أحاط الإسلام المرأة بسياج من الرعاية والعناية، وارتفع بها وقدَّرها، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة ابنةً وزوجةً وأختًا وأمًّا
فقرَّر الإسلام أوَّلاً أنَّ المرأة والرجل خُلِقَا من أصل واحد؛ ولهذا فالنساء والرجال في الإنسانيَّة سَوَاء، قال تعالى:
{ يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً..} [النساء:1] وهناك آيات أخرى كثيرة تُبَيِّن قضاء الإسلام على مبدأ التَّفْرِقَة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانيَّة المشترَكة. - دفاع رسول الله عن المرأة :
وانطلاقًا من هذه المبادئ، وإنكارًا لعادات الجاهليَّة والأمم السابقة فيما يخصُّ وضع المرأة، قام رسول الله يدافع عن المرأة
ويُنزلها المكانة التي لم تبلغها في حضارة ماضية، ولم تُدْرِكْها في أُمَّة تالية؛ حيث سنَّ للمرأة -كأمٍّ وأخت وزوجة وابنة-
من الحقوق منذ أربعةَ عَشَرَ قرنًا ما تزال المرأة الغربيَّة تُصارِع الآن للحصول عليه، ولكن هيهات!
ففي جملة بلاغيَّة رائعة أصَّل رسول الله لقاعدة مهمَّة؛ وهي أن النساء يُماثِلن الرجال في القَدْر والمكانة، ولا ينتقص منهن أبدًا
كونُهنَّ نساء، فقال: «إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، أي: نظراؤهم وأمثالهم، وقد ثبت عن رسول الله أنه كان دائم الوصيَّة بالنساء وكان يقول لأصحابه: «...اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»، وتكرَّرت منه هذه النصيحة في حجَّة الوداع وهو يخاطب الآلاف من أُمَّته. - حقوق المرأة في الإسلام :
وإذا ما أردنا أن نتبيَّن ما أرساه رسول الله من حقوق ودعائم رِفْعَة للمرأة وتكريمًا لها، فيهمُّنا أن ندرك أوَّلاً مقدار
حقوق المرأة ووضعها في الجاهليَّات القديمة والمعاصرة، لنرى الظلام الحقيقي الذي عانته المرأة، والذي ما زالت تعانيه
ومن ثَمَّ يتبيَّن لنا حقيقة وضع ومكانة المرأة في ظلِّ تعاليم رسول الإسلام. - حق المرأة في الحياة :
لمَّا كانت عادة العرب في الجاهلية وَأْد البنات؛ إذا برسول الله يُجَرِّم ويُحَرِّم قتل البنات وإهانة المرأة، وذلك انطلاقًا من تشنيع القرآن الكريم
على أهل الجاهليَّة بسبب وَأْدِهم البنات ومهانة المرأة عندهم؛ حيث قال الله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8،9].
بل وجعله رسول الله من أعظم الذنوب؛ فعن ابن مسعود أنه قال: "سألتُ رسول الله: أيُّ الذَّنب أعظم؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»
قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» قال: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»" - الإحسان إلى المرأة وتعليمها:
ولم يَقِفْ رسول الله في الحفاظ على حقِّها في الحياة عند هذا الحدِّ، وإنما رغَّب في الإحسان إلى المرأة صغيرة؛ فقال:
«مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ»، ثم أمر الرسول بتعليم المرأة فقال: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ
تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا.. فَلَهُ أَجْرَانِ»، وكان رسول الله يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى. - حق اختيار الزوج :
وما أن تشبَّ البنت وتصير فتاة بالغة؛ حتى يعطِيَها الرسول الحقَّ في اختيار زوجها والموافقة على الخاطب أو رفضه
ولا يجوِّز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده، وقد قال في ذلك رسول الله: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صمَاتُهَا»
وقال رسول الله: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أَنْ تَسْكُتَ» - حق المرأة كزوجة :
ولمَّا تصير المرأة زوجة يحثُّ رسول الله على حُسْن معاملتها وعشرتها؛ مبيِّنًا أن حُسْن عِشْرَة النساء دليل على نُبْل نفس الرجل وكريم طباعه،
فيقول -مثلاً- مرغِّبًا: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْمَاءِ أُجِرَ»، ويقول مرهبًا: «اللَّهُمَّ، إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» - حق المرأة في مفارقة زوجها :
وإذا ما كرهت المرأة كزوجة من زوجها شيء، ولم تُطِق الحياة معه، فقد سنَّ لها رسول الله حقَّ مفارَقة الزوج، وذلك
عن طريق الخُلْعِ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي فقالت: يا رسول الله! ما أَنْقِم على ثابت
في دِينٍ ولا خُلُق إلاَّ أنِّي أخاف الكفر. فقال رسول الله: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فقالت: نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها" - حق المرأة في الذمة المالية والإجارة :
في حين أن رسول الله أثبت للمرأة ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا كالرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب
ولا حِجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]
ولما أَجَارَتْ أُمُّ هانئ بنت أبي طالب رجلين من المشركين، وأبى أخوها عليٌّ إلاَّ أنْ يقتلهما، كان قضاء الرسول في هذه الحادثة قوله:
«أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». فأعطاها الحقَّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين.
وهكذا تعيش المرأة المسلمة عزيزة أبيَّة كريمة في ظلِّ تعاليم رسول الله. |
|
|