الغين و الراء: تأمّل ( غـــر ) /أ/عبد الله بن سليمان العتيق أصولٌ ثلاثةٌ صحيحة: الأول: المثالُ مِن قولِ الناسِ: فُلانٌ على غِرارِ فُلانٍ، أي على مِثالِهِ. الثاني: النُّقْصانُ، مِن قولِكَِ: غارَّتْ الناقةُ، إذا نقَصَ لبنُها، و في الحديثِ " لا غِرارَ في صلاةٍ و لا تسليمٍ " أي: لا نقْصَ. الثالثُ: الغُرَّةُ، و غُرَّةُ الشئِ أكرمه، و منها البياضُ، و الليالي الثلاثُ الأُوَلُ من الشهرِ حيثُ أنَّ المباني مدخلٌ لِفَقْهِ المعاني، و للحروفِ إشاراتٌ و أسرارٌ، و للفظِ ذوقٌ يُدرِكُه مَنْ أدرَكَهُ، فلهذين الحرفين، بأصولهما الثلاثةِ إشاراتٌ بالغاتٌ، و معانٍ باسقاتٌ، أسوقُ شيئاً، و يُدركُ القارئُ أشياءَ. المرءُ في حياتِه يطمحُ لأن يكون في حالٍ حسنةٍ، و في هيئةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ، لا يشوبها شائبة، و لا يعتريها عَوَرٌ، و له الحقُّ في ذلك، فإنَّ مَن منحه اللهُ عقلاً، و وهبَه فِكراً لا يرتضي بالمقامِ الراكد، و لا يلتفت إلى المحلِّ الجامد، بل يسعى للارتقاءِ، و يرتقي بالانتقاءِ. و مسيرتُه لا بُدَّ له فيها مِنْ (غِرارٍ) يَحتذي فيها غرارَه، ليكون الطريقُ أمامه بيِّناً، و شاراتُه بارزة، فلا يَتُوْه في بُنَيَّاتِ الطُرُقِ، و لا يضيع في متاهاتِ الفِرَقِ، و قَيْدُ الـ (غِرارِ) أنْ يكون عارفاً بالطريقِ، ضابطاً معالِمَهُ، أميناً، مُخلِصاً، ليكون مَن سَلَكَ الـ (غِرار) آمناً، مُطمئناً. و على الآخذِ بالـ (غِرار) أن يُدَقِّقَ حالَ الانتقاءِ، فليستْ حياته محلَّ التجارب، و لا موطناً للتنقُّلاتِ. فإذا أردتَ أن تكون ناجحاً في شئٍ، و آتياً به على أتمِّ وجهٍ فاتخذِ الـ (غِرارَ) الأكمل، و الأتمَّ الأجمل، ليُقالَ: فُلانٌ على (غِرارِ) فُلانٍ. هذا أصلٌ أولٌ في مسيرةِ التألُّقِ. الطريقُ طويلٌ، و الـ (غِرارُ) بشَرٌ، فلا يَخلو الـ ([غِرارُ) مِن (غِرارٍ)، و ليسَ عيباً، و إنما العيبُ الإبقاءُ للـ (غرارِ) دون إكمالٍ، و التَّرْكُ دونَ إتمامٍ. فالـ (غِرارُ) ثلاثٌ: الـ (غِرارُ) الأولُ: في الـ (غِرارِ) [الذي هو الأصل الأول]، بأن يكون فاقداً شيئاً من قُيودِ كونهِ مُتَّخَذَاً لذلك. و الـ (غرارُ) الثاني: في الطريقِ، فلا تأخذ طريقاً خاطئة، فليستْ كلُّ الطرُقِ تؤدي إلى الهدفِ، و ليسَ مَن رام الخير مُصِيْبَهُ، فاعرف الطريقَ حقَّ المعرفةِ ليكون مسيرُكَ على (غرارِ) الصوابِ. و الـ (غرارُ) الثالثُ: في الذاتِ، فكمِّلْ ذاتَك، و تمِّمْ صِفاتَك، و أطلقِ القُدُراتِ، و لا تكونَنَّ مِمَّنْ انتابَهُ (غرارٌ) في ذاتِه، فضَيَّعَ صِفاتَه، و فرَّطَ في أمرِه. و هذا أصْلٌ ثانٍ في مسيرةِ التألُّقِ. كُنْ في مسيرَتِكَ دوماً ذا: (غُرَّةٍ) في نَفْسِكَ، و في خُلُقِكَ، و في مالكَ، فإنَّ الـ (غُرَّةَ) لا تتأتَّى إلا بَعْدَ أن تُحقِّقَ ذلك في ما ذُكِرَ. و هذه الـ (غُرَّةُ) تَتَطلَّبُ أن يكونَ لونُكَ منطبعاً بياضُهُ على: قلبِك فيكون في بياضِ اللبنِ، و في ثَوبِكَ ليكون في بياضِ الثلجِ، و في نفسيَّتِكَ لتكون الدنيا كُلُّها (غُرَّةً) و تَكونَ أنتَ (غُرَّةً) في جبين الزمانِ. و حتَّى تَكونَ (غُرَّةً) في الجبينِ كُنْ (غُرَّةً) في كلِّ فضيلَةٍ، وَ (غُرَّةً) في الطريقِ، وَ (غُرَّةً) في كلِّ شئٍ و قبلِ كلِّ شئٍ. و هذا أصلٌ ثالثٌ في مسيرةِ التألُّقِ. هكذا تأملْتُ، بَعْدَ أن تَذَوَّقْتُ، فنقلتً. |
|
|