فلو أبصرت عيناك وجه محمد ورأيت ما يجري بدار الأرقم يخرج النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة فينام تحت شجرة فما يوقظه إلا صياح كافر قد رفع عليه السيف وهو يقول : من يمنعك مني فيقول صلى الله عليه وسلم; : يمنعني منك الله فيسقط السيف من يد الكافر بل ويخر الكافر صريعاً ويمنعه الله من الموت ويذهب يوماً إلى يهود خيبر فيجلس تحت جدار فيعزمون على قتله فيصعد أحدهم فوق الجدار يحمل رحى عظيمة فلما كاد أن يلقيها يأمر الله نبيه فيقوم من مكانه وتسقط الرحى على الأرض ويمنعه الله من الموت ومع ذلك تضع له اليهودية سماً في شاة فلا يُنبَّئ بخبر السم حتى نهش منها نهشة فيصيبه سمها فلم يزل يعاوده أثر السم حتى مات بسببه وهذا حال أنبياء الله ورسله منهم من يعجل له النصر ومنهم من يتأخر عنه إبراهيم عليه السلام يلقى في النار فيقول الله لها كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ويلبث فيها أياماً حتى خمدت وخرج يمشي ليس به بأس ويمنعه الله من الموت ونوح عليه السلام يكيد له قومه فينادي ربه أني مغلوب فانتصر فإذا بهذه الكلمات الثلاث تهز أبواب السماء فتتدفق بماء منهمر وتهز طبقات الأرض فتتفجر عيوناً ويهلك المكذبون ويمنع الله نبيه عليه السلام ولوط عليه السلام ينادي فينجيه الله من القرية التي كانت تعمل الخبائث وينجي الله نبيه عليه السلام وانظر إن شئت إلى شعيب وإن شئت فانظر إلى هود وطالع حال صالح وموسى عليهم السلام عجائبُ في نصر الله لهم ومع ذلك يُقتل زكريا عليه السلام ويذبح يحي ويؤذى عيسى حتى رُفِع وله سبحانه الحكمة البالغة في تقدير النصر والهزيمة والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن ولا يضيع الله أجر المحسنين سواء ظهر نصرهم في الدنيا أو لم يظهر فإنما عليك إلا البلاغ والله بصير بالعباد لكن اليقين عندنا الذي لا يخالطه شك أن الله كما نصر محمداً وكشف الكفر عن البيت العتيق فسوف ينصر أتباعه إلى يوم الدين إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد فلو أبصرت عيناك وجه محمد ورأيت ما يجري بدار الأرقم ورأيت مكة وهي تغسل وجهها بالنور من آثار ليل مظلم وفتحت نافذة لتسمع ما تلا جبريل من آي الكتاب المحكم ورأيت ميزان العدالة قائماً يُقتص فيه ضحىً من ابن الأيهم ورأيت كيف غدا بلال سيداً ومضى الطغاة إلى شفير جهنم لغسلت سيف الحر من صدأ الثرى وعزفت في الميدان ركض الأدهم وبذلت هذي النفس حتى ينجلي عن قبح وجه الخائن المتلثم وأرحتنا من كل صاحب زلة يوحي إليك بقصة ابني ضمضم كم فارس من قومنا لما رأى لهب الرصاص أدار مقلة غيلم ترك الضحايا خلفه وسعى إلى قبو ليغمض مقلتيه ويحتمي ولكن لا يزال للدين فوارس يغشون الوغى ويعفون عند المغنم يصاب سعد بن معاذ في الخندق فيموت فينزل سبعون ألف ملك من السماء يتقدمهم جبريل إلى خاتم الأنبياء فيسرع جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيقول : يا محمد من هذا من أصحابك الذي مات فاهتز لموته عرش الرحمن وفتحت له أبواب السماء فيقوم النبي عليه الصلاة والسلام مسرعاً ينظر من الذي مات يتفقد أصحابه أين أبو بكر عمر عثمان علي طلحة فلما خرج فإذا سعد بن معاذ قد مات رجل قد خدم الدين وجاهد لرب العالمين فلما مات ما فقدته زوجة وولد ودابة وإنما اهتز لموته عرش الرحمن وفقده مسجده ومحرابه وسيفه وحرابه بل بكت لموته الأرض والسماء وعم الناسَ البكاء لأنه ما عاش لنفسه ولا لبيته وفلسه وإنما عاش لينصر هذا الدين أنفق لأجله ماله وفارق داره عياله حتى مات فاستبشر أهل السماء بقدومه نعم سعد يموت فيهتز لموته عرش الرحمن وحنظلة يموت فتغسله ملائكة المنان وعاصم بن ثابت يموت فيرسل الله إليه جنداً تحمي جسده أما عبد الله أبو جابر فيموت في معركة أحد ويترك سبع بنيات أيتام فيقبل إليه ولده جابر وقد غطوه بثوب فجعل يكشف عن وجهه ويبكي فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فقال
تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه ثم قال صلى الله عليه وسلم يا جابر ألا أخبرك إن الله كلم أباك كفاحاً فقال : يا عبدي سلني أعطك قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً فقال :
إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال : يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ويقرأ الصالحون من بعده هذه الآيات فيشتاقون للقاء إخوانهم في الجنات فيخوضون الطريق إليها غير مبالين بقلة العددوضعف العدة وندرة المناصر أنس بن النضر في معركة أحد لما قتِّل المسلمون وظهر الكافرون وأشيع أن النبي عليه الصلاة والسلام قتل واضطرب الناس مرّ أنس بن النضر بعمر وطلحة ونفر من الصحابة قد تجنبوا ساحة القتال وألقوا بسلاحهم فقال : ما يجلسكم قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصاح بهم وقال : فما تضنون بالحياة بعد ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفع بصره إلى السماء وقال : اللهم إني أعتذر إليك مما فعل هؤلاء وأبرأ إليك مما يفعل أولئك ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل فوجدوه بين القتلى في جسده أكثرُ من سبعين ضربة قد مزق جسده واغبرّ وجهه وسالت دماؤه وما عرفته إلا أخته بعلامة في طرف أصبعه .
|
|
|
|