بعد سنوات عديدة من زواجه ولأسباب لا داعي للخوض فيها، لجأ الأب إلى الزواج من أخرى، ولظروف شخصية واجتماعية فقد بقيت حضانة الأبناء لديه.. مرت أيام معدودة على وجود «زوجة الأب» في «بيت الأبناء»، وفتيل الغيرة يزداد اشتعالاً..
وذات يوم وبينما كان الأب في غرفة نوم زوجته الثانية، سقطت ابنته الكبرى التي لم يتجاوز عمرها 16 عاماً مغشياً عليها، فهرع الصغار في حالة بكاء وخوف إلى غرفة أبيهم يصرخون، خرج الأب ومعه الزوجة، وعلى الفور طلب سيارة إسعاف لنقل ابنته إلى المستشفى..
المفاجأة كانت أن تلك الفتاة افتعلت هذه الحالة ومثلتها كي تلفت انتباه أبيها إليها وإلى أشقائها وكي يبقى معهم الأب ولا يغط في حجرة زوجته الجديدة ساعات طويلة.. ذلك مشهد يلخص حالة غيرة لا تكاد تفارق علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين «العمة» زوجة الأب والأبناء.
نظرة خاطئة
رضيت نور أم حميد، وهي فتاة مواطنة أن تكون زوجة ثانية خشية على نفسها من وصف «عانس»، حيث أن معطيات الزواج لا تبشر كثيراً وبالتالي يبقى العديد من الفتيات دون زواج، وأشارت إلى أن هذا الواقع يضيق الخناق يوماً بعد يوم على حلم الزواج والاستقرار.
وهو ما يدفع باتجاه قبول الفتاة أن تكون زوجة ثانية أو «زوجة الأب» على أن تظل وحيدة في بيت أهلها،
وهذا الواقع يتكرر لدى مئات الفتيات على مستوى إمارات الدولة.
وتضيف نور أن المشكلة في هذه الحالة لا تتحدد في الزوجة الثانية ولا في الزوج ولا حتى في الأبناء، وإنما في النظرة الاجتماعية الخاطئة
وفي الفهم المغلوط لواقع زوجة الأب.
مشيرة إلى وجود العديد من النماذج الإيجابية لزوجات الآباء اللواتي ضربن أروع الأمثال في احترام الأبناء واحتضانهم، إلا أنهن أجبرن في النهاية على دفع الثمن باهظاً بفعل تطاول الأبناء عليها وعدم السماح لها بأن تكون جزءاً فاعلاً وإيجابياً في تلك الأسرة.
وهو ما يأتي على حساب الزوجة التي تجد نفسها في حالة عصيبة ومؤلمة، تعيش في عزلة غالباً، ولا تقوى على استرداد حقها في كرامة العيش بفعل سلطة الأبناء غير المنضبطة.
وتقول نور إن زوجة الأب تظل في نظر بعض فئات المجتمع المرأة القاسية والعنيفة، وهي السبب في كثير من المشكلات التي يواجهها أبناء زوجها، وهي أيضاً سبب ضياعهم ومعاناتهم في الحياة، لكنها تؤكد وجود نماذج إيجابية لزوجة الأب التي احتضنت أبناء زوجها وأولتهم الرعاية والاهتمام دون أن تفرق بينهم وبين أبنائها.
ترويج مغلوط
وتؤكد نور أنه لا يمكن التعميم والحكم على زوجات الآباء بأنهن ظالمات ومستبدات، ويجب التعامل مع كل حالة على حدة، والمسألة تعود إلى طبيعة زوجة الأب، فإن كانت قد تزوجت بعد تفهم لواقعها ولظرف زوجها ولأهمية دورها في تربية أبنائه.
فإنه لن تكون هناك مشكلات كثيرة، مشيرة إلى ضرورة أن يكون الأب ذا شخصية قوية ولا يفتعل المشكلات بين الزوجات أو بين الزوجة والأبناء، وفي النهاية توجد زوجات آباء ضربن أسوأ المثل في علاقتهن مع عائلة الزوج، وفي المقابل فإن منهن من يجسدن أروع الصور في العطف والحنان والعطاء.
وتشير أم حميد إلى أنه وبسبب الدعاية المضادة والترويج الإعلامي المغلوط لواقع زوجة الأب، فإنها وفي كثير من المرات تجد نفسها في مواجهة مع جميع من حولها، وذلك الواقع لا يسمح لها بإبراز الجوانب المشرقة في شخصيتها، وتجدها تشعر دائماً أنها في معركة مع جميع من يرفضونها، وأن صورتها ستبقى سيئة سواء أحسنت أو أساءت.
مؤكدة على أهمية أن يقترب الأب من أبنائه أولاً وأن يفسر لهم دور زوجته الجديدة في حياتهم، حتى لا تحدث أية توترات نفسية في بيته، وعليه كذلك أن يحسن اختيار الزوجة الحنونة واللبقة وذات الخلق والدين، فهي تمثل الأم الثانية بالنسبة لأبنائه بعد أن ابتلوا بفقدان أمهم بالطلاق أو الوفاة.
