انتشار الإسلام من خلال النقوش الكتابية
كتاب ينير زاوية ظلت مهملة من تاريخنا
الشارقة: د. نور الهدى لوشن*
ان الكتابة رمز اللغة، كما ان اللغة رمز الفكر، ان التاريخ والانسان بكل خصائصه ومقوماته، بل الحضارة برمتها تكمن في اللغة، واللغة عمادها الحرف، فلا عجب اذن من ان ترتبط بداية التاريخ بظهور الكتابة، هي الحقيقة، انطلاقا من هذا الادراك، أصدر الدكتور محمد يوسف صديق، عضو هيئة تدريس بقسم التاريخ والحضارة الاسلامية بجامعة الشارقة، رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الاسلامية سابقا بجامعة زايد بدبي كتابه «رحلة مع النقوش الكتابية الاسلامية في بلاد البنغال ـ دراسة تاريخية حضارية»، عن دار الفكر بدمشق. وهو يقوم على دراسة النقوش التي تشير في مجملها الى التفاعل الحضاري خلال فترة مهمة من اقليم البنغال; انه يعالج انتشار الاسلام في هذا الاقليم من خلال النقوش الكتابية الاسلامية في عمائرها بوصفها مصدرا رئيسيا له، وذلك خلال الفترة الواقعة بين سنتي 1205 ـ 1707 .
واذا كانت دراسة النقوش تمثل حلقة من حلقات دراسة التاريخ، فان اهميتها تكمن في فهم الفترات التاريخية المختلفة للشعوب. انه يساعد على فهم التاريخ المعقد والمتداخل لدخول الاسلام الى تلك المنطقة، والتي ما زالت محافظة على هويتها الاسلامية. وبيّن اهمية النقوش الاسلامية العربية في شبه القارة الهندية بصفة عامة، وفي بلاد البنغال على وجه الخصوص; فهي تمكن لدراسة الحضارة والفنون الاسلامية في تلك البلاد.
ولا شك ان الخوض في مثل هذا المضمار ليس بالامر الهين، فالنقوش تأثرت بالظروف المناخية والجغرافية، وبعضها ازيل من مكانه، بالاضافة الى صعوبة الوصول الى بعض اماكنها. والباحث لم يكتف بالوقوف عليها، وانما يحقق، ويجد التفسيرات التاريخية، وفوق ذلك كله يضع المعلومات المستخلصة في سياقها التاريخي الصحيح وصولا الى فهم صحيح وموثق لكيفية انتشار الاسلام في المنطقة، ووصف ووضح المادة المستخدمة في هذه النقوش وناقش قيمتها التاريخية بتمعن.
يقع الكتاب في اربعمائة واثنين وتسعين صفحة، تضم قسمين يتكون القسم الاول من اربعة فصول ويضم الثاني ستة فصول. يتقدم القسمين تمهيد للموضوع بيّن فيه الكاتب تميز الحضارة الاسلامية عن الحضارات الاخرى وقيمة التراث الإسلامي. ثم تلاها بمقدمة شرح فيها اهمية دراسة النقوش.
جاء الفصل الاول من القسم الاول ليعرف بالبنغال والصلات المبكرة بين العرب والبنغال وتاريخ حكم المسلمين فيها قبل الحكم المغولي وبعده.
بينما وقف الفصل الثاني على المظاهر المختلفة للحضارة الاسلامية في البنغال; من تاريخ الفن الاسلامي، والنهضة المعمارية، مع ذكر اهم العواصم والمراكز الحضارية الاثرية في البنغال، والتي كان من اهمها مدينة غور، وبندورة، ودهاكا.
اما الفصل الثالث فقد خصه المؤلف للحديث عن نشأة الخط العربي وأثره الحضاري في الكتابات في شبه القارة الهندية وتطوراتها الفنية، والكتابة الطغرائية البنغالية واستخدامها المتنوع عبر الازمنة المختلفة، كما ناقش فيه الانواع المختلفة للخطوط العربية التي استخدمت في البنغال. ووقف الفصل الرابع على النقوش الكتابية الاسلامية ومدلولاتها الحضارية، وقد تميز هذا الفصل بوضع فهرس للاحاديث النبوية التي وردت في تلك النقوش.
اما القسم الثاني، فهو القسم الرئيسي من الكتابات حيث اشتمل على ثبت النقوش الاسلامية في البنغال موزعة على ستة فصول، وقد تميز بتقديم ثبت بالنقوش الاسلامية في البنغال في العصر السلطاني، وفي الفترة الانتقالية، وفي العصر المغولي، والفترات المتأخرة، كما تناول النقوش المتنوعة الاخرى من المناطق المختلفة في جنوب اسيا، مع ملاحق مهمة ومفيدة.
وقد خصص الكاتب الملحق رقم (1) لبعض النقوش الجديدة.
وكانت الملاحق تحمل صور النقوش بأرقامها وأماكنها، بالاضافة الى تحقيق نصوصها; مما ييسر على القارئ قراءتها ومعرفة ما جاء فيها. هذا بالاضافة الى الخرائط التوضيحية للبنغال عبر العصور، وخرائط اخرى للمساجد والمدارس، ومراكز الحركات الصوفية. بعد هذه الرحلة العلمية الشيقة المفيدة مع النقوش الاسلامية في بلاد البنغال، يمكننا القول: ان هذا الكتاب لبنة من لبنات المعرفة التي تضاف الى مكتبتنا العربية، وأرجو ان يجد فيه الدارس ضالته، وان يلقى التقدير والاهتمام من ذوي الاختصاص في الحقلين التاريخي واللغوي، بالاضافة الى عده رافدا من روافد الثقافة الاسلامية بتاريخها وفنها وعمرانها. |