لاتتمنو مافضل الله به بعضكم
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ 0000
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم علي سيدنا محمد النبي الأمي وعلي اله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلينا معهم اجمعين برحمتك يا ارحم
الراحمين * عددما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون
اللهم آمين
تفسير آيات الله لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله رحمة
واسعة * وجمعنا معه مع سيدنا محمد النبي الأمي صلي الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين *
ومن عطاء الله له من اشراقات والهامات متجدده
تنير الطريق للسالكين وتهدي الحائرين وتعلم البشريه ما خفي عليها من أمور الدين *اللهم ارحمه وارحمنا معه وخذ بأيدينا حتي
نصل إليه مع حبيبك ومصطفاك سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم تسليما
كثيرا دائم متواصل إلي يوم ألقاه وبعد أن ألقاه فإنك ولي
ذلك والقادر عليه بفضلك وجودك وكرمك يا ارحم الراحمين * اللهم آمين
فدعائي لك يا الله يا الله يا الله كما تعلمناه من حبيبك ومصطفاك صلي الله عليه وسلم
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا
هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام ) وأنا اشهد بما شهد
واستودع الله هذه الشهادة وهي لي عنده وديعة إلي يوم القيامة ... وهو
الذي لا تضيع ودا ئعه وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه
وسلم *اللهم آمين
تفسيرالشعراوي
قال تعالي
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ
وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَان َبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32 ) 0
الحق سبحانه وتعالى خلق الكون وفيه أجناس،وكل جنس يشمل أنواعاً أو
نوعين، وتحت كل نوع أفراد. فإذا ما رأيت جنساً من
الأجناس انقسم إلى نوعين، فاعلم أنهما يشتركان في مطلوب الجنس، ثم يختلفان في مطلوب النوع، ولو كانا متحدين لما انقسما
إلى نوعين. كذلك في الأفراد. وإذا نظرنا إلى الجماد وجدنا الجماد جنسا عاما ولكنه انقسم إلى عناصر مختلفة، لكل عنصر من هذه
العناصر مهمة مختلفة، فمثلاً إذا أردنا إقامة بناء، فهذا البناء يتطلب رملاً، ويتطلب أسمنتاً، ويتطلب آجُراً، ويتطلب حديداً، فجنس
الجماد كله مشترك في إقامة البناء، ولكن للأسمنت مهمة، وللجبس مهمة، وللرمل مهمة، وللمرو - وهو الزلط - مهمة، فلا تأخذ
شيئا في مهمة شيء آخر. وكذلك انقسم الإنسان إلى نوعين، إلى ذكورة تتمثل في الرجال، وإلى أنوثة تتمثل في النساء،وبينهما
قدر مشترك يجمعهما كجنس، ثم بينهما اختلاف باختلاف نوعيهما. فلوأردت أن تضع نوعاً مكان نوع لما استطعت.
إذن فمن العبث أن يخلق الله من جنس نوعين، ثم تأتي لتقول: إن هذا النوع يجب أن يكون مثل هذا النوع. وأيضاً نعرف ذلك عن
الزمن، فالزمن ظرف للأحداث، أي أن كل حدث لا بد له من زمن، لكن لكل زمن حدث يناسبه. فالزمن وهو النهار ظرف للحدث في
زمنه، والليل أيضاً ظرف للحدث في زمنه. ولكن الليل حدثه السكون والراحة،
والنهار حدثه الحركة والنشاط. فإن أردت أن تعكس
هذا مكان هذا أحلت وجمعت بين المتناقضين.
لقد أوضحنا أن الله يلفتنا إلى شيء قد نختلف فيه نختلف فيه بشيء قد اتفقنا
عليه، فيبين لك: هذا الذي تختلف فيه ردّه إلى المتفق
عليه. فالزمن لا خلاف في أنك تجعل الليل سكناً ولباساً وراحة وهدوءاً، والنهار للحركة. وكل الناس يصنعون ذلك. فالحق سبحانه
وتعالى يوضح: كما جعل الزمن ظرفاً لحركة إلا أن حركة هذا تختلف عن
حركة هذا، وهل معنى ذلك أن الليل والنهار نقيضان أو
ضدان أومتكاملان؟
إنهما متكاملان؛ لأن راحة الليل إنما جُعلت لتصح حركة النهار. فأنت تنام وترتاح
لتستأنف نشاطاً جديداً. إذن فالليل هو الذي يعين
النهارعلى مهمته.. ولو أن إنساناً استيقظ ليلة ثم جاء صباحاً لما استطاع أن
يفعل شيئاً. إذن فما الذي أعان حركة النهار؟.. إنه
سكون الليل، فالحق سبحانه وتعالىبيّن: أن ذلك أمر متفق عليه بين الناس
جميعاً متدينين وغير متدينين.. فإذا اختلفتم في أن
الذكورة والأنوثة يجب أن يتحدا في العمل والحركة والنوع نقول لكم: لا، هذا أمر متفق عليه 0فيجب أن يتحدا في العمل والحركة
والنوع نقول لكم: لا، هذا أمر متفق عليه في الزمن، فخذوا ما اتفقتم عليه دليلاً
على صحة ما اختلفتم فيه.
