إنها الرحمة
لقد وصف الله نفسه بصفة الرحمة في آيات كثيرة في القرآن الكريم ووصف نبيه صلى الله عليه وسلم صفة الرحمة في جملة من الأحاديث فمن هذه الآيات والأحاديث:
1-قال تعالى:{قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..} الأنعام 12
2- قال تعالى:{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }.
3-قال تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}الأنعام133
4-قال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
5-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي ) صحيح البخاري ج 3/ ص 1166- صحيح مسلم ج4/ص 2107
6- عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( جعل الله الرحمة في مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ) صحيح البخاري ج 5/ص 2236
7- عن عمر بن الخطاب أنه قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا لا والله وهي تقدر على أن تطرحه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلملله أرحم بعباده من هذه بولدها ) صحيح مسلم ج 4/ص 2109
خلق الرحمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم :
فإن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنها ملئ بتلك الأخلاق الرائعة التي امتدحه الله عزوجل بها في قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4 ومن هذه الأخلاق والتي أساس في دعوته وتعامله صلى الله عليه وسلم خلق الرحمة فتأمل الوصف القرآني لهذا الخلق :
1-قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..}آل عمران159
2-قال تعالى:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ}التوبة61
3- قال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
4-قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107
وتجلى هذا الخلق في حياته صلى الله عليه وسلم ببعض الأمثلة التي توضح ذلك الخلق الرفيع فمن هذه الأمثلة :
1- قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ) رواه البخاري ومسلم.
2- عندما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{ إن تعذبهم فإنك عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } رفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: ياجبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله: ياجبريل اذهب إلى محمد فقل:إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك . رواه مسلم.
** ومن مواقف رحمته صلى الله عليه وسلم :
1/ رحمته بالصغار :
أ- عن أنس رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله على إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف: وأنت رسول الله؟ فقال : ( يا ابن عوف إنها رحمة ) ، ثم قال : ( إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) رواه البخاري ومسلم.
ب-كان صلى الله عليه وسلم يُقعد أسامة على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول : ( اللهم ارحمهما فإني ارحمهما ) .
ج-دخل الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه، فرأ النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن أو الحسين، فقال له: أو تقبلون أولادكم، إن لي عشرة من الولد، ما قبلت أحدا منهم قط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك)
2/ رحمته بالضعفاء :
أ-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا:ماتت، فقال : ( أفلا كنتم آذنتموني، ... دلوني على قبرها ) فدلوه فصلى عليها . رواه البخاري ومسلم.
ب- عن أنس رضي الله عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت ) صحيح البخاري
ج- عن أبي مسعود البدري الأنصاري رضي الله عنه قال كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا (اعلم أبا مسعود) لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال :أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار) صحيح مسلم
3/ رحمته بالبهائم :
أ- مر الرسول صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة ) رواه أبوداود قال الشيخ الألباني : صحيح
ب- دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ) رواه أبوداود.
4/ رحمته بالكفار :
أ- قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري ومسلم.
ب- ولما أصيب النبي صلى الله عليه وسلم في أحد قال له الصحابة الكرام ادع على المشركين فقال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون )
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال: إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة) صحيح مسلم
رحمــة أهـل الإيمـــان :
فإذا كانت صفة الرحمة للمولى جل جلاله وقد تخلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الرفيع فإن القرآن الكريم والسنة النبوية قد حثا أهل الإيمان بالتحلي بهذا الخلق العالي :
فهي فطرة :قال تعالى:{ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }.
وهي من صفات المؤمنين - قال تعالى:{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }.
وهي وصية القرآن الكريم ووصية النبي الأمين صلى الله عليه وسلم - قال تعالى:{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}.
-عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
-عن أبي هريرة قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تنـزع الرحمة إلا من شقي ) رواه الترمذي وقال حديث حسن
الوصية :
أخي الحبيب أين نحن من هذا الخلق وما هو نصيبه من حياتنا ولنتسأل عنه في واقعنا ومعاشنا :
فهل نحن رحماء مع آبائنا وأمهاتنا والله عزوجل يقول {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24, وأين نحن من رحمة أبنائنا وبناتنا وأزواجنا والنبي صلى الله عليه وسل يقول ( من لا يرحم لا يرحم ) وأين نحن من رحمة الضعفاء والمساكين من خدم وفقراء وغيرهم والله عزوجل يقول{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ(9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ(10)} سورة الضحى , وأين نحن من التراحم فيما بيننا والله عزوجل يقول { رحماء بينهم } .
أخي المبارك هي دعوة لأن نلين قلوبنا ولأن نكون محبوبين ولأن نكون حريصين على نفع الآخرين ولأجل أن يكون المجتمع متحاباً مترابطاً بعيداً عن كل شقاء وعناء .
اللهم زينا بزينة الإيمان وأرزقنا حسن الأخلاق واجعلنا من عبادك الرحماء واشملنا برحمتك وبعفوك وبفضلك ووالدينا وجميع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
. َ