من جانبها تلفت الخبيرة الأسرية الدكتورة علياء إبراهيم إلى أن الصورة الغالبة والشائعة عن زوجة الأب في المجتمع العربي عامة، تتمثل في تصويرها على أنها شبح أو «بعبع» مخيف، دائماً ما تكشر عن أنيابها لأبناء الزوج، وهي المسؤولة عن التهام أطفال الزوج دون ذنب اقترفوه، وهي لا تهدأ أو يهنأ عيشها إلا بعد أن تطيح بأعدائها الصغار، بحسب ما ينظر إليها المجتمع عامة.
ولفتت الخبيرة الأسرية إلى أهمية عدم إلقاء المسؤولية على هذه المرأة التي وضعتها الأقدار بإرادتها أو رغماً عنها في طريق هؤلاء الأطفال، فتلك النظرة السوداوية حجبت الرؤية عن بعض النماذج الإيجابية لزوجة الأب.
مشيرة إلى أن الإعلام بصوره المختلفة ساهم في ترسيخ النظرة السلبية تجاه زوجة الأب، سواء عن طريق الأفلام الكرتونية التي رسخت صورة زوجة الأب علي أنها الساحرة الشريرة، أو من خلال قصص الأطفال المقروءة، أو عن طريق برامج «التوك شو» التي تركز الأضواء على جرائم تعذيب وقتل الأطفال بيد زوجة الأب.
موروث ثقافي
وأكدت إبراهيم أنه وعلى الرغم من وجود أعمال إعلامية أشادت بدور زوجة الأب ووضعتها في قالبها الصحيح، فظهرت وهي تعنى بأبناء زوجها وكأنهم فلذة أكبادها نظراً لحسن خلقها أو لعدم إمكانها الإنجاب أو لأي سبب آخر، إلا أنه في المقابل فقد قدم الإعلام الكثير من الأعمال الدرامية التي صورت زوجة الأب وكأنها شيطان يمشي على الأرض.
ونتيجة لكثرة الإلحاح في عرض تلك الصورة السلبية فقد تشبع المجتمع بهذه الفكرة السوداوية عن زوجة الأب، بل وأصبح يضرب بها الأمثال وأصبحت هذه الصورة جزءاً لا يتجزأ من موروثنا الثقافي.
وترى الدكتورة علياء أن على الأب مسؤولية كبيرة في هذا الشأن، وعليه أن يضع في اعتباره أن الزواج من امرأة أخرى لتحل محل الأم أمر ليس هيناً ولا يدخل في إطار وظيفة معروفة مسبقا.
ولا بد أن يساهم شخصياً في إقامة أو توطيد علاقة طيبة بين زوجته الجديدة وأبنائه، لا أن تترك زوجة الأب مع الأبناء في علاقة عشوائية تسودها أحكام مسبقة وصور ذهنية راسخة في أذهان الأطراف المعنية بالأمر.
فيتم نسج القصص حولها على أنها الشيطان المريد، عندها قد تنجح بعض السيدات في الانصياع، وبعضهن قد يرد الإساءة بإساءة فتتوتر العلاقة بين الجميع، ويصبح كل ما تقوم به هذه السيدة من مشكلات هو أمر طبيعي يصدر منها بحكم وظيفتها وسمعتها كزوجة الأب.
الوعي والنوايا
وتوضح الخبيرة الأسرية أن زوجة الأب قد تختلف نواياها تجاه مشروع الزواج، وقد تكون نواياها طيبة تجاه تلك الأسرة ولكنها لا تعي طريقة مثالية للتصرف مع الأبناء.
وفي حال سوء نواياها فإن رغبتها في الاستئثار بالزوج والبيت والمال ستكون بالطبع أكبر بكثير من مشاعرها الطيبة، وهنا حتما ستتولد مشكلات خطيرة، وللأسف فهي موجودة لدى المجتمعات العربية.
وتعود الدكتورة علياء إلى الأمثال الشعبية والحكايات والقصص التي تتداولها الأجيال، والتي تحمل الصورة السلبية لزوجة الأب، فهي ستبقى تشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافة معظم أفراد المجتمع، لافتة إلى ضرورة توعية الفئات الخاصة المقدمة على الزواج مثل زوج الأم وزوجة الأب.
وتأهيلها بمهارات الاتصال مع أبناء الزوج أو الزوجة، وضرورة أن يساهم الإعلام بصورة فعالة لمواجهة سيطرة الثقافة المرئية السلبية على عقول الكثيرين، علاوة على ترسيخ صورة إيجابية للعلاقة التي يجب أن تكون سوية بين الأخوة غير الأشقاء، وتسليط الضوء على نماذج إيجابية لزوجة الأب.
وأكدت الدكتورة علياء إبراهيم أهمية أن تتناول البرامج الدينية هذا الموضوع على نحو ينمي الوازع الديني لدى مختلف الأطراف المعنية حتى لا نجد حالات أشقاء تحايلوا على حرمان زوجة أبيهم أو إخوانهم غير الأشقاء من الميراث، أو تحايل زوجة الأب للوقيعة بين الأب وأبنائه، ومن ثم الدخول في دائرة انقطاع صلة الأرحام وضياع الحقوق والتفكك الأسري.
