هو إمام من أئمة المسلمين .
آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر .
ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية .
هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان .
إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق .
فلله درّه .
هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه .
وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة .
مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال .
فمَـن هـو هذا العَالِم العَلَم ؟
اسمـه : عبد الله
وكنيته : أبو عبد الرحمن
هو :
عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل رضي الله عنهما .
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :
الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني .
أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي .
وقال :
روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى .
روى عنه خلق كثير .
وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير .
جهاده :
كان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم .
وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة .
وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً .
وشهِد فتح مصر .
روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه .
عبادته :
كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم .
قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما .
وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر .
زُهده :
كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر .
وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه .
( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب .
وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر .
وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر .
وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم !
وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم .
اتِّـباعـه للسنة :
كان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه .
وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود .
ومن ذلك
ما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟
رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما :
قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء .
وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى .
وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق .
و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ .
إمامته رضي الله عنه :
يدلّ على إمامته هذه القصة :
لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى :
من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب
قال : من هذا ؟
قالوا : عبدالله بن جعفر .
قال : خلُّوا لـه الطريق .
ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى :
بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر
قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟
قال : من هذا ؟
قالوا : عمر بن أبي ربيعة .
قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب .
قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟
قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة .
قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس .
وفاته رضي الله عنه :
توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة .
وهو ابن خمس وثمانين سنة .
فرضي الله عنه وأرضاه .
اللهم إنا ،ُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم