من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُمر بتخيير نسائه بين الصبر على ضيق العيش وبين أن يفارقهن. جاء ذلك في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[1].
قال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية:
"هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره، ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن - رضي الله عنهن وأرضاهن - الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة".
قالوا: فالخصوصية في أن الأمر في حقه صلى الله عليه وسلم للوجوب، ولا يجب ذلك على غيره من أمته[2].
وسبب ذلك: ما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوساً ببابه، لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له.
فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه، واجماً ساكتاً، فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة، سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "هنَّ حولي كما ترى، يسألنني النفقة".
فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟! فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده.
ثم اعتزلهن شهراً، أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ حتى بلغ ﴿ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾.
قال: فبدأ بعائشة، فقال: "يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه، حتى تستشيري أبويك" قالت: وما هو، يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية.
قالت: أفيك - يا رسول الله - أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلتُ.
قال: "لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنِّتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً"[3].
ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة[4].
وقد أطالت كتب الخصائص في ذكر أسباب أخرى[5] والذي يناسب سياق الآية الكريمة ما ذكرته.
كما أطالت هذه الكتب في تفريعات مفترضة وأقيسة كثيرة[6]، وهو أمر يخرج عن موضوع الخصائص الذي هو تسجيل للوقائع كما كانت.
والخلاصة في هذه الخصوصية: انفراده صلى الله عليه وسلم بكون التخيير واجباً عليه تنفيذاً للآية الكريمة. وليست الخصوصية بانفراده بهذا الأمر إذ لكل إنسان أن يخير زوجته إذا رغب في ذلك.
[1] سورة الأحزاب، الآيتان (28 - 29).
[2] قال ابن طولون: "وحكى الحناطي: وجهاً: أن التخيير لم يكن واجباً عليه، إنما كان مندوباً، ويقول: إن الأمر إرشاد في مصالح الدنيا، فلم يكن للوجوب، فإن صيغة "افعل" ترد للندب في مثل ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ ولا يجب الإشهاد في البيع [مرشد المحتار ص 107].
[3] أخرجه مسلم برقم (1478).
[4] أخرجه البخاري برقم (5191).
[5] انظر في ذلك بداية السول ص 109 - 112، ومرشد المحتار ص 107 - 111.
[6] انظر في ذلك بداية السول ص 113 - 124، ومرشد المحتار ص 112 - 132. |
|