في العشرين من عمري كنت أظن أن عليّ أن أقنع الناس برأيي،
في العشرين وليلة، عرفتُ أن ذلك أمر صعب وشاق!، احتجت
لأكثر من عشرين سنة وحفنة ليالٍ أخرى، لأطمئن، ليس إلى أن
إقناع أحد برأيي مهمة شاقة، وواجب صعب فقط، بل إلى أن الأمر
ليس مهمةً أصلاً، ولا واجباً بالمرّة!.
المهمّة، والواجب، أن نقول ما نراه حقّاً، أو صحيحاً، أو صائباً،
أو جميلاً، وأن نُحسن قوله، قدْر الإمكان والاستطاعة، مع محاولة
رفع قدْر هذا الإمكان، وإجادة هذه الاستطاعة، وتحسينها بالمعرفة
والخُلُق، بالمهارة والحياء!، بالدّلالة والمودّة، باحتواءٍ لا بِاجْتواءٍ!،
وأن تكون غاية الجموح في الطموح، تقديم رأينا تامّاً، وعرضه في
ساحة العقول والقلوب، دون اعتبار هذه الساحة سوقاً، ودون اعتبار
رأينا سلعةً نعيش من ورائها، أو عقيدة نموت من أمامها!.
المهمّ أن تكون لي آراء، وأن تتشكل نتيجة بحث وجهد وتدبّر ومحاولات
فهم، وأن يكون كل هذا التعب، مبذولاً لأجلي، لرغبتي في أن أكون
أفضل منّي فقط، أعرف لأُدرِك، وأدرِك لأفهم، وأفهم لأُحِب، وأُحب لأصير
جميلاً وأجمل!، فإن تحقق لي ذلك، أو جزء منه، سجدْت لله شاكراً،
وأكملت الطريق حامداً.
ليس مهمّتي إقناع أحد برأيي، مهمّتي، إن ظننت أنها مهمتي، عرض
رأيي، إيصاله هديةً لا هِداية، تقديمه للآخَر: كلمةً بالغة، وليس تقديم الآخَر
إليه: لقمةً سائغة!.
كل رغبة في فرض رأي، هي رغبة في سُلْطة!، فإن افترضنا أن هذا
الرأي صائب، حينها يكون صاحبه أكثر من يسيء إليه، ذلك لأنه برغبة فرضه،
يستخدمه ولا يخدمه!، وظنّي أن شهيّة الإلزام برأي، تكشف أكثر ما تكشف،
عنف نفوس متعاليةٍ لأصحابها!،
بالعقل: إن كان رأيي صائباً، فلماذا أصر على فرضه، يكفي عرضه!، الإصرار
من دلالاته أنني لم أُحسِن العرض، أو أن فيما أعرض فساد بيّنٌ لا يمكن لي
بالتراضي أن أفلح بنيل تأييد حقيقي له، أو أنني بدائي همجي متغطرس حتى
لو لبست أفخم بدلة وأثمن ربطة عُنُق!.......
يقول الدكتور الاديب :عبد الله الغذامي
ويكفي الإصرار مهانةً، أنه ومن أضداد أصرّ في اللغة: تروّى وتبصّر!.
ويكفي ان عنوانها هو الانانيه . |
|
|