ميسان والنجف وكربلاء وبابل والبصرة والناصرية، مدن عراقية اشتهرت بصناعة العباءة التي تعد من أقدم الصناعات النسيجية اليدوية. ما هي أشهر أنواع العباءات العراقية، وماذا نعرف عن تقنيات صناعتها، من هم
أشهر الغازلين والحائكين والخياطين
كلما خف وزنها غلا ثمنها. لهذا السبب وسواه تعد العباءة الرجالية الصيفية من اصعب الصناعات اليدوية لحاجتها الى مواصفات دقيقة ومهارة عالية يجب أن تتوافر بين أيدي صناعها الثلاثة: الغازل والحائك والخياط، فضلا عن نقاوة الصوف المستخدم فيها. وتطلق على العباءة الرجالية الصيفية العراقية تسميات عدة منها «الخاجية» او «الهدم» في الجنوب و«البشت» في الفرات الاوسط. وكما تختلف التسميات والانواع، فإن المناشئ المحلية تختلف هي الأخرى، وقد اشتهرت مدن بصناعتها كما اشتهر صناع دون سواهم بذلك في محافظات ميسان والنجف وكربلاء وبابل والبصرة والناصرية. وأفخر وأثمن انواعها، حسب الخياط حسن الخالدي من السوق الكبيرة في مدينة الحلة، العباءة المجراوية التي تصنع في قضاء المجر الكبير التابع لمحافظة ميسان لخفة وزنها ورقة خيطها ثم عدم تجعدها، حتى وان طويت وصارت في حجم الكف فضلا عن براعة ومهارة نسجها. «الاسبوعية» تجولت في محلات قضاء المجر المتخصصة بصناعة «الخاجية». عملية اختيار الصوف
أول من التقينا الحاج محمد الحاج سالم عبد النبي الشمري «صاحب محل لخياطة العباءة»، الذي ورث المهنة عن والده الذي ورثها بدوره عن ابيه. قال: تبدأ صناعة «الخاجية» باختيار اللون المرغوب، وأكثر الالوان المطلوبة الاسود، والاصفر والذهبي والاحمر والاعشم «الرصاصي» والابراهيمي وهو اسود مائل الى البنفسجي والكحلي القريب الى الأسود.
و هناك اشتراطات معروفة في اختيار نوعية الصوف، أهمها ان يقص الصوف لاول مرة من الحيوان وان لا يتجاوز العام الاول من العمر وذلك لنعومة صوفه وان يكون الحيوان معلوفا جيدا ليتمتع الصوف بالقوة اثناء الغزل، وغالبا ما يؤخذ الصوف من الجوانب وبالاخص عند الخاصرتين ومنطقة البطن ولا يقص من الظهر لخشونة صوفه. وتؤخذ في الاعتبار البيئة التي يعيش فيها الحيوان، والمفضل الصوف الآتي من المناطق الريفية لعدم تأثره بالملوثات البيئية التي تعج بها المدن. بعد قص الصوف يخضع لعملية الغسل بالماء ومن ثم يعرض لحرارة الشمس الى حين جفافه ليدخل العملية الاولى في صناعة «الخاجية» وهي عملية الغزل. تعتمد عملية الغزل، على عوامل عدة أهمها: مهارة الغازل وجودة الصوف ومواصفات اخرى يجب ان يمتلكها الغازل. بالاضافة الى المهارة يجب ان يكون الغازل حاد النظر ناعم اليدين بحيث يحرم عليه العمل في أي مهنة اخرى سوى الغزل، لأن الخيط في بداية غزله يتأثر بخشونة اليد، وعادة ما تتم عملية الغزل يدويا باستخدام المغزل اليدوي وتستغرق عملية الغزل لاتمام «خاجية» واحدة مدة شهر كامل وتقاس مهارة الغازل بوزن العباءة، فكلما قل وزنها ازداد سعرها. العباءة التي وزنها 150 غراما تكون اجرة الغازل فيها 500 الف دينار عراقي، وكلما ازداد الوزن 50 غراما قلت اجرته بمقدار 100 الف دينار عراقي وأكثر. وزن للعباءة المجراوية يبلغ 300 غرام وتكون اجرة الحائك فيها 200 ألف دينار، لكن الأفضل عند الزبائن هي «الخاجية» التي تزن 150 غراما.
العباءة الاشورية
تعد العباءة، سواء رجالية او نسائية، من أقدم الصناعات النسيجية اليدوية. ففي حين يؤكد باحثون في عالم الفولكلور والازياء أن تاريخها يعود الى عصور ما قبل الاسلام، فان آخرين منهم يذهبون إلى أبعد من هذا ويؤكدون ان وجودها كان قبل ذلك التاريخ مستندين إلى ما يقال من ان كلمة «العباءة» مشتقة من كلمة عباثو الاشورية وتعني الغطاء. وهناك فعلا اكثر من منحوت يرينا ارتداء العباءة على الطراز الاشوري الذي ألزم قانونه ارتداءها في المرافق العامة. وافضل الحياكة في صناعة العباءة، كما يحددها الحائك كريم لفتة وهو من اشهر حائكي العباءة، هي التي تتكون من سمك 160 حيث يكون الطول فيها او ما يسمى بـ «السده» 1200 خيط وكذلك العرض او ما يسمى بـ «اللحمة» ويكون «المشط» وهو نقطة الاتصال بينهما بالخيط الرفيع بسمك150، ويدخل الخيط المغزول في المشط وتجري اول عمليات الحياكة وهي عملية «التجعيد» باجراء تواصل بين خيوط الطول «السده» وخيوط العرض «اللحمة» لادامة تواصلها حتى نهاية الحياكة ومن ثم يدخل المشط بـ«الجومة» وهي آلة خشبية تتكون من نصفين يدخل المشط في سدتها ولحمتها بعملية «المونة» وهي اضافة مادتي الحليب والسكر لتقوية الخيط ومن ثم تأتي عملية «التفريد» وهي فرز الخيوط عن بعضها لتبدأ عملية الحياكة لحين جاهزية «الخاجية» لمرحلة الذهاب الى الخياط وبعد إكمال الحياكة يقوم الحائك بغسلها من مادتي «المونة».
ثم تبدأ «الكزارة» وهي عملية طي العباءة ولفها على مرود خشبي الى حين وصولها الى مرحلة الجفاف الكامل وهذه الطريقة هي التي جعلت من العباءة المجراوية تتميز على قريناتها في المحافظات الاخرى، في كونها لا تحتاج الى خدمة المكوى، وكما يقولون «غسل ولبس». وتبلغ اجرة الحائك عن حياكة العباءة الواحدة 150 ألف دينار ومدة الحياكة تعتمد على مهارته وتستغرق ما بين 3-5 ايام علما أن فصل الصيف هو موسم الحياكة. أما في الشتاء فيعزف معظم الحائكين عن مزاولة مهنتهم لتأثر خيوط الصوف الحساسة بالرطوبة. المرحلة الاخيرة من صناعة العباءة هي مرحلة الخياطة ويقوم الخياط بتسلمها وخياطتها حسب مقاسات ورغبة الزبون. يقول الخياط المجراوي يحيى الحاج هاني: ان اغلب زبائن «الخاجية» والتي تسمى بـ«ام الهيلتين» مازالوا يدمنون على اقتنائها. و«الهيلتين» هي دوائر صغيرة في حجم 2 سنتمتر تطرز في اعلى صدر العباءة وتحاط بخيوط الابريسم المستوردة من فرنسا والصين واستراليا. وعادة ما يكون لون الخيط أبيض ثم يتم صبغه حسب لون الصوف المستخدم بحياكة «الخاجية».
وبعد التطور في خياطتها اصبحت لدينا العباءة ام «ثلاث هيلات» وتكون اوسع من ام «هيلتين»، وكذلك نوعية ام الاربع «هيلات» وتكون اكثر اتساعا وجمالا ويرتديها اغلب شيوخ العشائر العراقية والعربية. وهناك نوعية اخرى هي «الجاسبي» او «الكلبدون» ويستخدم في صناعتها الخيط الفرنسي المستورد من مدينة ليون، وهو يصنف الى ثلاث فئات: اولها الخيط الفرنسي من الدرجة الاولى الذي يبلغ سعر الكيلو منه مليونا ونصف المليون دينار، وهو يكفي لاتمام 6-7 عباءات، أما اجرة الخياط فتبلغ 250 الف دينار للعباءة من الدرجة الاولى ويستغرق فيها 3- 5 ايام ولايستخدم في عمله سوى الابرة والخيط.