصيبة!!
لعلّك تلحظ ذلك في قوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) البينة: 4 ، 5
وقوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم: 31-32
لهذا نهانا تعالى عن مشابهتهم في التفرق،فقالوَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105 - 108].
إلاَّ أنَّ أمّتنا اليوم مع كل هذا التنبيه القرآني؛ قد وقعت فيما وقعت بها الأمم السابقة فتفرّقت في دينها بعد أن عَهِدَ الله - عزَّ وجل - إليها آياته وحججه وبيّناته..
وإنّ من خُطورة التّفرُّق أنّه يؤدّي في بعض حالاته لمُفارقة الدين؛ أو أخذ شيء منه دون شيء؛ وهاكَ إشارة على : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وقد قرأ حمزة والكسائي آية (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ)=(فَارَقُوا) بِالْأَلِفِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ; مِنَ الْمُفَارَقَةِ وَالْفِرَاق!!
ومع ذلك فلقد تفرّقت أمّتنا كثيراً كثيراً وكان جُلُّ تفرقها وأغلبه لأمر خطير نغفل عنه وقلَّ أن نتدارسه لهذا الخصوص وهو : البغي...!!
نعم إنَّه البغي الذي نتج عنه = الظلم، و الكبر، و الحسد ، و الحقد، والتعدي.
ولكي تشعر بشعوري وتوافقني في ملاحظتي؛ تأمَّل في مآلات التفرّق والاختلاف بعد العلم و البيّنة والآيات تجد أنّ أغلبها بسبب البغي !!
- قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [آل عمران: 19]
- وقال تعالى: (وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [الجاثية: 16 ، 17]
- وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [البقرة: 213]
-وقال تعالىوَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)[الشورى: 13 - 15]
أَلَم تلحظ البغي في اختلافهم؟!
فماذا أعددنا لأمّتنا في مواجهة البغي ومصارعته ومصاولته ومقاومته؟!!