عبدالله الجعيثن
ومن حق المرأة أن ترفض شديد القبح ولكن بذوق وبلا تجريح، غير أن القبح -في نظر الكثير من المراهقات- يشمل كل من لا يتّسمُ بوسامة ظاهرة، وطلّةٍ باهرة، كما أن من لا يعرف كيف يلبس أو يختار سيارة (حلوة!) تعتبره بعض الفتيات قبيحاً ولو لم يكن كذلك بسبب جهل صغيرة السن بمعادن الرجال، وأهمية الزواج التي تقدم الجوهر على المظهر، فليس الزواج حفلة ليلة تصحب فيها المرأة شاباً حلو القسمات والبسمات ولكنه تافه، فاشل، الزواج حياة كاملة فيها من المصائب والمتاعب والمواقف الصعبة مايجعل (العاقل) من النساء تُفضّل الرجل القوي الأمين الذي يحميها بإذن الله، ويحترمها في كل الأوقات..
. وسمعت أن شاباً ناجحاً ولكنه لا يعرف كيف يلبس كما أنه ليس وسيماً ولا قبيحاً (متوسط) تقدم لخطبة فتاة فوافق أبوها (وكان صارماً لا تستطيع بناته رد كلمته) وكانت الفتاة تعتبره غير وسيم وتخاف من (تعيير) صديقاتها لها فرسمت خطة كيدية مع أخواتها، حين سمعت أن أباها دعاهم لوليمة، حين حضروا كان أخاها الطفل يدخل المجلس كلما خرج أبوه فيقترب من الخطيب وينظر في وجهه ثم يصرخ (أنت خاطب أختي؟ ياشينك) وكررها ثلاث مرات! فاستوعب الشاب الرسالة وفسخ الخطبة! … وتزوج أخرى وبنى بيتاً سعيداً فيه بهجة المرح والأطفال وبقيت هي في انتظار (جودو).
صادفتها في الباديه قبل يومين تشتكي من العنوسة وتشتكي جور أبوها
إن من أسباب العنوسة دلع بعض البنات!.. فالبنت وهي صغيرة غريرة لا تفهم الحياة قد تضع شروطاً كثيرة في زوج المستقبل، وتريد من (المواصفات) ما لايتحقق في أكثر الشباب، فهي تنسج مواصفاتها من أحلام اليقظة وتضع شروطها من وهم الخيال!..
. وبهذا ترفض كثيراً من المتقدمين لها، خاطباً بعد خاطب، وتضع فيهم (العذاريب)..
. فهذا فقير..
. وذاك قصير..
. وهذا لا يعرف كيف يلبس..!
. وذاك سيارته تفشّل..!
. والآخر لا يحب ولا يريد السفر ولا قضاء شهر العسل في أوروبا !
. والخامس ليس من مستواها..!
. والسادس لا يعرف اللغة الانجليزية!
. والسابع شخصيته ضعيفة..
. والثامن شين (شوي)!
. والتاسع مايتقن (الاتكيت) وماعنده ذوق (على قول المصونة الصغيرة)
. والعاشر له (أم قشرا) أو (أخوات شريرات) كما قيل لها..
الى غير ذلك من (العذاريب) و(العيوب) والتي أكثرها مبالغ فيه، وربما ليس له أصل وجود، غير أن الفتاة الصغيرة سألت عنه بعض الصديقات فأخرجن فيه العيوب حسداً من بعضهن وجهلاً من البعض الآخر لصغر السن وقلّ التجربة وعدم المعرفة بجوهر الناس وطبيعة الشباب!
بل ربما اطلعت بعضهن في الخاطب الجيد (القطط الفطسانة) من العيوب من باب الغيرة والحسد لا غير!..
. والمخطوبة الصغيرة لم تدرك بعد عمق الغيرة والحسد في من يزعمن الصداقة زوراً ، ولا تستطيع التمييز بين الجيد والرديء، ولا تطيع أهلها إذا مدحوا لها شاباً جيداً ناجحاً، همها الأول إعجاب صديقاتها بالخاطب! أو على الأقل رضاؤهن عنه! فهو يسقط من عينها إذا سخرن منه وأظهرن فيه العيوب! ولو كُنَّ كاذبات حاسدات! وقال لي شاب ناجح (وهو متزوج الآن وله أربعة أولاد): إنه سبق أن خطب عدة فتيات، ووجد العجب من الشروط والمواصفات! حتى إن بنتاً من عائلة عاقلة جمعني بها أبوها بعد أن خطبها، بغرض الرؤية الشرعية والنقاش بحضرته فسألتني عدة أسئلة، وأنا أجيب كأني في امتحان.. وفجأة دخل علينا كلب وقفز اليها فضمته وقربته من وجهها ولاعبته ثم تبعه قط أسود جلس على حضنها
-ولا كأني هنا - ثم قالت لي:
- هل تُحبُّ الحيوانات؟!
