حافظت مدينة براغ، عاصمة الجمهورية التشيكية، على تاريخها وآثارها ومبانيها القديمة بشكل قل نظيره. فالزائر إليها يشعر وكأنه في حضرة متحف في الهواء الطلق أو جزء من لوحة فنية. مدن قليلة حول العالم تحتوي على هذا الكم الهائل من التاريخ والفنون في كل حي وبناء تتناغم مع الطراز الحديث للمدينة التي تقع وسط أوروبا. وفي العام 1992 تم تسجيل قلب المدينة الأثري ومساحته 866 هكتاراً في سجل الآثار الثقافية والطبيعية العالمية لمنظمة «اليونسكو».
وتقدم براغ انطباعات لا تنسى بمجرد التنزه في شوارعها المرممة من طراز البناء المبهرج وطراز الروكوكو والفن الجديد. وفي المناطق المحيطة بالآثار المهمة، يمنع دخول السيارات. ولذلك، يمكن المشي فيها والتمتع بالتاريخ والحاضر وهما يلتقيان سويةً، بينما تعتبر الميزة الأكبر قرب الأماكن السياحية والتاريخية من بعضها البعض إلى درجة أنه يمكن زيارتها جميعاً سيراً على الأقدام، خاصةً أن جو براغ في الصيف معتدل ولطيف إلى حد بعيد.
ولا تقدم براغ جمال التراث التاريخي فحسب بل كذلك حياة ليلية متنوعة بمطاعمها ومقاهيها المنتشرة على الأرصفة في الساحات والأزقة الضيقة. أينما تطلعت، ستجد القلاع والكنائس القوطية والأبراج والحصون والحدائق الغناء والجسور وحتى مراكز التسوق الحديثة الضخمة.
جسر تشارلز
ومن أشهر تلك الجسور «جسر تشارلز» على نهر فلتافا المبني من الحجر البوهيمي على الطراز القوطي بطول 515 متراً وعرض حوالي عشرة أمتار. وبدأ بناؤه بأمر من الملك تشارلز الرابع في 1357 وانتهى في 1402. ويصل الجسر البلدة القديمة بقلعة براغ وينتشر فيه العازفون والفنانون البوهيميون وباعة التذكارات ويعج بالسياح من كل حدب وصوب، وفيه بقعة يعمد هؤلاء إلى لمسها كتعويذة ولها قصة ذات مغزى.
فقد تم إلقاء النائب الاسقفي يان نابومتسكي من الجسر في 1393 لأنه رفض الافصاح عن اعترافات ملكة بوهيميا له وما قيل عن خيانتها للملك، فكان عقابه الموت. وفي أواسط القرن 18 تم اعلانه قديساً وطنياً.
وفي تلك البقعة، تم تثبيت صليب صغير من النحاس ذات خمسة نجوم. وبحسب المعتقدات، يمكن لكل من يضع يده على المكان بحيث يلمس كل صابع أحد نجومه الخمسة أن تتحقق له كل أحلامه. كما يلمس الزوار النقوش البارزة على تمثال القديس يان نابومتسكي لاكتساب الحظ السعيد.
ساعة براغ
وفي المدينة القديمة، لا يمكن للسائح أن يمر فيها من دون أن يتوقف أمام الساعة الروزنامية القديمة، حيث ترجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي وتقع في البرج القوطي لدار البلدية. وفي الساعة، أربعة مؤشرات للوقت.. الأول لقياس الوقت في وسط اوروبا والثاني لقياس الوقت التشيكي قديماً..
حيث تحسب بداية اليوم من لحظة غروب الشمس. أما الثالث، فيستخدم لقياس الوقت البابلي الذي يحسب فيه اليوم من شروق الشمس الى غروبها. أما المؤشر الرابع، فهو للقياس الفلكي للنجوم.
ويأتيها السواح ليشاهدوا دقات الساعة التي تحتوي على اسطرلاب وصفائح للشمس والقمر وحجرة تخرج منها تماثيل تعبر عن تاريخ ومعتقدات تلك الفترة، بالإضافة إلى رموز فلكية غامضة لم يستطع الفلكيون حتى اليوم تحليلها. وفي رأس كل ساعة، بإمكان المرء أن يتمتع بدقاتها وعرض التماثيل التي تخرج منها وهتافات السواح المترافقة معها.
ميدان فاتسلافسكي
بعد ذلك، باستطاعة الزائر أن يتوجه إلى المدينة الجديدة وتحديداً ميدان فاتسلافسكي القريب من ميدان البلدة القديمة. ويحتوي على العديد من المطاعم والمتاجر والمقاهي. وبالقرب من الساحة، متحف مخصص للحقبة الشيوعية وفضح مساوئها. وما يزيد من بهاء الميدان هو تمثال القديس فاتسلاف الذي شيد العام 1913 ويصوره وهو يمتطي فرساً.
قلعة براغ
أما قلعة براغ، فهي من أكبر قلاع العالم ومقر الحكام في التشيك على مر العصور من زمن حكام المنطقة الرومان وملوك بوهيميا وحكام العهد الشيوعي حتى حكام فترة ما بعد الشيوعية. وتقع في الجزء الشرقي من براغ وتحديدا في حي القلعة التاريخي. وتعتبر من أشهر الوجهات المقصودة من قبل السياح، حيث تقع في أعلى تلة تطل على منظر خلاب للنهر والمدينة.
وشيدت القلعة بطول سبعة ملاعب كرة قدم وتمتد من الشرق إلى الغرب لتشمل ثلاث ساحات. وتحتوي على كنيسة القديس فيتوس بلونها الأسود المهيب والتي بدأ بناؤها العام 1344.
وإن مشيت إلى البوابة الشرقية لقلعة براغ، ستلاحظ قصر لوبكوفيتس، نسبة إلى العائلة التي تحمل نفس الاسم وهي واحدة من أكبر العائلات النبيلة البوهيمية. ولا يزال الوريث إلى يومنا هذا يدير القصر وعقارات العائلة المنتشرة في التشيك. ويعرض القصر تحفاً ولوحاتٍ قيمة تعود إلى العائلة، فيما تعتبر قاعة المآدب أروع غرفه بتاريخٍ يمتد إلى نحو أربعة قرون