قال تعالى
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
كما كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
البقرة - 183
للصحابة ]الصالح أحوال راقية في الاستعداد لاستقبال
شهر رمضان المبارك، فقد كانوا ينتظرونه بشوق لما فيه من بركات وأنوار.
وقد كان والسلف الصالح يستعدونعليك بالدعاء
فقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر
أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها
حتى يتقبل منهم، فيدعون الله أن يبلغهم رمضان على
خير في دينهم وأبدانهم، ويدعوه أن يعينهم
على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منهم أعمالهم.
وكان الصحابة والسلف الصالح أشد فرحًا بقدوم رمضان
وكانوا يظهرون السرور والبشر
لأن رمضان من مواسم الخير
الذي تفتح فيه أبواب الجنان،
وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن،
لذا كانوا يفرحون مصداقًا لقوله تعالى
(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
وقبل رمضان كان الصحابة والسلف الصالح يتحللون
ويبرئون ذمتهم من الصيام الذي عليهم بسبب عذر
من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس وغيرها من الأعذار
الشرعية، فعن أم المؤمنين السيدة
عائشة رضي الله عنها أنها قالت
كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا
أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ .
وكان الصحابة والسلف الصالح يستعدون لشهر رمضان
بالإكثار من الصيام في شهر شعبان،
وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها
"كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم،
فما رأيت رسول الله صلة الله عليه وآله وسلم استكمل
صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان".
وكذلك كانوا يستعدون بقراءة القرآن فيقول
أنس بن مالك صاحب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
"كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحف
فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف
والمسكين على صيام رمضان".
وقال سلمة بن كهيل
كان يقال شهر شعبان شهر القراء
وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته
وتفرغ لقراءة القرآن فالذي تعود على المحافظة على ورده القرآني
قبل رمضان سيحافظ عليه إن شاء الله في رمضان.
قبل أن تعانق رمضان
ها هي الأمة تنتظر قدوم شهر رمضان المبارك
ومن هذه الأمة أنت أخي الشاب
وقد استوقفني هذا القدوم كثيراً ،
ودعتني نفسي للمشاركة في الترحاب به
غير أن الأماني اجتالت في خاطري كثيراً
بمن توجه له هذه المشاركة
فرأيت أن الشباب على وجه العموم هم الأمل
وبعد الله هم عون أمتهم على النجاح
فجاءت هذه الرسالة مؤملاً أن تكون عربون وفاء
بيني وبين أحبتي الشباب
فجاء خطابي يحمل في طياته كثيراً من الآمال تجاه
هذه الفئة من الأمة ، فكانت هذه النداءات :
أخي الشاب
أجدني مضطراً للقاء بك هذه الوهلة على جانب من الرصيف
أو في زوايا الملاعب الرياضية
أو حتى في تجمعاتكم الليلية على ضفاف البحر
أو على أطراف صحرائنا الجميلة
لأنقل لك مع إقبال رمضان مشاعر حب اجتالت في قلبي
وعاشت في كل مشاعري لشخصك الكريم
فأعطني بضع دقائق من وقتك
وآمل وأنت تقرأ حديثي أو تسمع لكلماتي
أن تدرك جلياً أن مشاعر الحب هي الوحيدة التي ساقتني
للقاء بك عبر بوابة الكلمة الهادفة
أخي الشاب
لعله ولج أذنك كثيراً هذه الأيام حداء المحبين لاستقبال شهرهم
ولعلك رأيت بعينيك ابتسامات عريضة على ثغور كثير من المسلمين
واستعداد بهيج لاستقبال هذا الضيف الكريم ولكأني
بك تتساءل لماذا هذا الحداء