فقلت بلا تفكير: لا!
قالت : ولا الكلاب!
قلت : من باب أولى.. ماالذي يجعلني أُحبُّ الكلاب ؟! ..
فنهضت وكلبها في حضنها وخرجت وأغلقت الباب، وفي الغد جاءني الرفض!
وحين سألتها أختى عن السبب قالت:
(مايحب الحيوانات).. وأضاف: وبلغت الأربعين وهي لم تتزوج حتى الآن! رغم أنها جميلة! ويمكن جمالها غرّها! والجمال يزول مع مرور السنين وأظنها الآن تردد مع نزار:
(أفكِّر أينا أسعد .. أنا أم قطنا الأسود)
. وكم امرأة تدّعي الصداقة والشفاقة عابت أمام صديقتها (المزعومة) الشاب الذي تقدم لها وسخرت منه بمكر وقالت فيه (مالم يقله مالكٌ في الخمر) حتى رفضته المسكينة وكرهت ذكره ! ثم تزوجته نفس تلك الصديقة الكاذبة الحاسدة، فقد كانت تعيبه لأنها تريده، وأكل الحسد قلبها حين خطب الرجل صديقتها كما تأكل النار الحطب ففاحت روائح الغيبة النتنة والبهتان العظيم والحسد الأسود:
(حسداً حُمِّلْنهُ من أجلها
وقديماً كان في الناس الحسد)!
. والمصيبة أنّ الفتاة الصغيرة لا تستطيع التمييز بين الناجح والفاشل، والصالح والطالح، ولا تُطيع أهلها الذين هم أخبر منها، فهي -في هذا العمر- همها الغالب هو المظاهر، والمشكلة أن الناجحين من الشباب لا يهتمون بالمظاهر، فهم مشغولون عنها بالجد والكد والكفاح ، وأنّ أهل الصلاح يكرهون التبذير والإسراف وهم ليسوا بخلاء بل معتدلين راشدين، كُلُّ هذا لا تعيه الفتاة الصغيرة في الغالب ولا يعنيها وهي سادرة في أحلامها ونظراتها القاصرة التي تحكم على الشاب بما يلبس من ثياب وهل سيارته شبابية وفاخرة؟ وهل حديثه ناعم ووجهه حلو باسم؟ وكثيراً ما توجد هذه الصفات في أتفه الشباب ويبتعد عنها الناجحون والصالحون - عدا الابتسام الصادق لا الخادع- وبالتالي ترفض عدداً من الناجحين والصالحين حتى يتوقف عن طرق بابها الخطاب ويُحجم عن طلب يدها أفضل الشباب لأنهم علموا أنها رفضت فلاناً وفلاناً وعديدين من أفضل الشباب الصالحين الناجحين فلماذا يتقدمون لها وقد رفضت هؤلاء؟
. وهنا يمضي قطار العمر سريعاً بالفتاة وقد رفضت عدداً من الخطاب لأسباب واهية أوهن من خيط العنكبوت، فتقل فُرَصُها مع تقدُّم العمر، ويبدأ شبابها يذبل وصباها يزول وهي في انتظار (جودو) الذي لن يظهر بعد أن كان يتقدم فيُرفض..
. هنا إما أن تحيط بها أشباح العنوسة، وتحيق بها الحسرات كلما رأت مَن هن َّ في عمرها لهن أزواج وأطفال وبيوت وحياة، وهي (كالبيت الوقف) لا زوجاً قبلت ، ولا بيتاً عمرت، ولا طفلاً أنجبت .. أو تقبل برجل يكبرها بسنوات كثيرة وربما كان عنده زوجة أخرى ، أو زوجتان فهي لم تدرك تعنتها في شروطها و مواصفاتها إلاّ بعد فوات الأوان..!
وهناك من تدخل نفق العنوسة بسبب تعنت أهلها، وطمع أبيها وأمها، فهم يشترطون مهراً كبيراً، ويريدون كذا وكذا، ويعرضون ابنتهم كما تعُرض البضاعة، فيهرب منهم الخُطّاب، ويتجنبهم الأجواد، ويجنون على أنفسهم، وعلى ابنتهم البريئة من حيث يعلمون أو لا يعلمون،
أما العاقل التي لم يرزقها الله بزوج صالح، ولم تتعنت في الشروط هي أو أهلها، فإن وضعها مفهوم ولها كل التقدير، وحياتها بدون زوج فاسد خير لها، ولسوف يرزقها الله من فضله، وهي غنية بعقلها وخلقها وعملها، يجب أن تعمل، ولا تهتم لنظرات النساء، فهي لم تتسبب في تأخر زواجها، ولا نؤيد المثل العربي (زوج من عود خيرٌ من قعود) فالزوج السيىء لا خير فيه، وقد يكون هنا في الانتظار خير: