عادة ً ماتختلف الناس فى أفكارها وميولها إلا أنها تتفق ُ فى حنينها إلى الماضى فجميعنا نحن ُ إليه ولكل ٍ منا ذكريات ٌ فيه
منا من يحن ُ إلى صباه .. ومنا من يحن ُ لحبيب ٍ فقده ُ وغيرها من الذكريات فى كتاب الماضى ....... اسأل نفسك الآن وكن جاداً وصادقاً مع نفسك ... أين موقعك على أرض الزمن ...؟ وأي صفحات تاريخ حياتك تقلبها وتقرأها وتتمعن فيها وتتأملها .. لأرض الزمن جهات ثلاثاً : ماض .. وحاضر .. ومستقبل .. ويإمكانك أن تحزم أمتعتك وتسافر إلى أيها شئت دون تذكرة أو جواز سفر ، ودون أن تلتزم بمجموعة للرحلة .. فأنت من يقرر إلى أي الجهات يريد أن يرحل ، وما جدوى الرحيل والسفر ، وهل ستطول إقامتك أم ستقصر ..؟ وأنت أيضاً من يصنع من تلك الرحلة متعة وجمالاً وفائدة ..
أو يحيلها مشقة وعناء فتكون رحلة خائبة .. لعلنا في كل يوم نمارس الرحيل في أرض الزمن نقلع بذاكرتنا إلى الماضي ..
نتأمل ملامحه ونطيل النظر في تقاسيمه التي قد تقيد رسم الابتسامة على شفاهنا حين تمر بذكرياته الجميلة والصور البريئة الرائعة المحببة إلى نفوسنا ..
وقد تفيض الدموع من أعيننا حين تطأ أقدامنا بعض جراحه ومآسيه فتبدو تلك الجراح كأنها وليدة الساعة ..
فلم تجف دماؤها ، ولم يتوقف نزفها ، ولم يسكن ألمها .. مما لا شك فيه أننا لا نستطيع أن نمزق صفحات الماضي من تاريخ حياتنا فهو تاريخ نقشته نبضات قلوبنا وعاشته جوارحنا وأحاسيسنا ..
ولن نتمكن أن نمحو صوره الراسخة في ذاكرتنا ، ولا أن نلجم فم الذكريات فلا تحدثنا وتبوح لنا ..
ولا يمكن لروعة الحاضر وصفاته أن تغرينا بنسيان ماضينا.. فالماضي أرض ينبغي أن تشد رحال تفكيرنا إليه ولكن ليس لممارسة البكاء على أطلاله ..
وذرف الدموع على مآسيه ومصائبه واجترار آلامه وأحزانه وإعادة وصفها من جديد ... الماضي طبق قد يغزو موآئد الحاضر الشهية اللذيذة ..
فهل علينا أن نتجرعه ونتذوق مرارته ونفسد نكهة أطباق الحاضر ورائحتها الزكية ببعض العفن المتصاعد من طبق بائت ؟! العودة للماضي بجماله وآلامه ينبغي أن تكون بأقدام تشق خطاها إلى الأمام .. أقدام شعارها ( إلى الأمام سر ) لا إلى الخلف استدر .. فالماضي بكل أخطائه وهفواته ، وبكل جراحاته ومعاناته لا ينبغي أن نجعل منه شمساً تشرق على حاضر أيامنا بمزيد من الألم والبكاء والندم . نعم علينا أن نندم على ماض فرطنا فيه ، وعلى كل ورقة سقطت من شجرة أعمارنا لم تشهد لنا إلا بالهفوات والتقصير ... نعم علينا أن نندم على أخطائنا في حق أنفسنا وغيرنا وعلى ذلك الرصيد من الآثام الذي اقترفته أيدينا ..
ولكن الندم وحده لا يكفي .. فما جدوى الندم من أجل الندم .. فما العمل ..؟ علينا أن نأخذ من قسوة الماضي عظة وعبرة ، وأن نتعلم من مدرسة أيامه كيف نصنع من الحاضر والغد زمناً أجمل ... وكل ذلك مرهون بإرادتنا بعد توفيق الله عز وجل .. دمتم بخير |