والأمر في النهاية يحتاج إلى منظومة عمل تشارك فيها المؤسسات المعنية كافة، لاسيما في ظل تأخر سن الزواج الذي يدفع بعض الفتيات إلى الزواج من رجل متزوج، وكذلك ارتفاع نسب الطلاق التي أوجدت فرص الزواج الثاني للرجل أو للمرأة.
غيرة الأبناء ووسائل الاحتواء
وداد لوتاه المستشارة الأسرية في هيئة تنمية المجتمع في دبي، ترى أن أحد أهم مسببات توتر العلاقة بين زوجة الأب والأبناء ناجم عن الغيرة، خاصة في حال كانت الزوجة الجديدة صغيرة وتحظى بالدلال من الزوج.
وإذا كانت الزوجة كبيرة في العمر فستتولد غيرة بشكل آخر، لا سيما من البنات اللواتي بلغن مرحلة الزواج ولم يتزوجن بعد، فيما ستجد أن ردة فعل الأولاد الذكور مختلفة، وتكون إما بالكلام القاسي والجارح أو بالخروج من البيت.
الأهم في هذه الحالة يبقى ضمن مسؤولية الزوجة، التي عليها أن تدخل إلى قلوب الأبناء على أنها أم ثانية وليست بديلة، وأن تظهر مشاعر حب واحترام للأم الأولى، وأن تحافظ على مناقشة الأبناء والإنصات إليهم وعدم الرد بعصبية، وألا تنقل أية معلومة إلى الزوج حتى لا تضع نفسها في خانة الفتنة، والهدية في هذا الموقع مهمة جداً.
حيث تجتهد الزوجة في معرفة ما يوده الابن، وما كان محروماً منه سابقاً والمساهمة في توفيره له، كما يتعين على الزوجة ألا تظهر أن زوجها لها وحدها، وعليها أن تبادر إلى إشراكه في حياة أبنائه، وأن تقترح عليهم مثلاً السفر معاً في إجازة.
من الواقع
فاطمة
أفاقت فاطمة على الحياة طفلة يتيمة وقد تزوج والدها بعيد وفاة أمها، فأقبلت زوجة أبيها فاتحة ذراعيها للأبناء الصغار، وأظهرت لهم قدراً كبيراً من العطف والحنان، وظلت تعاملهم كأنها الأخت الكبيرة.
وتزوج والد فاطمة بعد وفاة أمها، ومنذ ذلك الحين عرف البيت إنسانة حنونة تسهر على راحة الصغار، وتخاف عليهم من كل شيء، وتحرص على مصلحتهم وتوجههم عندما يخطئون بأسلوب جميل ومقبول.
وتشتري لهم كل ما يتمنونه ويريدونه، قبل أن تنجب لهم أخوة آخرين، الذين حظوا بحب وحنان كبيرين من جميع أفراد العائلة، والسبب تلك الزوجة والأم التي لم تفرق في تعاملها بين الجميع.
سهيل
انفصلت أم سهيل عن زوجها بعد أن أنجبت سهيل وعاش معها دون أن يسأل عنه والده الذي قرر أخذه بعد عشر سنوات ليعيش معه، والمفاجأة كانت حينما عاد سهيل لزيارة والدته وأخبرها عما وجده لدى أبيه وزوجته من ضرب وتجويع وحرمان.
وكانت الصدمة حينما رأت الأم آثار الحروق على يديه ووجه وصدره وقدميه، فعرضته على الأطباء الذين أكدوا إصابته بحاله نفسية حادة نتيجة التعذيب، فاحتفظت الأم بولدها مدة من الزمن.
وكان لا يأكل ولا يشرب ولا يلعب حتى مع الأطفال، إضافة إلى أنه يخشى دورة المياه، ومعاناته تلك ازدادت حينما قرر والده استرجاعه ثانية، فتفاقمت حالته النفسية والصحية، وظهرت عليه علامات التعذيب والمرض حتى توفي طفلاً.
سارة
تذكر وداد لوتاه قصتين غريبتين، الأولى لسارة ابنة العشرين عاماً التي كانت تحب أمها وتحترمها كثيراً، قبل أن يتزوج والدها من امرأة ثانية التي تمكنت بطيب المعاملة من كسب ود سارة وأشقائها..
المفاجأة كانت أن سارة ارتضت العيش مع «عمتها» زوجة أبيها وترك والدتها، لكون أن أمها كانت متشددة معها في جميع المواقف خلافاً لزوجة أبيها التي تعاملت معها على أنها شقيقتها الكبيرة السموحة والحريصة على مصلحتها.
أما محمد فقد اختار هو الآخر العيش مع أبيه وزوجة أبيه الثانية، لكونها ظلت تعطف عليه وتوفر له ما يطلبه لا سيما في الحصول على رخصة قيادة يتمناها، في حين أن والدته كانت تتشدد معه وترفض ذلك خشية عليه من الأخطار لذلك فقد رفض وهرب واختار الحياة إلى جانب «عمته».