لُقَيمات يكفين ليُقِمن صُلبَ الإنسان، لكن الإنسان لا يَكتفي فيريد لُقمًا لُقمًا!
يَقنع البعض بالقليل، ويبذل آخر جهدًا ليأكل لقمة حلالًا، فيرجع وقد أكل من حلالٍ وأطعم أبناءه الحلال.
ولكن في آخر النهار يروح الناس لبيوتهم، ويرجع البعضُ منهم إلى بيته وقد أكل من طُرقٍ يمقتها الربُّ، ويخسر العبدُ معها نفسه.
هناك من تَرجع إلى بيتها وقد أكلت بعِرضها وشرفها، بذَلَته لشخصٍ حقير، أو ألحَّت بشدة أن يشاهدها الكثير، أو الملايين؛ في رقصٍ أو غناء عارٍ؛ تُمنِّي نفسها وتقنعها أنها لم تبِع كل شيء .. ولكن الشرف لا يتجزَّأ.
أفحش منها مَن عاد إلى بيته ليُطعم أولاده وينام، وقد تعِب بشدَّة، وهو يَلهث من الإرهاق من طول ما لوى من آيات الله وأدلَّته وحججه، فاستدلَّ بها على معصيته وحارَب بها دين الله؛ فقتل وسَفك ووافق هوى مَن يرغب أو يخاف، فأكل بدِينه، وقد تكون مَن باعَت عِرضها أشرَفَ منه.
وآخر ذهب لينام ويطمئنَّ على أولاده وقد جاءهم بطعام محمَّل بصراخ الطاهرين وأعراض الطَّاهرات وآلام المعذَّبين.. قَتَل وسفك، وهتك وعذَّب وأفسد؛ ليأكل لقيماتٍ ويطعم منها ولده!
يروح آخر لفراشه وهو بين ولده، ينظر إليهم فرِحًا؛ يطمئنُّ على مستقبلهم؛ وقد أمَّنه لهم طولَ النهار؛ من بيع أُمَّة لعدوِّها، وقد زوَّر إرادتها، وصادر مستقبلَها، وأهان شريفَها، ورفع خسيسها، وأكرم لئيمها.
يروح البعض ليُطعم ولده وقد ظلَّ لساعات طويلة يبذل جهده ويتقن حرفَةَ تضليل الملايين في الإعلام واحتراف الكذِب وإتقان الأدوار؛ طعامه لولده محمَّل بافتراء وتضليل الخلق، وقبل أن ينام كان يطمئن أن كذبته سرَتْ، وأنَّ تضليله آتى ثمرته، وبعد الاطمئنان على الثَّمرة البشعة، أخذ أجرتَه ليُطعم ولدَه ونفسه من ذاك الطعام المرِّ، وقد كان يكفي القليل.
يروح آخَر تحت ستارِ رجل أعمال، وقد راكم آلاف الملايين، وقد أبكى وشرَّد وحرَم ملايين النَّاس مما سرقه من حقوقهم، فعل هذا فقط ليَطعَم هو وولده لا غير، بينما حرم غيره من لقمة لولده، أو بيتٍ يكنُّه، أو مستقبل يأمُل فيه.
في النهاية كانت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس كلِّ حكمة، وأعلى من كلِّ موعظة بشريَّة، وأحلى وأجمع ما قيل: ((وهل لك من مالِك إلَّا ما أكلتَ فأفنَيتَ، أو لبستَ فأبلَيتَ أو تصدَّقتَ فأمضيتَ، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه))؛ رواه مسلم.
لقيمات، بل لُقَم كثيرة، كان يمكن أن يكتسبها مرتاحًا جدًّا بدون هذه الجرائم، بل يَكتسبها بكلِّ شرف ونُبل، لكنه نهَم بلا حاجة، وجشَع بلا دافع، وجوع بلا مبرر، وحمق يُهلِك الملايين من أجل شخص لا يبالي أن يَهلِك ويُهلك!
إنَّها لقيمات، افترق الناس أمامها ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ أفلا يَعتبر عاقل أو يتوب مَن في قلبه بقيَّة حياة؛ فيتَّقيَ اللهَ في نفسه وولده، وفي أمَّته، وتكفي اللُّقيمات - بل عنده الكثير منها - له ولولده، بل ولأحفاده، ما يغنيه عن الحرام؛ فيَرجع عن المظالم، ويكف يدَه، ويخرج الأمَّةَ من وَرطتها، أو فقط يَرفع يده عنها لتأخذ الأمَّةُ سبيلَها للنهوض والانعتاق! أفلا يكفُّ مجرم في أي موقعٍ عن إجرامه! ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74]. |
|
|