الآفة الاجتماعية الكبرى:
انشغال المرء
بعمل غيره
أسباب تلك الآفة:
من الممكن أن تُجْمل الأسباب الدَّافعة إلى وجود تلك الآفة وانتِشارها بملء السَّمع والبصَر إلى:
1- حبّ الظّهور مع ما في جبلَّة الإنسان من الظّلم والجهل، والبغي الَّذي لم يذهب درنه بنور الشَّريعة وصفاء الرِّسالة والوحْي.
2- تطلُّع المرْء لِما في أيدي النَّاس من النِّعَم والمنح الحسّيَّة والمعنويَّة، ممَّا يُخالف قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ إلى قوله - سبحانه -: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32].
3- غياب حرَس الحدود القائمين على حماية الحِرَف والصّناعات، فضلاً عن الأمور الشَّرعيَّة.
4- غياب الرّقابة العامَّة على الأعمال والوظائف المدنيَّة والدينيَّة.
5-
انتِشار الفساد، الَّذي منه الرّشوة الَّتي قد تُدفع لاستِصْدار تصْريح مزاولة نشاط لِمَن ليس بأهل، وهذا بارز في صورَتَي البناء ونحوه، والدَّعوة والخطابة والإفتاء؛ فإنَّ المسؤولين عن الأحْياء ممَّن ضربهم الفساد يُصْدِرون التَّصاريح بالرّشوة غاضّين الطَّرف القلبي والبصري والعقْلي عن آثار ذلك من الكوارِث، كما يقوم المسؤول عند إصْدار تصاريح الخطابة والدَّعوة لِمَن ليس بأهل بتنْحية من هو أهلٌ عن عمد وقصد.
كيفية علاج هذه الظاهرة أو الحد منها:
وأمَّا علاج هذه الظاهرة بصورة تامَّة، فهو - من وجهة نظري - أمر مستحيل؛ لأنَّ الآفات من المتأصّلات في الجبلَّة البشريَّة وطبيعة الإنسان، ولأنَّه من المقرَّر بقاء الشَّرّ والخير في سُنَّة التَّدافُع إلى أن يشاء الله تعالى، فمَن ظنَّ مَحو الشَّرّ بصورِه عن وجه الأرض، فهو مخطئ، ولكن مِن الممْكِن تَحجيم ذلك ومنعه من البروز والانتِشار في المجتمع المسلم بالكثير من الإجراءات الَّتي يقوم بها العقلاء من المسلمين والمسؤولين والدعاة، بعد المشاورات والمداولات.
وممَّا ينصح به في ذلك الأمر لعلَّه يساعد في الحدّ منه، ما يلي:
1- العمل على نشْر الوعْي بمفهومه العامّ، لا مجرَّد الوعْي الدّيني والاقتِصار عليه؛ بل الوعْي بالصَّحيح المستقيم من الأمور، وبيان أسُسها الَّتي لا يمكن تخطّيها عند الإقدام على مباشرة أمرٍ ما.
2-
الاهتِمام بأمر الرّقابة، وانتِقاء الشُّرفاء، أو مَن يَجبن عن الوقوع في المخالفة بدلاً من غيرهم، وبهذا نأْمن المخالفة لشروط إتْمام أمرٍ ما.
3- تفْعيل العقوبات وتطبيقها على المستويَين المدني والديني، مع المجاهرة بالتَّطبيق، لعلَّه على إثر ذلك ترتدِع النفوس الشريرة أو تُقيّد فلا تستطيع الإفْساد.
4- بيان حُرْمة خوض المرْء فيما لا يعلمُه ممَّا يضرّ بدنياه وآخرتِه، وممَّا يتعدَّى ضررُه ويقصر، وبيان ضرَر ذلك ومفسدته عقْلاً أيضًا.
5- بيان المفاسد الفرْديَّة والاجتماعية الَّتي تترتَّب على هذه الآفة.
6- محاولة شغْل هؤلاء بِما يفجّر طاقتهم، ويحقّق لهم الانتِفاع المُرضي بما عندهم من طاقات ومواهب قد يغفلون عنها، بالإضافة إلى انتِفاع المجتمع أجْمع بما عندهم من قدرات ومنافع.
وبهذا العرْض المختصَر أرجو أن أكون قد بيَّنت تلك الآفة المنتشرة التي تضرّ بِمجتمعِنا، وساعدت في توْصيفها والتمثيل لها، وبيان بعض أسبابِها، والإشارة إلى بعض طرق علاجها.
والحمد لله في الأولى والآخرة، والصَّلاة والسَّلام على محمَّد وآله وصحْبه، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين