الهدي النبوي في التربية والتعليم.. (2) .. القصة
سليمان بن جاسر الجاسر
1- التربية بالقصة:
إن للقصة الهادفة أثرًا بالغًا في النفوس، ووقعًا بليغًا على أسماع المتعلمين،
ومن هنا جاءت القصة كثيرًا في القرآن، وأخبر تبارك وتعالى عن شأن كتابه فقال:
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}
[يوسف:3]،
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111].
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:
{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176].
لهذا فقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج واستخدم هذا الأسلوب في مواطن متعددة،
ومواقف كثيرة، فمنها:
أن شابًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو خباب بن الأرت رضي الله عنه
بلغ به الأذى من المشركين والشدة كل مبلغ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم شاكيًا
له ما أصابه فقال: أتيت النبي غ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة
ـ وقد لقينا من المشركين شدة ـ فقلت: ألا تدعو الله؟
فقعد وهو محمر وجهه فقال صلى الله عليه وسلم:
«لقد كان من كان قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب،
ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين،
ما يصرفه ذلك عن دينه، ولَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء
إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»(1).
فشجعهم وصبرهم ورباهم بهذه القصة العظيمة التي تصور حال صبر الأولين،
وشدة بلائهم في سبيل الله، ولأجل دينه.
وحفظت لنا السنة النبوية العديد من المواقف التي يحكي فيها النبي
صلى الله عليه وسلم قصة من القصص، ليصل إلى هدف تربوي نبيل.
فمن ذلك:
قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، وقصة الذي قتل مائة نفس،
وقصة الأعمى والأبرص والأقرع، وقصة أصحاب الأخدود وقصة ماشطة بنت فرعون،
وعجوز بني إسرائيل، وقصة الذي زار أخًا له في الله فأرصد الله على طريقه ملكًا،
وقصة البَغِيّ التي سقت كلبًا فدخلت الجنة، وقصة المرأة التي دخلت النار في هِرَّة.
وغيرها من القصص الكثيرة، التي يعرف المتأمل فيها والمتمعن
في خوافيها أنها تحمل كمًّا هائلًا من الأهداف التربوية وتسعى لترسيخ
المبادئ الإسلامية الحميدة، ونبذ المبادئ الشريرة الخبيثة.
ففي قصة المرأة التي دخلت النار في هِرَّة، التربية على الرحمة بالحيوان،
والعناية به، والتحذير من أذيته وحبسه، وأن ذلك موجب لدخول النار،
والتعرض لغضب العزيز الجبار، ولولا هذه الطريقة القصصية
لاحتاج من أراد النهي عن خلق أو الأمر بشيء إلى مزيد من العبارات
وسيل من الكلمات لإبلاغ مراده
فسبحان من أعطى رسوله جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارًا.
____________________________________