وما السبب الحقيقي لهذه البسمات
وما الشيء الجديد في عالم هذا الشهر لمثل هذه الاستعدادات
ومن حقك أن أقول لك
إن رمضان بالذات شهر له ميزة ، ووقت له فضل
وزمان له مكرمات
ولو تأملت قليلاً في هذا الشهر لأدركت حفظك الله برعايته
أن قليلاً من أسرار رمضان توصل إلى عالم عظيم من الفرحة والسرور
أخي الشاب
جاء رمضان ولك أن تتأمل أخي الشاب
بين رمضان الفائت ، ورمضان القادم : كم من قوم رحلوا
كم من أخ جمعتنا به الأيام رحل إلى عالم الآخرة
ولكأني به اليوم رهين قبر ، وأسير ظلمات
فما أجدرك أخي الفاضل بمحاسبة نفسك قبل رحيل كهذا الرحيل
لقد حفظ لنا الزمن آمالاً كانوا يعيشونها
وطموحات يسعون لتحقيقها
وكانوا ينتظرون رمضان لتحقيق بعض هذه الآمال
وإنجاز هذه الطموحات غير أن الموت عاجلهم
والقدر فاجأهم ، فكان الرحيل بلا ميعاد
بات القوم ولكأني بهم ما بين فرح مسرور
فتح له باب إلى الجنة فرأى فيها ما يتمناه فقال
يارب عجّل بقيام الساعة
، وآخر ضاق قبره عليه حتى اختلفت أضلاعه
وعاش بقرب أنيس لا أسوأ منه
ورأى بعينيه وعاش بحاله منظر الحيات والعقارب
تتسلى على جسده فقال
يارب لا تقم الساعة
أخي الشاب
أولائك الذين حدثتك عنهم في الصورة السابقة رحلوا
ونسيهم أهلهم وذووهم
وجاء رمضان هذه الوهلة على آخرين تعرضوا
لحوادث مؤلمة ، فعاشوا مضاجعين للأسرة البيض
لهم سنوات لم يشهدوا شمساً ولا قمراً ولم يروا ليلاً ولا نهاراً
فماذا يعني لهم رمضان هذا العام
غير تجديد الحسرة
ونفاذ الدمعة
وحسرات الحاضر
المر وأنت حفظك الله برعايته في ريعان شبابك
وفي كامل قواك فماذا يا ترى أنت فاعل في ظل هذه النعم
وتجاه مثل هذه المكرمات
أخي الشاب
عاد رمضان هذا العام وفي بلاد المسلمين أحزان ماثلة
وظلمات عاتية ، عاد وقد خلّفت الحرب في بلاد المسلمين
يتيم يترقرق الدمع في عينيه ألا يجد من يواسيه
وأسرة فقدت معيلها فباتت تساهر القمر
وتنتظر بلج الصبح لعرض شكواها على عامة
المسلمين في سؤال عشاء ، أو البحث عن كساء
وأحوال ترصدها العين، من أشلاء ودماء
وفراق وشتات ، وأنت آمن في بيتك
مطمئن في حياتك ، مسرور بأفراحك
فماذا أنت فاعل مع هذا القدوم المبارك .
أخي الشاب : الجرأة على المعصية
والإقدام عليها سبب من أسباب سوء الخاتمة
أجارك الله تعالى
وقد صرّح ابن القيّم رحمه الله تعالى بمثل هذا فقال
ومن عقوبات المعاصي
أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه
ومن ثم أمر أخوف من ذلك وأدهى منه وأمرّ وهو أن يخونه
قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى
فربما تعذّر عليه النطق بالشهادة كما شهد الناس كثيراً
من المحتضرين أصابهم ذلك
حتى قيل بعضهم قل : لا إله إلا الله فقال
آهـ ! آهـ ! لا أستطيع أن أقولها
وقيل لآخر
قل : لاإله إلا الله ، فقال
ما ينفعني ما تقول
ولم أدع معصية إلا ركبتها ثم مات ولم يقلها
وقيل لآخر : قل : لاإله إلا الله فقال
وما يغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة
فمات ولم يقلها اهـ إلى غير ذلك من الأحوال المؤسفة
التي تكون نهايتها مؤسفة نتيجة الإصرار
على المعصية عافاك الله
ومن عرف قدر هذه العواقب تفكّّّر في حاله
وحاسب نفسه قبل فوات الأوان
فكم من معصية استعذبها الإنسان مع مرور الزمن
وصار له إلف بها وتعلّق بها حتى أصبحت
وأمست تسيطر على فكره
وتحُدثه في خلواته فلما ازداد به هذا الحال
وصار يعرف به في حياته كلها أصابته فاجعة الموت
إثر حادث على الطريق فإذا بالرجل يردد في سكرات الموت
الشهوة التي تعلّق بها
واستمر المسكين على حاله حتى فاضت روحه
وهو على هذه الحالة فإن لله وإن إليه راجعون من الخذلان .
أخي الشاب
أقبل رمضان وبين طياته حديث عظيم
يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم
« إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار
وصفدت الشياطين »
وشهر تفتح فيه أبواب الجنان ما أجدرنا إلى اغتنامه
بصيام النهار الذي تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن فضله فقال
« من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه »
وصلاة الليل مع عامة المسلمين في بيوت الله تعالى
التي بلغ من فضلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
« من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه »
فإن أبيت إلا أن تكون حريصاً على المعصية
مصراً على التقصير في الطاعة
حتى في زمن الخيرات فأخشى أن يحال بينك وبين الهداية
وحينئذ تتحقق فيك عظيم الخسارة
فياليت شعري من يفيق من غفلته قبل
فوات أزمان الطاعة فإن للربح أياماً
وللتجارة أوقاتاً
والخاسر من فاتته الفضائل وتمنى على الله الأماني
فإياك إياك .
وأخيراً أخي الشاب
هذه رسالتي بين يديك
ولم يكن دافعها إليك إلا فيض مشاعر الحب لشخصك الكريم
وأمنية تؤجج في نفسي آمالاً أن تكون بعد هذه الأسطر
أحسن حال من سالف الأيام
حفظك الله وسترك ، وأقر عين أمتك بصلاحك وتوبتك
إنه أكرم مسؤول
قلوبنا
لا زالت تطير و لا زالت تحلق
ترفرف كالفراش حول بصيص من النور
ظمآنة هي وطال جفاف حلقها
ولابد من شيء يرطب حلقها
لتصدح بالدعاء وكأنها تؤذن
نعم تؤذن فقد حان وقت الصلاة
وأي صلاة
لابد أن نتوقف لنصليها كما يحبها ربنا
ولابد أن نسقي قلوبنا لتتمكن من الصراخ
واطلاق أنين التوبة
ولتتمكن من الرفرفة من جديد
ولكن ليس قبل أن تضيء بذاتها
شد حيلك
لن أبكي على ما مر
ولن أحصي الدقائق والثواني
لكنني سأشمر وأحاول عبور النهر
لعلى أصل لشط آخر وبداية جديده
لن أستطيع جمع ما سقط مني من ثمار غاليه
فقد خسرتها تماما
نعم خسرت كل لحظة مرت في تفاهة ولهو
وخسرت كل لحظة أمضيتها في غيبة وثرثرة
وخسرت على يوم نمت فيه طويلا
وضحكت فيه كثيرا
هرب مني عمرى
وأنفلتت الحسنات من بين أصابعي كالماء
يا للخسارة
يا للخساره
لكنني لا زلت أعبر وها أنا وسط النهر
أتطلع للجهة الأخرى حيث الأمان نعم الأمان
لابد أن أفر اليه لابد أن أفر لربي لابد أن أتوب
سأصلي نعم سأصلي باذن الله بقلبي وعقلي
سأحاول فهي معركة ولابد أن يبارزني عدوي
ربما سأسهو وربما سيفتر قلبي
لكنني سأظل باذن الله أحاول وأحاول ولن أيأس
ترى هل أمضي وحدي أم أشد بيد تؤنسني
معراج القلوب
إنه رمضان
لا زلت يا فؤادي ضعيفا
لا ترفرف كما كنت ترفرف
حاول أن تسبح
حاول أن تبتسم فها هو رمضان يقترب
ولنعرج بجناحنا هناك ونترك النهر للحظات
ونسبح في فيض الرحمة
وسأسقيك من زاد القلوب هناك
انها فرصة يا فؤادي
انه البلسم وها هو الدواء
هيا الى معراج القلوب لنبدأ من جديد
هيا لنقوى على الطيران والتحليق
هيا لتنير يا فؤادي من جديد
هيا ... هيا
لنفر الى الله
رمضان
انه يقترب نعم يقترب
ما أجمله ما أجمله
أشعر به
أكاد أشم رائحته
أكاد أسمع الآن صوته
فهو الضيف الذى نشتاق اليه
حتى يأتينا وان أتى أتانا بخير
لكننا تركناه يرحل دون وداع يليق به
وربما أضعنا ما غرسه في قلوبنا من خير
ليتنا أنتبهنا لغراسه ورعيناه ليكبر فينا
ليتنا فعلنا
ليتنا
فرصة
هذه المرّة لابد أن نحسن استقباله
ونحسن جواره
لابد أن نقتبس من نوره
لابد أن نعلم جيدا أين يغرس زرعه
ولابد هذه المرة أن نقف طويلا لنودعه
لنصافحه ونشد على كفه الحنون
ليبتسم ولو مرة واحدة وهو مسافر
ليدور طوال العام وربما يعود ولا يجدنا
اللهم بلغنا رمضان
راق لي |
|
|