تزايد عدد «ذوي الاحتياجات الخاصة» في المجتمعات العربية باستمرار حتى وصل إلى 34 مليونًا وفقًا للإحصاءات الأخيرة لمنظمة العمل العربية.. ويظل مرض التوحد إحدى أبرز الإعاقات وأصعبها وأكثرها معاناة.. لذلك حرصت «الوعي الإسلامي» على لقاء د.نجوى عبدالمجيد، أستاذة الوراثة البشرية ورئيسة وحدة بحوث الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالمركز القومي للبحوث، والتي تحدّثت عن الأمراض الأكثر شيوعًا بين الأطفال العرب وبصفة خاصة مرض التوحّد.. فإلى الحوار..
إصابة الطفل ترجع لأسباب بيئية من الدرجة الأولى وليست وراثية
< حدّثيِنا عن الأمراض الأكثر شيوعًا التي يمكن أن يصاب بها الطفل وتجعله ضمن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة؟
- الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة هم الذين يعانون من تطور غير سوي في الأعصاب، فليس شرطًا أن يكون الطفل متخلفًا عقليًا حتى يكون من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ بل هناك العديد من الأمراض المرتبطة بهذه الفئة وخاصة أمراض السلوك مثل مرض التوحّد ومرض فرط الحركة وهشاشة كروموسوم x.. وذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا فقط معاقين أو يأخذون الشكل المنغولي، بل هناك أمراض مثل السابق ذكرها لا تؤثر في شكل المريض فقط، بل أيضًا في سلوكه.
< إذن.. ما أكثر العوامل المسببة للإصابة بهذه الأمراض؟
- هذه ليست فقط أمراضًا وراثية تنتقل إلى الأبناء من الآباء أو الأمهات، بل معظمها يظهر نتيجة عوامل بيئية مثل التطعيمات الزائدة، فالطفل منذ ولادته يحصل على كمية كبيرة من التطعيمات، وأيضًا المضادات الحيوية الزائدة، فالكثير من الأمهات يقمن بإعطاء أطفالهن أدوية باستمرار مع ظهور أعراض أي مرض عليهم، المشكلة هنا ليست في المادة الحافظة في هذه التطعيمات أو الأدوية، بل الأساس هو ضعف الجهاز المناعي لدى الأطفال؛ فإذا أصيب الجهاز المناعي للطفل في أثناء حمله بأي جين معطوب سيؤدي ذلك إلى ظهور المرض عليه، إضافة إلى ذلك نجد أن الإصابة بالمرض يمكن أن تحدث نتيجة التلوث الكيميائي الناتج عن مركبات الرصاص والمعادن الثقيلة أو نتيجة لتدخين الآباء بجانب الأطفال، وأيضًا هناك سبب آخر في غاية الأهمية وهو التغذية السيئة فإذا لم يحصل الطفل على الغذاء اللازم والصحي في الفترة الأولى من حياته سيؤثر في جهازه المناعي، ومن ثم سيساعد ذلك على ظهور المرض، والتغذية السيئة مرتبطة أيضًا بالطعام الذي تتناوله الأم في أثناء فترة الحمل؛ لذلك يجب عليها أن تحرص على تناول الأطعمة الصحية السليمة.
< عادة ما تصاب الأسرة ببعض المشاكل النفسية مثل الاكتئاب والحزن عند معرفة إصابة طفلها بإحدى الإعاقات.. فهل انفعالات الأسرة وسلوكها يؤثران في نفسية الطفل؟
- الحالة النفسية للأسرة تؤثر بالطبع في الطفل، فكلما طالت فترة استنكار الأسرة للمرض أثر ذلك في سرعة توجّه الأسرة لبدء العلاج والاستجابة له، ومن خلال تعاملي مع كثير من الحالات لاحظت أن أكثر من يُظلم بسبب مرض الطفل هي الأم؛ والتي يحملونها أسباب المرض حتى إذا لم يكن لها أي دخل في ذلك، فعلى سبيل المثال إصابة الطفل بالتوحد ترجع إلى أسباب بيئية من الدرجة الأولى وليست وراثية، حتى وإن كان المرض وراثيًا فقد يكون موروثًا من الأب أو من الأم، أو في شكل طفرة وليس موروثًا من أيًا منهما، إلا أن بعض العائلات مازالت تصف الأم بما يسمى بـ«وصمة العار» نتيجة إصابة طفلها، وذلك يجعل الأم تبتعد عن صديقاتها تجنبًا للإحراج وخاصة أن بعض هذه الأمراض مرتبط بعنصر المفاجأة، فالأم لا تستطيع أن تتوقع تصرفات الطفل؛ فقد يقوم بالصراخ فجأة أو بضرب من أمامه.. وكل ذلك يجعل الأم تبتعد قدر الإمكان عن التواجد في أماكن التجمعات، ما يؤثر في النهاية على حالتها النفسية.
