شهر رمضان كتب الله علينا صيامه وأجزل الله فيه ثوابه وأوجب علينا تعظيمه وقيامه .
تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران ويصفد فيه كل مارد وشيطان فأعدوا له العدة واسألوا الله التوفيق حتى تكملوا العدة . شهر رمضان غنيمة للصادقين فى مضاعفة الأعمال وحط الأوزار وفى إجابة الله للدعاء والسؤال .. همة الصالحين فيه القيام والصيام والكف عن فضول الكلام والسلامة من الآثام والإشتغال بذكر الملك العلام وهجر المنام واستغفار الله فى الأسحار والمداومة على التسبيح والأذكار . وهمة الغافلين فيه التفريط والإهمال والتكاسل عن صالح الأعمال والتلذذ بألوان الطعام وتضييع أوقاته باللهو والغفلة والمنام .. ******* نزول القرآن أنزل الله القرآن فى شهر رمضان على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .. بعد رسالة المسيح عليه السلام وخلال الفترة التى لم يبعث الله فيها نبى أو رسول وهى التى تسمى ويطلق عليها " عصر الجاهلية " كان الغالب من أطياف البشرية لايؤمنون ولايوقنون بالوحدانية .. .. بلغ دين الله أجله المعلوم عند الله وموعده المحتوم فى علم الله .. نزلت رسالة الإسلام .. هذه الرسالة قضى الله لها أن تكون هى آخر الرسالات .. وقضى الله أن يكون سيدنا محمد هو آخر المرسلين وخاتم الأنبياء . شرح الله صدر نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم لهذا الدين وأمره أن يؤمن ويصدق به وأن يؤمن ويصدق بما أنزله الله عليه .. { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } ... أنزل الله عليه كتاب كريم وقرآن حكيم جعله الله بشيراً ونذيراً له ولقومه . وبشيراً ونذيراً لكل العالمين من بعده . أنزله الله فى ليلة سماها " ليلة القدر" .. يقول سبحانه : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } . هذه الليلة خير من ألف شهر .. وإن اليوم عند الله مما نعده ونحسِبه يساوى ويعادل ألف عام .. فقد قال جل شأنه : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } .. فيكون الشهر ( ثلاثون ألف سنة ) .. والألف شهر ( ثلاثون مليون سنة ) . . وفضل ليلة القدر وخيرها ليس قاصراً على هذا العدد فحسب بل هى أفضل وخيرٌ من ذلك عند الله .. من التمسها وصادفها فقد أتاه الله خير الدنيا والآخرة .. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ) رواه الإمام البخارى فى صحيحه . ... ليلة القدر هى الليلة التى نزل فيها القرآن .. هى ليلة مباركة من ليالى شهر رمضان . { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } .. { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } هذه الليلة نزل فيها الوحى الأمين سيدنا جبريل ونزلت جميع ملائكة الرحمن عليهم السلام لكى يشهدوا نزول القرآن على هذه الأرض والحياة .. ولقد نزلت آياته على رسول الله منجمات ومتفرقات خلال الأيام والليالى وعلى مدى الشهور والسنوات منها مانزل مكياً ( فى مكة ) ومنها مانزل مدنياً ( فى المدينة ) ومنها ما نزل حضرياً وسفرياً ومنها مانزل نهارياً وليلياً ....... إلى أن أكمل الله دينه وشريعته وأتم الله على عباده فضله ونعمته .. { قُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } ... كتابٌ لاشك ولاريب فيه .. اقترن برسول الله فى محياه .. ودام للبشرية بعد انتقاله إلى مثواه .. ليظل بشيراً ونذيراً لكل من خلقهم الله ويخلقهم فى هذه الحياة .. أنزله الله مصدقاً ومهيمناً لما سبقه من قبل ولما نزل على جميع الرسل والأنبياء .. كلف الله نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع وينذر به عشيرته المقربين وينذر الغافلين ممن لم يبلغهم من قبله بشير أو نذير وأن ينذر الكفار والمشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين .. ... إنه كتابٌ مسطور سيظل إلى يوم النشور لايهجره أو يتركه ولايجحده أو ينكره إلا كل موتور ومبتور .. كتابٌ أدهش العقول والألباب وأبهر فصحاء العرب وأمراء البيان .. أبواب العلم والحكمة فيه لاتحصى ولا تستقصى من أراد السبيل إلى استقصائها لن يبلغ إلى ذلك وصولا ومن رام الوصول إلى إحصائها لن يجد إلى ذلك سبيلا فقد قال تعالى : { وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }. كتابٌ لامبدل لكلماته .. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. ولن يعتريه تحريف أو تبديل ولن يدخل فيه كذب أو كتمان ولن يعدل أو يطور ولن يضاف عليه أو يحذف منه . { لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } .. { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . ... كتابٌ لا يجوز ترجمته إلى أى لسان .. أنزله الله بلسان عربى مبين .. هذا اللسان لايدانيه أى لسان فى الفصاحة والبيان .. الإعجاز والتحدى به كان قائماً .. وما زال وسيظل قائماً بهذا اللسان .. { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } .. { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . ... عجز المشككون والمبطلون أن يأتوا بما يضاهيه أو يماثله .. وعجزوا أن يأتوا بعشر سور من مثله .. أو بسورة واحدة .. وعجزوا أن يأتوا بحديث يشبهه .. لقد عجزوا ومن تلاهم من سائر الأعصار أعجز .. { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ .. وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم } . { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ .. قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ .. وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم }. { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا .. فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } . { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } . لو اجتمع كافة الإنس والجان وعلى مر القرون والأزمان لن يحيطوا بعلمه ولا بما فيه من بيان ولن يأتوا بفصاحته أو طلاوته وليس لأىٍ منهم أن يحيط بوجوه لفظه أو بلاغته ولا بمتانة أسلوبه أو لطائف إشارته .. يقول العزيز الحكيم : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ .. وَلَن تَفْعَلُواْ .. فَاتَّقُواْ النَّارَ َ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } . ... من وعر عليهم طريق الحق وغاب عنهم اتباع الصدق أنكروه وجحدوه وصدوا عنه وحاربوه .. يتمالأون ويتحزبون لايكلّون ولا يملّون .. جهلوا قول الله : { قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } . |