0001- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تَعَارَّ من الليلِ فقال : لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ ، وهوَ على كلِّ شيٍء قديرٌ ، الحمدُ للهِ ، وسبحانَ اللهِ ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ ، واللهُ أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ، ثم قال : اللهمَّ اغفرْ لي ، أو دعا ، استُجِيبَ لهُ ، فإن توضَّأَ وصلَّى قُبِلَتْ صلاتُهُ))، صحيح البخاري.
على هامش الحديث:
1- في معنى تعار قال ابن حجر في شرحه في بيان معنى التعار: تعار بمهملة وراء مشددة قال في المحكم: تعار الظليم معارة صاح، والتعار أيضا السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلا مع كلام، وقال ثعلب: اختلف في تعار فقيل انتبه، وقيل تكلم، وقيل علم، وقيل تمطى وأنَّ، انتهى، وقال الأكثر: التعار اليقظة مع صوت، وقال ابن التين: ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ، لأنه قال من تعار فقال فعطف القول على التعار انتهى. ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ، لأنه قد يصوت بغير ذكر، فخص الفضل المذكور بمن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى، وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه، وإنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر، واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته. اهـ.
2- قد يقول قائل ما مناسبة افتتاح هذا الحديث في مفتتح عمل اليوم والليلة، وكان من الأحسن أن نبدأ بالأحاديث الجامعة التي تضع القواعد وتؤصل لأعمال اليوم والليلة، ونذكر فضل الذكر وقواعده التي قام عليها، نقول وبالله التوفيق: هذا الكلام صحيح وقد أجلنا هذه الأحاديث بعد هذا الحديث العظيم، ولكننا تبركنا بهذا الحديث لما يتضمنه من التوحيد الخالص فإن افتتاح عمل اليوم بكلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) أو بلفظ الجلالة (الله) أو (اللهم) أو نحو ذلك مما يدل على التوحيد الخالص ينبغي أن يكون ركيزة يرتكز عليها القلب واللسان وكل طرفة عين، فكلمة التوحيد ولفظ الجلالة بما يتضمنه من معان ينبغي أن نتعلم ما تتضمنه من علم ونعمل بذلك ونستقيم على هذا التوحيد الخالص ونعيش عليه، وهذا الحديث يعد من ضمن القواعد العامة لكل ما يأتي بعده من الأحاديث اللاحقة الخاصة بعمل اليوم والليلة، وكل علم أو عمل لا يكون نافعا أو صالحا إلا بعد أن يستمد النفع والصلاح من علاقته فهذه الكلمة التي تزن الدنيا والآخرة.
3- فإن قال قائل إن اليوم يبدأ من طلوع الفجر وكان ينبغي أن يكون أو عمل اليوم هو ركعتي الفجر لما لها من فضل عظيم، نقول إن اليوم عند الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم يبدأ من طلوع الفجر، أما أول عمل يعمله المؤمن، يبدأ من أول انتباه له ويكون بعد النوم سواء انتبه قبل الفجر أو معه أو بعده، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم الذي لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى، قال في الحديث: ((...فقال: لا إله إلا الله))، فالفاء في كلمة ((فقال)) تفيد التعقيب، فقول: ((لا إله إلا الله))، يأتي عقب الانتباه مباشرة، بخلاف الاستغفار أو الدعاء فلو تأخر فلا بأس، لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الحديث: ((ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا))، فثم لا تفيد التعقيب، بل لو جاء الاستغفار أو الدعاء بعد ذلك بقليل أو كثير فلا بأس، بخلاف نطق كلمة التوحيد فينبغي أن تكون أول عمل يعمله المؤمن بعد الانتباه من النوم، ليبارك الله باقي اليوم، ببركة هذه الكلمة العظيمة.
4- من فوائد الالتزام وكثرة نطق كلمة التوحيد بعد الانتباه مباشرة، أن المؤمن الذي يعتاد على ذلك فإنه تتحول معه هذه العبادة الطاهرة إلى عادة وجبلة وحب لها، فتجده عندما يتقلب في الليل فإنه ينطق بها بإرادة أو لا إرادة، وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، كلمة خفيفة المخارج سهلة النطق، فالذي يعتادها فإن جل كلامه وهو نائم تكون لا إله إلا الله، فيرجى له أن يثبت بفضل هذه الكلمة المباركة وبفضل مداومة نطقها وتعلمها وتدبرها وصارت حديث نفسه في اليقظة والنوم، فيرجى أن يثبت في القبر بعد الانتباه والاستعداد لسؤال ناكر ونكير.
5- فإن قال قائل إن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم كان أول ما يقوله بعد الانتباه من النوم ما صح عند البخاري وغيره قوله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، قلنا، وبالله التوفيق إن الجمع بينهما ميسر والأمر فيه سعة، لكن هذا حديث قولي مقدم على الحديث الفعلي والصحابي رضي الله عنه حكمى ما سمع أما القولي ففيه الفاء التي سبق وقررنا أنها تفيد التعقيب فالأولى أن تكون لا إله إلا الله عقب الانتباه مباشرة وأسبق من الحمد، ثم إذا شاء أن يقوم من فراشه، فعند ذلك يكون الأولى هو الحمد، أما إن أخذه النعاس مرة أخرى أو أحب أن يكمل نومه فيكفيه قوله في الحديث الذي معنا له (الملك وله الحمد) ثم قال: (والحمد لله)، فجمع بين الحمد والتهليل وإن كان التهليل في أول الانتباه أولى، والله تعالى أعلى وأعلم.
6- في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَحَبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ : ( سبحان اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إله إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ ) ، لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ . وهنَّ من القرآنِ
والملاحظ أن كل هذه الكلمات تحتوى على لفظة التوحيد الخالص (الله) ومعناها الإله الحق، فإذا أردت أن تذكر الله مطلقا فلا يضرك بأيهن بدأت، لكن إذا جاءك الحديث من فم رسول الله فالأولى التقيد بألفاظ الحديث فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوتي جوامع الكلم، وعلى هذا يمكن المفاضلة بين هذه الأربع في مقامات، فمن تدبر السنة فإنه يعلم أن مقام التهليل يكون أولى في مواقف، ومقام الحمد يكون أولى في مواقف أخرى، وهكذا، وقد دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن وعى حديثه وأداه كما سمعه،
جعلني الله وإياكم ممن يحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويحب كلامه، ويحب التقيد بألفاظه، ويتابعه في كل أمر جاء به (وبإذن الله سيأتي) من عند الله تبارك وتعالى،،،
اللهم بارك لنا في القليل (وبإذن الله سيأتي) وربِّه لنا كما تُربِّي التمرة المقبولة لتكون كأحد أجرا،،،