ولذلك ضرب الله المثل فقال:{ وَالْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىا }[الليل: 1].
فعندما يغشي الليل يأتي السكون، وقال الحق بعد ذلك:{ وَالنَّهَارِ إِذَاتَجَلَّىا }[الليل:
2]{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَىا * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىا }[الليل: 3-4].
أي أن لكل جنس مهمة.
وهكذا نعرف أن الإنسان ينقسم إلى نوعين: الذكورة والأنوثة وفيهما عمل
مشترك وخاصية مشتركة. وأن كلا منهما إنسان له
كرامة الإنسان وله حرية العقيدة فلا يوجد رجل يرغم امرأة على عقيدة، وضربنا
المثل بامرأة نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون.
إذن فالقدرالمشترك هو حرية الاعتقاد، فلا سلطان لنوع على نوع، وكذلك حرية
التعقل في المهمات،وعرفنا كيف أن أم سلمة -
رضي الله عنها - أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية
إشارة أنقذت المسلمين من انقسام فظيع أمام
حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا قصة بلقيس - ملكة سبأ - التي استطاعت أن تبرم أمراً تخلى عنه الرجال، إذن فمن
الممكن أن يكون للمرأة تعقل وأن يكون للمرأة فكر، وحتى قبل أن يوجد الإسلام
كانت هناك نساء لهن أصالة الرأي، وحكمة
المشورة في نوع مهمتها.
فمثلاً يحدثنا التاريخ أن ملك " كندة " سمع عن جمال امرأة اسمها " أم إياس " بنت عوف بن محل الشيباني، فأراد أن يتزوجها،
فدعا امرأة من " كِندة " يقال لها: " عصام " وكانت ذات أدب وبيان وعقل لسان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف.
أي أرسلها خاطبة. فلما ذهبت إلى والدة " أم إياس " واسمها " أمامة بنت الحارث " وأعلمتها بما جاءت له. وأرسلت الأم
تستدعي الابنة من خيمتها، وقالت لها: هذه خالتك جاءت لتنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها شيئاً أرادت النظر إليه من وجه
وخلق ونَاطقِِيها فيما استنطقتك به. فلما اختلت " عصام " بالبنت فعلت مثل ما
أمرتها أمها. وكشفت للخاطبة " عصام " عن كل ما
تريد من محاسنها، فقالت الخاطبة كلمتها المشهورة: " ترك الخداع " ما انكشف
القناع " ، وصار هذا القول مثلاً، أي أن القناع
عندما يزول يرى الإنسان الحقيقة، وعادت الخاطبة " عصام " إلى الملك فسألها:
ما وراءك يا " عصام " إنه يسأل: أي خبر جئت
به من عند " أم إياس "؟. فقالت: أبدي المخض عن الزبد. والمخض هو: هزّ الحليب في القربة ليفصل الزبد عن اللبن. وذلك يعني
أن رحلتها قد جاءت بنتيجة.
فقال لها: أخبريني.
قالت: أخبرك حقاً وصدقاً. ووصفتها من شعرها إلى قدمها وصفاً أغرى الملك.
فأرسل إلى أبيها وخطبها وزفت إليه.
وفي ليلة الزفاف نرى الأم العاقلة توصي ابنتها في ميدان عملها، في ميدان
أمومتها، في ميدان أنوثتها، قالت الأم لابنتها: " أي
بنية، إن النصيحة لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك - أي أنها كأم تثق في أدب ابنتها ولا تحتاج في هذا الأمر لنصيحة - ولكنها
معونة للعاقل وتذكرة للغافل
إنك غداً ستذهبين إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه. فكوني له أمةً يكن لك
عبداً. واحفظي عني عشر خصال تك لك ذخراً ".
وانظروا إلى الخصال التي استنبطتها المرأة من ميدان رسالتها، تستمر كلمات
الأم: " أما الأولى والثانية: فالمعاشرة له بالسمع
والطاعة والرضا بالقناعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموقع عينه وموضع
أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا
أطيب ريح. والخامسة والسادسة: التفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه فإن تنغيص النوم مغضبة، وحرارة الجوع ملهبة. أما
السابعة والثامنة: فالتدبير لماله والإرعاء على حشمه وعلى عياله
. وأما التاسعة
والعاشرة: فألا تفشي له سرّاً ولا تعصي له
أمراً؛ فإنك إن أفشيت سرّه لم تأمني غدره،وإن عصيت أمره أوغرت صدره، وإياك
بعد ذلك والفرح إن كان ترحاً والحزن إن كان
فرحاً ".
والعلم رزق، والشجاعة رزق، كل هذا رزق،
وقوله الحق: } مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىا بَعْضٍ { يجعلنا نتساءل: من
هوالمفضل ومن هو المفضل عليه؟ لأنه قال: " بعضكم
". لم يبينها لنا، إذن فبعض مفضل وبعض مفضل عليه.
وسؤال آخر: وأي بعض مفضل وأي بعض مفضل عليه؟ إن كل إنسان هو فاضل
في شيء ومفضول عليه في شيء آخر، فإنسان
يأخذ درجة الكمال في ناحية، وإنسان يفتقد أدنى درجة في تلك الناحية، لكنه
يملك موهبة أخرى قد تكون كامنة ومكتومة. وهذا يعني
التكامل في المواهب، وهذا التكامل هو أسنان الحركة في المجتمع.
لننتبه إلى التروس، نحن نجد الترس الزائد يدخل في الترس الأقل،فتدور الحركة،
لكن إذا وضعنا ترساً زائدا مقابل ترس زائد مثله
فلن تحدث الحركة. إذن فلا بد أن يكون متميزا في شيء والآخر متميزاً في شيء آخر فيحدث التكامل بينهما، ومثل ذلك قلنا: الليل
والنهار، الليل يعينني على حركة النهار،وقلنا: إن السيف في يد الفارس يضرب به ويقتل، ولو لم يسنّه خبير في الحدادة ويشحذه
ويصقله لما أدى السيف مهمته، وقد لا يستطيع هذا الخبير في صقل السيوف
الذهاب للمعركة، وقد يخاف أن يضرب بالسيف، لكن
له فضل مثل فضل المحارب بالسيف.
إن كل واحد له مهمة يؤديها، والأقدار تعطي الناس مواهبهم المتكاملة وليست
المتكررة المتعاندة، وما دامت المواهب متكاملة فلا
أحسد من تفوّق عليّ في مجال ما؛ لأنني أحتاج إليه، وهو لا يحسدني إن تفوقت
عليه في موهبة أوعمل لأنه يحتاج إلى، إذن فأنا
أريده أن يتفوق، وهو يريدني أن أتفوق، وذلكم ما يحبب الناس في نعم ومواهب الناس، فأنا أحب النعمة التي وهبها الله للآخر،
وهو يحب النعمة والموهبة التي عندي.
مثال ذلك عندما نجد رجلا موهوبا في تفصيل الملابس ويحيك أجود الجلابيب فالكل يفرح به، وهذا الرجل يحتاج إلىنجار موهوب
ليصنع له باباً جيداً لدكانه، ومن مصلحة الاثنين أن تكون كل نعمة عند واحد محمودة، ولذلك سمانا الله " بعضا " و " بعضا "
ويتكون الكل من بعض وبعض، فأنت موهوب في بعض الأمور ولا تؤدي كل الأمور أبداً، ولكن بضميمة البعض الآخر نملك جميعاً
مواهب بعضنا بعضا.
ويتابع الحق: } لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ { فمهمة النجاح للرجل أو المرأة هو أن يكون كل منهما
صالحاً ومؤديا للمهمة التي خُلق من أجلها، بعد ذلك يكون حساب الثواب
والعقاب وكل واحد علىقدر تكليفه.
فالثواب والعقاب يأتي على مقدار ما يقوم كل مخلوق مما كلف به.
والمثال على اختلاف مهمة الرجل عن مهمة المرأة، يتجلى في أننا نجد الرجل عندما تغضب امرأته أو تمرض، ويكون عنده ولد
رضيع، فهل يستطيع هو أن يرضع الطفل؟ طبعاً لا؛ لأن لكل واحد مهمة؛ فالعاقل هو من يحترم قدر الله في خلقه، ويحترم مواهب
الله حين أعطاها، وهو يسأل الله من فضله، أي مما فضله به ليعطي له البركة في مقامه. وحين يقول الحق: } وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ
اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىا بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّااكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ { نلحظ أن هذه تساوي تلكتماماً.