بسم الله الرحمن الرحيم فإن يوم "عيد الأضحى المبارك" من أيام الله المشهودة؛ وهو أحد أعياد المسلمين كما جاء في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يومُ عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهلُ الإسلام …))[1]. ويعتبر يوم عيد الأضحى أعظم أيام العام عند الله تعالى كما جاء في حديث عبد الله بن قُرْط رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القَرِّ))[2]، ويوم القرِّ: هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ لأن الناس يقرُّون بمنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو الصحيح؛ لأن فيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره: كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنّة، واتفاق العلماء"[3]، ويقول ابن القيم رحمه الله: "فخير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر"[4]. وقد جاءت تسميته هذا اليوم بـ"يوم الحج الأكبر" في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (سورة التوبة:3)، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال: ((أي يوم هذا؟)) فقالوا: يوم النحر، فقال: ((هذا يوم الحج الأكبر))[5]. في هذا اليوم المشهود يتقرب العباد إلى ربهم بإراقة دماء الأضاحي والهدي وهي من أفضل القربات، وأجلِّ الطاعات، إذ قرنها الله جل جلاله بالصلاة فقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (سورة الكوثر:2)، وقال جل وعلا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} (سورة الأنعام:161-162). وسمي "يوم الحج الأكبر" لاجتماع أكثر أعمال الحج فيه وهي: رمي جمرة العقبة، والنحر والذبح، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة. أعمال الحاج يوم العيد: يجب على الحاج في يوم العيد أن يقوم بخمسة أعمال من أركان الحج هي: أولاً: رمي جمرة العقبة (وهي الجمرة التي تلي مكة في منتهى منى): بسبع حصيات مكبراً مع كل حصاة، ومقدار الحصاة مثل حصى الخذف لحديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم سلك الطريق التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف" رواه مسلم (2137) يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترتقب غروب القمر ليلة العيد؛ فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى، ورمت الجمرة، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام، أو كان بعيداً عن الجمرات، وأحب أن يؤخره إلى الليل؛ فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر"[6]. ثانياً: النحر أو الذبح: لمن كان متمتعاً أو قارناً، أما من كان مفرداً فلا هدي عليه. ووقت النحر يمتد إلى آخر أيام التشريق، ويجب أن يكون في حدود الحرم في أي مكان من منى أو مكة لما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر؛ فانحروا في رحالكم...)) رواه مسلم (2138)، ولا يجوز نحر الهدي في عرفة مثلاً، أو أي مكان من الحل، ويجوز ليلاً أو نهاراً من أيام التشريق، وليس له أثر في تحلل الحاج. ومن لا يقدر على شراء الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، قبل يوم النحر، أو في أيام التشريق، ولا يجوز لأحد أن يصوم أيام التشريق إلا من لم يجد الهدي من الحجاج، ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله. ثالثاً: الحلق أو التقصير: والحلق أفضل لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (سورة الفتح:27)، و لما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: ((والمقصرين)) رواه البخاري (1612) ومسلم (2294). والأفضل أن يبدأ المحلق من جانب الرأس الأيمن ثم الأيسر لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منىً فأتى الجمرة فرماها, ثم أتى منزله ونحر ثم قال للحلاق: ((خذ))، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر..." رواه مسلم (2298). وأما المرأة فيتعين في حقها التقصير بأن تقص من كل ضفيرة قدر أنملة قال ابن قدامة: "والمشروع للمرأة التَّقصير دون الحلق لا خلاف في ذلك"[7]، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير))[8] قال الإمام النووي رحمه الله: "أجمع العلماء على أنه لا تؤمرُ المرأة بالحلق، بل وظيفتها التقصير من شعر رأسها؛ لأنه بدعةٌ في حقهنَّ ومُثلةٌ"[9]. رابعاً: طواف الإفاضة: وهو ركن من أركان الحج قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29)، وإن أخَّر الحاج طواف الإفاضة فطافه عند الخروج؛ أجزأه عن طواف الوداع؛ لكن السُّنة أن يطوفه يوم العيد ضحى، وليس في هذا الطواف اضطباع ولا رمل، وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف المقام، فإن لم يتيسر ففي أي مكان من المسجد الحرام. خامساً: السعي بين الصفا والمروة: لمن كان متمتعاً، أو قارناً، أو مفرداً، ولم يكن قد سعى بعد طواف القدوم فيجب عليه أن يسعى هنا. التحلل الاكبروالأصغر: إذا فعل الحاج اثنين من هذه الثلاثة: (رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة)؛ فقد حل له كل شيء إلا النساء، ويسمى التحلل الأصغر. فإن فعل ما بقي مع السعي إن لم يكن قد سعى من قبل فقد حلَّ له كل شيء حتى النساء، ويسمى التحلل الثاني أو الأكبر، وبه ينتهي الحاج من أعمال يوم العيد. يتبع |
|
|
|