الفنان التشكيلي برهان عيسى
ولد الفنان التشكيلي برهان عيسى في مدينة حلب عام 1960
وترعرع بين أحضان أسره تعشق الفن والإبداع , فنما بدواخله
حب الفن منذ نعومة أظفاره .عندما كان يدخل محترف والده ,
ويتأمل لوحاته وهو يعمل بهمة ونشاط , فيداعب ريش ألوانه,
مما أثمر في نفسه هذا العشق واظهر برسوماته العفوية والبسيطة
عام 1968 أول بوادر ظهور موهبته إذ بدأ يرسم الأشياء التي يراها
ويتلمسها بيديه, استطاع بذلك لفت أنظار أسرته لموهبته المبكرة ,
ويوم بعد يوم اخذ يزداد عشقا وتعلقا بهذا الفن,مما أثار الحفيظة في
نفس الأب, وهو الفنان التشكيلي يعقوب عيسى المعروف بالرسام
جاك , والذي يعتبر من الرعيل الأول للفنانين في مدينة حلب أن
يلتفت لموهبة ولده , فأخذ يرعاها وينميها ,وأصبح الأستاذ المرشد
والموجه لبرهان في مراحله الأولى وكان برهان مستمعا مطيعا يوقظ
كل حواسه عند تلقيه نصائح وتوجيهات والده , مما أكسبته القوة في
الرسم واللون يوما" بعد يوم وسنة تلوى الأخرى, وبدأ يعمل بجديه
نشطه ,مبرزا" قدرات موهبته الفنية ,وتميز ألونه على سطح لوحاته
مبرهنا" لوالده عن عشقه الدفين لهذا الفن, وتأثير إرشاداته في نفسه
التي كان لها الأثر البالغ والفعال في إبراز موهبته المبدعة.
وعمل بجديه مفرطة ضمن منهج واقعي معتمد"ا في أعماله على
القواعد الأكاديمية الصارمة التي نهلها من والده,مجسدا" في لوحاته
موضوعات مختلفة ,منها حارات قديمة وأسواقا" شعبيه وحرفا"
يدوية متعددة ,بالإضافة لرسم صور لأفراد أسرته وأصدقاءه, فكانت
لبراعة سيطرة أنامله على مساحة اللوحة البيضاء الدافع القوي للأهل
والأصدقاء لتشجيعه في إقامة معرضه الأول كي يتعرف عليه الناس
ويبين لهم إمكانياته الفنية والتعبيرية المبدعة , فأقام معرضه الأول
عام 1976وهو شاب في مقتبل العمر أثارت لوحاته الدهشة والإعجاب
في نفوس الحضور مفصحين عن أنامله المبدعة , فجرت هذه الحالة
في ذات الفنان الشاب عاصفة من الفرحة العارمة,وسبح بطموحات
أماله وأحلامه المستقبلية في فضاءات الإبداع,متيقنا بأن تفاعل
جمهور الحضور وتواصلهم معه ومع إبداعاته شهادة جميلة منهم
منحته الحيوية للسير بخطى واثقة ورائعة. وفي ذاك الوقت كان
يعمل في مجال الإعلان الفني والتصميم الدعائي ,وقد نفذ الكثير
من الإعلانات والتصاميم الدعائية والتجارية منها الفنية بخبرة متقنة
ومتميزة ما زالت البعض منها شاهدة له في مدينة حلب حتى يومنا
هذا.
ومع مرور الأيام والسنين أخذت مفاهيمه تنضج وتتبلور شيئا"
فشيئا",وانتبه بأن الموهبة وحدها لا تكفي وعليه صقل وتغذية
مخيلته بثقافة فنيه صحيحة, فأخذ يبحث وينقب عن أعمال الفنانين
الأوائل والمحليين منهم والعالمين,يطلع على أعمالهم ومناهج
مدارسهم وتقنياتهم متعمقا في فلسفة رؤيا هم الفكرية والفنية,
دون إن ينسى استشارة الفنانين الذين كان بينهم وبينه زيارات متبادلة,
آخذا" بوجهات نظرهم في أعماله, كي يتزود بخبراتهم, فتتحول
حوارات جلساته مع أصدقائه الفنانين لندوة ثقافية فنيه لا تخلو من
المداعبة والنكات بحوارات هادئة وفاعلة تبرهن عن علاقة ودية
وحميمة فيما بينهم, فاتسعت مدارك مفاهيم ثقافته, وأخذ ينظر
لموضوعات بيئته المحلية التي يجسدها, نظرة تحمل عمقها الفكري
والفلسفي والجمالي ,وظفها على سطح لوحاته توظيفا" متقنا"
وبارعا", بأحاسيس وعواطف جياشة .
لقد دفع عشق الفنان وولعه بهذا الإبداع في منتصف التسعينات إن
يتفرغ كليا" للفن فقرر ملازمة مرسمه , يطور من أسلوبه وتقنياته
عبر منهجي الواقعية والواقعية التعبيرية , مبرزا" أفكارا"خصبه في
لوحاته, حملت في مضامينها قيما" فنيه وتشكيليه وتعبيرية مبدعة ,
عبرت عن دلالاتها أمام المتلقي شكلا" وموضوعا".
واستطاع الفنان من خلال بحث وعمل دؤوبين , أن يكشف عن غزارة
إنتاجه الإبداعي كعاشق لا يرتوي من عشق محبو بته , أيقظ من خلالها
ذائقة المتلقي للإبحار في عوالمه الفنية والجمالية المعبرة.
وللفنان التشكيلي برهان عيسى معارض ومشاركات عديدة ومختلفة
منها محلية وخارجية , نال من خلالها شهادات تقدير وجوائز قيمة على
أعماله المبدعة, سأسردها حسب تسلسلها الزمني ففي عام1979
أقام مع أخيه معرض في نادي طائفة السريان الارثوذوكس
ومعرضا"فرديا"في صالة الشعلة الثقافية عام 1980. وعندما
استدعى لخدمة العلم لبى نداء الوطن وقام بتأدية واجبه الوطني
والقومي تجاهه وبعد ذلك عاد يتابع حياته العملية والفنية في مجال
الإعلاني والفني. فنال الجائزة الأولى على تصاميم ملصقات لسوق
الإنتاج ومهرجان القطن لسنوات متتالية, كما شارك بمعرض جماعي
كان بعنوان حلب القديمة بريشة فنان عام 1997 الذي رعته جمعية
العاديات بالتعاون مع نقابة المهندسين والفنان برهان يشارك منذ عام
1996حتى يومنا هذا بفعاليات دائمة في المعارض التي تقيمها جهات
رسمية و له مشاركات عديدة فيها فقد دعي للمشاركة في معارض
لفنانين رحلوا عن دنيتنا الفانية ,تحية لأرواحهم الطاهرة ,كمعرض
ذكرى رحيل الفنان فاتح المدرس والفنان شريف محرم والناقد الفني
نبيه قطاعية والفنان الكاتب صفوان الجندي ,والكثير ممن تركوا
بصماتهم الإبداعية في الساحة التشكيلية ,والتي ستبقى ذكراهم
خالدة في ذاكرة الأجيال, كما منح الفنان شهادة تقدير وثناء من
مجلس الأساقفة الكاثوليك ,كان له مشاركة بمعرض عام 2000
في محافظة اللاذقية
وتتالت معارض الفنان برهان عيسى داخل القطر و خارجه إذ أقام
معرضا" عام2001 في اسبانيا بالنادي السوري الاسباني وضمن
فعاليات مهرجان القطن أقام معرضا"جماعيا"في خان الشونة بحلب
عام 2002 حيث منح الجائزة الأولى . كما جال الفنان بإبداعاته في
الصالات العالمية ففي صالة موفي أرت بايطاليا وكان له مشاركات
عديدة من عام 2003 حتى 2006 وفي عام 2003 منح شهادة تقدير
من اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين ,وأيضا"منحته منظمة
الهلال الأحمر شهادة تقدير عن إحدى مشاركاته وفي عام2004منح
شهادة تقدير من الحزب السوري القومي الاجتماعي لمشاركته
بمعرض لا للايدز .
