" كنت قاعدة أنا و أختي و بنت عمي على الصاج بنخبز طابون، أجت قذيفة على حظيرة الغنم و ماتو نصهم واحنا أجت فينا شظايا " ، خفتي يا شذى..؟؟
" لا ما خفت، احنا ما بنخاف "، في حد استشهد..؟؟
" لا بنت عمي فاطمة اجت الشظية برجلها و هيها بالغرفة الي جنبي بس ما شفتها لهسا و اختي الحمدلله هيها بالبيت "
هكذا بدأت شذى قصتها المؤسفة، عبارات ملأتها الحشرجات الباكية، حلم طفلة أصبح حبيس كرسيها المتحرك، خيالات شذيّة تحمل في طياتها عبق التفاؤل في المستقبل المتعرج، سياسات إسرائيلية قذرة، أطاحت بقلب صغيرة تعشق الحياة .
كانت ضحية استهداف لطائرات إسرائيلية، ليقصف صاروخها كائنات غير بشرية، ما ذنب حظيرة الغنم ان تُقصف!، هل وضعت على خصرها حزام ناسف، أم أن حليبها منتج فلسطيني سينافس الإقتصاد الإسرائيلي ..!
شذى بسام العرجة ابنه ال9 اعوام من مدينة رفح، اخترقت الشظايا جسدها الصغير، و باتت غير قادرة على المشي، هذا اليوم ال43 لها في مستشفى النجاح الوطني الجامعي، و بقي اسبوعان لها على المغادرة، عيناها تحدثت عن الكثير من الإشتياق لألعابها و أصدقائها في غزة، ولكن تردد أصاب حروفها و خوف كسى جسدها وهي تخبرني أنها لا تريد العودة إلى العدوان والإشتباكات و الغارات، تريد أماناً افتقدته منذ فترة طويلة، تريد البقاء في نابلس، مدينة الأمان والحب و الهدوء.
عمتها المرافقة لها في الغرفة كشفت عن سر صغير مؤلم تم اخفاؤه عن شذى نتيجة الحالة النفسية الصعبة التي تعانيها خلال الفترة الحالية ، " إن فاطمة التي تحدثت عنها شذى والتي كانت تجلس معها تخبز الطابون قد استشهدت، ونحن نخفي عنها هذا السر لأنها كانت مقربة لها جدا، فاطمة انيسة ابنة أخي في مدرستها، فارقت الحياة في شظية اخترقت بطنها و خرجت من ظهرها، لم نستطع علاجها لأنها ماتت في نفس اللحظة عن عمر يناهز ال16 عاما ".
لمين بتحبي تسمعي يا شذى..؟؟
" بحب اسمع لأحمد " شو بغنيلك أحمد..؟؟
" بغنيلي لطيور الجنة "، ابتسامة صغيرة شقت ثغرها و توردت وجنتيها وهي تتحدث عن رفيقها أحمد، رفيق قلبها البريء و طفولتها و سعادتها في الجدران الأربعة التي تعيشها، هو الممرض الخاص بها، الذي يلاعبها كل يوم، و يمشي بها في ساحات المستشفى، قصة وصفتها شذى بالحب، حب من نوع آخر، تكلل بالإنسانية الصادقة.
أنهت الطفلة كلماتها الأخيرة في عبارات نخرت قلبي قبل أذني، حروف امتلأت بالحلم و التفاؤل و التجديد لما اكبر رح أصير دكتورة و رح أعالج غزة كلها، رح أقدر امشي و ألعب بيت بيوت مع بنت عمي فاطمة ".
و عقب الأخصائي في جراحة الاطفال و المدير الطبي لمستشفى جامعة النجاح الدكتور كامل عابد على حالة شذى العرجة بحكم إشرافه على علاجها " وصلت بحالة سيئة جدا لدرجة أن الدود كان يخرج من جرحها، استقبلناها في المستشفى وكانت الإصابة مباشرة في منطقة الشرج، حيث أن جزء كبير من الجلد كان مفقود، بالإضافة لكسر في منطقة الفخذ من الجهة اليسرى" و أضاف أنه تم فتح مكان للإخراج حتى يبعد الإخراج عن الجرح، و القيام بأكثر من جلسة غيارات تحت البنج العام، و رقعة جلدية على أكثر من مرحلة "، و وصف حالتها بالمستقرة مع إنهاء المرحلة الآنية من العلاج، لكنها ستحتاج في المستقبل لعمليات كبرى لترميم الجروح و الكسور و الأنسجة في جسدها.
و صرّح الدكتور عابد بأن العصب الموجود في قدم شذى كان معطوبا ومتهتك مما يجعلها غير قادرة على المشي، حيث جميع التقارير توحي بتضرر العصب بشكل كبير جدا، ولا يمكن معرفة إن كانت ستعود للمشي مرة اخرى إلا بعد ستة شهور من الان.
شذى العرجة، قصة صغيرة من كتاب الابطال، تروي إنتهاكا لطفولتها، و قتلا لأنوثتها، و تخييط لإبتسامتها، خبزها الطابون أصبح مغموس