على مقعد الصمت لا زلت ها هنا أمعن في الترحال خلف ذكريات قد مضين وأماسيَ ولَّت ولن تعود تستوقفني مرايا الروح كل حين لتُقحِم في الذاكرة ملامح وجهٍ غريب كلما هربت منه أمعنَ في الحضور وأغرقني في يمِّ النحيب أنتظر عودتي من مرافئ الدهشة والذهول فيطول انتظاري ويلبس الزمن عباءة من جليد ومع طعم قهوتي المر أكتشف أنني استنزفتُ عمري كله هربًا منك ومن عشقك البدائي وأنني أعَرتك وجهي دون أن أعي أني فقدته إلى الأبد ، وأنني اختزلت روحي دون جدوى ما بين شهقات حزني وزفرات صمتي العنيد أفيق من شرنقة الوسن على هذه الحقيقة فأسكب في جوفي ما تبقى من مرار قهوتي وأستعذِبُ المزيد يباغتني صدى قهقهاتٍ طالما أثرنَ فيَّ الهوان ، وأجَّجْنَ في صدري حشرجات الألم وتركنَ في حلقي المرار كيف لك أيها الغريب اللاجئ إلى مرافئ النسيان والعدم أن تهرب من سطوة عشقي إلى اللاشعور إلى اللامكان كيف لك أن تحتل فيَّ ، ومن حولي كل هذه المساحة الشاسعة من لحظات الصمت والشرود وكيف سكنتَ في دم الشريان والوريد غير عابئ بصرخاتِ وجعي السرمديّ كيف أحلتَ الكون من حولي إلى وحشة قارصة وفراغ خانق مميت ؟ كيف اقتنصتَ الدفء من نهاراتي الحزينة ، واحتكرتَ منابعَ الضوء كلها في عينيك الناعستين ، واصطدتَ فراشات الروح كي تحلق بأجنحتها الملونة حولك في صمت ولتتلاشى أمامك دون أن يرف لهما جفن تنزفك مآقيَّ دمعًا لا يجفُّ له مَعينٌ كلما تحسست جرحي العميق وأنت لاهٍ في حماقات الطيش والغرور وساديَّتك المفرطةِ حد الجنون أنت يا من لا زلت تغرز في خاصرتي نصلَ الحنين كيف لي أن أنتزعك مني دون أن يشق الضلوع صدى صرختي ودون أن أقضي من الألم كيف لي أن أمحوَ من خارطة عمري كل الدروب التي سلكناها معًا ، وكيف لي أن أصدق أنك قد رحلت وأنت في دمي كاذبٌ أنت يا أيها الشقي شأن كل الأشياء من حولي حين تأتي هنيهةً ومن ثمَّ تختفي وأنا العالقة في وهمي رغم احتضار حلمي الوديع لا زلت أنتظر معجزة ما ولا زلت وحدي هنا على مقعد الصمت أبحث في عيون المدى البعيد عن قسمات وجهٍ كوجهي الحزين وجهي الذي لفظَتهُ مرآة الفرح مذ يوم أحببتك ، ومذ حلَّت لعنة الحب بي وبقلبي الطاهر البريء يا أنت آه ألف آه ألف آه كم أود أن أسلخك من ذاكرتي ولكن كيف لي ذلك وكيف أستطيع وقد استبدلتُها منذ التقيتكَ قبل أعوام بذاكرة مليئة بالثقوب |
|
|