والفنان برهان بحيويته النشطة تلقى دعوات عدة للمشاركة بلوحاته ,
فبمناسبة مرور خمسين عاما" على تأسيس أكاديمية صاريان وفي
صالة الجمعية الخيرية عام 2005 نال شهادة تقدير من أعضاء
الجمعية لمشاركته الفعالة. وأيضا" منح شهادة تقدير من جمعية
رعاية المكفوفين التي أقامت معرضها عام 2006 وفي نفس العام
شارك بمعرض حلب عاصمة الثقافة الإسلامية في جمهورية إيران
بمدينة أصفهان كما شارك بمعرض فنانو القطر خلال أعوام 2007-
2009 وشارك بمعارض الربيع للنقابة الأطباء عام2008- 2010
وأيضا" له مشاركة بمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس اتحاد الفنانين
التشكيليين عام2009 كما انه مشارك دائم بمعارض السلام التي
تقام بشكل دوري في محافظة اللاذقية . ومن موضوعاته الكثيرة
التي أنتجها الفنان برهان بغزارته المعهودة والمعبرة وتركت اثر
واضحا" وفاعلا"
في نفس المهتم والمتلقي بآن معا", لوحاته لقلعة حلب الشامخة ,
الذي يبين فيها شموخ قامتها وروعة زخارفها التاريخية والأثرية بألوان
مشرقة ومبدعة.,واظهر حميمية حجارة البيوت وتلاحم ساكنيها مع
بعضهم البعض , في تجسيده للأحياء القديمة التي نشأ وترعرع
فيها ,كما ابرز نبض حركة الناس في الأسواق الشعبية لمدينته ,
مؤكدا"فيها حيوية العلاقة ونشاط التعامل فيما بينهم,بالإضافة
لذلك فقد رسم الفنان شخصيات سياسيه وأدبية وفنية ,وصورا" لأصدقاء ومقربين له ,والكثير من اللوحات الكنسية
ورجال الدين فكشفت وفرة إنتاجه من لوحاته الإبداعية المميزة.
كما لم يمهل المهن اليدوية والحرف الآيلة للاندثارو الزوال بفعل عصر
المدينة وصراعات الحداثة,لكن اغلبها مجسدة . وما زالت باقية تنبض
بالحياة على سطح لوحات فناننا المبدع,كي توقظ ذاكرت الأجيال التي
جرفتها عصر الحداثة,وصراعات الموضة والتطور.
ما يلفت الانتباه في الفنان التشكيلي برهان عيسى,سماحة روحه
المبدعة ورحابة
صدره الواسع. فوجهه الباسم الضحوك لا تفارقه البشاشة, , وعلاقاته
طيبة مع الجميع ,سواء كانوا أصدقاء أم مقربين أم زملاء فنانين وهو
يعرب بشكل دائم عن إيمانه الكامل بأعماله الأبداعيه ,و جوهر إنسانية
الإنسان ,لذلك يتمسك بأصول شرقيته الإنسانية والحضارية
والتاريخية , ويتعلق بكل موروثاتها الصغيرة منها والكبيرة, متمنيا"
أن تكون اللوحات الشرقية بأيدي فنانين شرقيين. لأنهم أصحاب حضارة
وتاريخ هذا الشرق الجميل ,الذي اهتم به الفنان الغربي أكثر من الفنان
الشرقي , لذلك في جلساته مع زملائه الفنانين دائما" يحرض
مشاعرهم للانتباه بهذه الناحية ,كي يشتغلوا على لوحات من بيئتهم
الشرقية بمناحيها كافة.
وللفنان برهان جولة مع التصوير الفوتوغرافي ,فله مشاركات عديدة
في معارض التصوير الضوئي ,وأيضا" له تجارب في العمل
النحتي ,كما أنه عمل في الديكور الداخلي,وكان لأسلوبه ميزة رائعة
لفت أنظار المشاهد له, وأدخل البهجة في ذاته ,دفعه أن يعرب عن
إعجابه ودهشته بأفاق خيالاته المبدعة. أخيرا" وليس أخرا" في هذه
العجالة اعترف بأنني لم استطع أن أعطي مسيرة الفنان التشكيلي
برهان عيسى حقها الكامل, فهي بحاجة لوقفة متأنية ومطولة ,لذلك
حاولت قدر المستطاع أن أقدم صورة واضحة وجلية عن حياة وعوالم
هذا الفنان الأنيق,لما فيها من اشراقات إبداعية وإنسانية خلاقة ونبيلة. |