< إذن كيف يمكن تحويل الانفعالات السلبية للأسرة تجاه المرض إلى طاقة إيجابية؟
- يتم ذلك من خلال التوعية، حيث يجب على الطبيب أن يشرح كل ما يتعلق بالمرض للأسرة وأن يوضح لهم كيفية التعامل مع الطفل، وما احتياجاته في هذه الفترة، ومن الضروري أيضًا أن يقدم لهم الدعم من خلال عرض حالات مرضية مشابهة لحالات شفيت أو تحسنت بفضل اهتمامهم بالعلاج وحرصهم على تنفيذ إرشادات الطبيب.. كما أن توفير الرعاية الصحية للطفل مهم جدًا؛ لأنها تساعد على تحسين سلوكه، ومن ثم تؤثر إيجابيًا في الأسرة وتعطيها الأمل.
وبسبب أهمية الحالة النفسية للأسرة قمت بإنشاء شبكة اجتماعية تسهل التعارف بين أسر الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، استطاعوا من خلالها النقاش حول موضوعات متعلقة بأمراض أبنائهم وحول المراكز المسؤولة عن العلاج، وعن أفضل الأطباء والمدارس المختصة بإعادة تأهيلهم، فمثل هذا التعارف يسهل على الأسرة كثيرًا من الأمور ويجعلها تستفيد من تجارب غيرها، كما يقلل الأعباء النفسية لدى أسر المرضى.
< عادة ما تكون نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة سلبية.. فما الأدوار التي تقوم بها الجمعيات المعنية في توعية المجتمع؟
- الغالبية العظمى من الناس لديها نظرة سلبية تجاه هؤلاء الأطفال، فإما هي نظرة شفقة أو نفور، ولكي نستطيع تغيير هذه النظرة نحتاج إلى تدخل أعلى من صانعي القرار والمؤسسات الكبرى لصالح هذه الفئات، ونحتاج إلى تغيير المفاهيم والمعتقدات حول هؤلاء المرضى، وسيتم ذلك من خلال حملات توعية مستمرة للمجتمع في الإعلام وعلى أرض الواقع من أجل تعريفهم بهذه الأمراض وطبيعتها وأساليب علاجها، ولا بد من وجود مساعدة دائمة لهؤلاء المرضى تجعلهم مثل الآخرين؛ وهذا بالفعل ما تفعله الدول الأجنبية، ففي أحد المؤتمرات التي حضرتها كان المنظمون منغوليين، فلقد تقبلهم المجتمع هناك نتيجة تغير المفاهيم السائدة حولهم.
< هل يجوز الدمج بين الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال العاديين في المدارس؟
- هناك أطباء متخصصون في عملية الدمج وهم من يجب أن يحددوا إذا كان هذا الطفل مناسبًا للدمج أم لا، وذلك لأن عملية الدمج تتوقف على طبيعة الطفل نفسه، فهناك آثار سلبية للدمج تظهر على بعض الأطفال وآثار أخرى إيجابية تظهر على غيرهم، فمثلًا قد ترى الأم أن الطفل يمتلك درجة عالية من الذكاء فتقوم بإدخاله مدرسة عادية بدون استشارة الطبيب، فيؤدي ذلك إلى تدهور حالته أكثر من قبل، وذلك قد يرجع إلى عدة أمور منها أن السلوكيات لديه مازالت مضطربة أو أن عملية التخاطب مازالت سيئة، فدخول الطفل المدرسة مع أطفال عاديين تجعله يقارن نفسه بهم، ما يحمله مزيدًا من الضغوط ويسبب له اكتئابًا وعنفًا في بعض الأحيان.
< ما حجم اهتمام المؤسسات المعنية في الوطن العربي بذوي الاحتياجات الخاصة؟
- هناك اهتمام نسبي بذوي الاحتياجات الخاصة في البلاد العربية، لكن المشكلة أن بعض المراكز الحكومية غير مقبولة، كما أنها تتوفر في العواصم الكبرى فقط ولا توجد في المحافظات إلا المراكز الأهلية «الخاصة» والتي تعد أكثر انتشارًا في الدول العربية، وهذا في حد ذاته يسبب مشكلة كبيرة للأسرة، وخاصة في ظل التكاليف العالية لعلاج هذه الأمراض، لكن هذا لا ينكر قيام بعض الحكومات في عدة دول عربية بإنشاء مراكز عالية الجودة وجيدة الخدمات لرعاية هؤلاء الأطفال.
< يقال بأن المرض النفسي يحتاج إلى وقت أطول في العلاج من المرض العضوي.. فهل هذا صحيح؟
- أجل هذا صحيح، لكن الاكتشافات الحديثة ساعد استخدامها على سهولة العلاج، مثل اكتشاف الرنين المغناطيسي والذي يستطيع تصوير أجزاء المخ إلى حبيبات صغيرة جدًا فضلًا على عرض ما بداخله، فعلى سبيل المثال قديمًا كان يقال بأن مرض «التوحد» هو مرض نفسي عادة ما يصيب الطفل الأوسط لعدم الاهتمام به.. هذا اعتقاد خاطئ وليس له علاقة بالحقيقة فهذه الاكتشافات أثبتت أن السبب في التوحد هو حدوث تغيرات فسيولوجية في المخ.
< كيف يتم علاج هذه الأمراض؟ وهل يعتمد فقط على الأدوية؟
- الأدوية الخاصة بهذه الأمراض ليست معالجة بنسبة 100%، فهي عامل مساعد فقط وليست أساسية، لكنها تساعد بشكل كبير على تحسين سلوكيات الأطفال، وهناك أيضًا أطعمة معينة تساعد في العلاج لكنها ليست أطعمة عادية تقوم الأم بإعدادها، فبالرغم من أن مواد هذه الأطعمة من البيئة إلا أننا نقوم بإعدادها بطريقة معينة، لقد جاءت إلينا هذه الفكرة بعد سنين من الأبحاث والاختبارات والتي حددنا من خلالها العناصر والفيتامينات الهامة التي يحتاجها جسم هؤلاء الأطفال وبعدها قمنا بتعويضها من خلال هذه الأطعمة، وبالفعل ساعدت هذه الأطعمة على تحسين سلوكيات الأطفال وتهدئتهم.
< هناك أمراض يتم اكتشافها بمجرد ولادة الطفل وأخرى تحتاج إلى سنوات لاكتشافها وأشهرها مرض التوحّد والذي قمتِ بذكره في عدة أمثلة، فماذا عن هذا المرض؟
- التوحّد يعد مرضًا تطوريًا، حيث يبدأ بفقد المكتسبات، فمثلًا يكتسب الطفل اللغة ثم يفقدها ويبدو كأنه أصم، وهو لا يعد مرضًا نفسيًا فقط، ولا مرضًا عضويًا فحسب، بل هو عبارة عن مرض يصيب الجهاز المناعي والعصبي للطفل فيسبب فقد اتصال بين مراكز المخ المختلفة وإلى حدوث مشاكل لديه في كيفية الاتصال بمن حوله؛ فيؤثر في التطور في ثلاثة مجالات أساسية: التواصل والمهارات الاجتماعية والتخيل، وأعراضه تبدأ في الظهور خلال السنوات الثلاث الأولى، وهو يصيب الذكور بنسبة تعادل ثلاثة أضعاف نسبة الإناث.
