قد لا يكون بيننا في الأصل شيء، لكن البعد حقيقة يورث الجفاء، فأنت قد تظن أن بعض الناس لا يريدك، أو أن في نفسه عليك شيئًا، فيستثمر الشيطان ذلك الوارد، ويستغل ذلك الخاطر، ويوسوس في الصدر، فيزداد بذلك الشقاء ويحصل به الجفاء، وتحل القطيعة والبغضاء، ويكون الرابح في الختام هو من جعل الله الشقاء حليفه، والطرد شعاره، واللعنة دثاره، والنار مصيره، ألا وهو إبليس قبحه الله، ويكون الخاسر في الختام هو أنت أيها الأخ الكريم، لمَّا طاوعت شيطانك، وسرت على خطى الوهم والهذيان، فكنت لأخيك مبغضًا، ولقربه مفارقًا، ولأنسك به مخالعًا، فتكون الهوة سحيقة، والفراق بعيداً، والصفاء نادرًا وقليلًا، فتعيش وحيدًا شريدًا، تتحسس من كل شيء، وتقلب الأمور على كل وجهه، تتربص به لظنك أنه بك متربصًا.
فما هو إلا لقاء واحد، ومجلس يؤلف بينكما، فإذا ما كان في النفس غثاء، وما جال في الفكر هباء، وكان البلاء من الشيطان والنفس، وإذا بالجفاء ينقلب إلى صفاء، فتنقلب وأنت في سعادة وهناء، وتقول معها في ندم على ما مضى نعم البعد جفاء. فما أجمل الإئتلاف وما أقبح الفرقة والاختلاف.
ولو أنا تقاربنا لكنَّا *** إلى العلياء دومًا في تسام
ولكنـا تجافينا فكـ *** ـان البعد منا في تنام
إخواني: إن من أعظم ما أمتن الله به على رسوله صلى الله عليه وسلم بعد منته عليه بنعمة الإسلام هي منته عليه بنعمة الاجتماع والألفة قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].
وختامًا: أحذرك أخي من إساءة الظن وكثرة الظنون فقد حذر صلى الله عليه وسلم من إساءة الظن وبين أنه أعظم الكذب فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» (أخرجه البخاري ومسلم).
أسأل الله أن يؤلف القلوب، وأن يدحر الشيطان، ويزيل عنَّا وساوسه، والحمد لله رب العالمين.