< بما أن التوحّد يظهر بعد مدة من ولادة الطفل، فما الأعراض التي يمكن أن تلاحظ من خلالها الأم إصابة طفلها بالتوحد؟
- تلاحظ الأم على طفلها أمور عدة تشير إلى إصابته بالتوحد؛ مثل عدم استطاعته النداء على والده ووالدته، وكذلك أنه لا يحب العناق ويتسم بالتحفظ وفتور المشاعر، ولا يحب النظر لعيون الآخرين عند التحدث معه، ولعل من أبرز ما يمكن أن تلاحظه الأم أيضًا على طفلها هي موجات الغضب والبكاء والضحك غير المبررة، فالمتوحد يبكي ويضحك في أي وقت وبدون أسباب، كما أنه يعشق الأمور التكرارية فعند اللعب بلعبة معينة تراه متعلقًا بها، كما أنه يفضل الانعزالية.
< هل هناك آثار سلبية تنتج عن التشخيص الخاطئ للمرض أو عن اكتشافه المتأخر؟
- بالطبع هناك تأثيرات سلبية منها تدهور حالة الطفل نتيجة عدم أخذ العلاج الصحيح، فالتوحد له مضاعفات غريبة ويكون علاجها صعبًا، حيث يمكن للتوحد أن يؤدي إلى التخلف العقلي، وهذا لا يحدث إلا إذا تدخلت عوامل أظهرته مثل الاهتزازات والكهرباء الزائدة وحالات الصرع، كما أن الاكتشاف المبكر يعد عاملًا أساسيًا لتقصير رحلة العلاج في أي مرض.
< إذن كيف يمكن للأطباء التأكد من مرض الطفل؟
- نتيجة لتشابه أعراض بعض الأمراض مع غيرها مثل مرض التوحد، فأعراضه مشابهة تمامًا لمرض «كروموسوم x الوراثي»، إلا أن الأخير هو مرض وراثي ينتقل من الأم إلى الأبناء من الذكور وقد ظهرت الآن برامج مهمة مسؤولة عن تشخيص مرض التوحد وأخرى لتشخيص مرض فرط الحركة والنشاط الزائد، فيمكننا الاعتماد على تقنيات الـهندسة الوراثية الـDNA في تشخيص المرض، أو من خلال مقابلة مع المريض وأسرته يتم فيها عرض مجموعة الأسئلة التي تسمى بـ ADIR، وتلك الأسئلة تستغرق حوالي نصف ساعة، ويعد ذلك الأسلوب هو أحدث طريقة لتشخيص التوحد.
< كيف يمكن تأهيل الأطفال المصابين بالتوحد بما يساعد على إعادة دمجهم في المجتمع؟
- أهم خطوة في إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال هي تعديل السلوك، ومن بعدها تأتي مرحلة التخاطب والتي تساعدهم على الحديث والتفاعل مع المجتمع بشكل طبيعي، هناك الآن أشياء مستحدثة تساعد على التأهيل مثل استخدام الأوزون أو بعض الحمى الغذائية والتي لا تتناسب مع جميع الأطفال، لكن في رأيي هذه الحلول مؤقتة وليست دائمة فهي تساعد على التحسن المؤقت وبعدها يعود الطفل إلى حالته الأصلية، أما تعديل السلوك والتخاطب فهما يؤثران بشكل إيجابي في الطفل.
< هل هناك أنشطة معينة اجتماعية أو رياضية يمكن أن يشترك فيها هؤلاء الأطفال بما يساعد على سرعة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع؟
- يتوقف ذلك على طبيعة مرض الطفل؛ فمثلًا الطفل المنغولي مناسب جدًا للمشاركة في أي أنشطة رياضية، وذلك لأن طبيعة شخصيته ودودة ولطيفة، على عكس مرضى التوحد الذين لا يجب أن يشتركوا في أي نشاط رياضي إلا بعد عملية تعديل سلوكهم، وذلك لأنهم انفعاليون، لكن من الممكن أن يتعلموا بعض الأنشطة الفنية مثل الموسيقى والرسم، فمن خلال تعاملي مع هؤلاء الأطفال وجدت أن الكثير منهم لديهم مواهب فنية مميزة وخاصة في هذين المجالين، حتى إن بعضهم قد يتفوّق على أقارنه من الأطفال الطبيعيين.
العقاقير الدوائية عوامل مساعدة للشفاء وليست الأساس!