الحــــث على محاسبـــة النفـــس
يا أيها المذنبون -وكلنا ذوو خطأ- المولود
إذا ولد أُذِّن في أذنه اليمنى، وإذا مات صُلِّيَ عليه،
فكأن الحياة ما بين الأذان إلى الصلاة، ولا إله إلا الله!
ما أقصرها من حياة! إن للموت أَخْذَة تسبق اللمح بالبصر،
إياكم والتسويف فإن (سوف) جندي من جنود إبليس.
أعماركم تمضى بسوف وربما لا تغنمون سوى عسى ولعلما
فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تُسْترد فإنهن عوارِ
اذكروا أن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل،
وإذا كانت نظرة الخلق إليك تمنعك من المعصية؛
فإن الله أولى بذلك، أَصْلح ما بينك وبين الله، وتقرَّب إليه بطاعته؛
عسى أن تكون ممن يبدل الله سيئاتهم حسنات؛ فإنك عما قريب
تُحمل على أكتاف الرجال، ونفسك إن كانت صالحة تقول:
قدموني قدموني، وإن كانت طالحة تصيح بصرخات
تقض منها المضاجع: يا ويلها، أين تذهبون بها؟!
فضل محاسبة النفس
أحبتي في الله! أسعد ساعة في العمر، وأصدق لحظة في الحياة؛
تلك الساعة التي يقف العبد فيها مع نفسه محاسباً،
وقفة العتاب، وقفة الملامة، إنها ساعة المخطئين
المنيبين إلى رب العالمين، إنها ساعة المنكسرين
من خشية إله الأولين والآخرين، إنها ساعة العتاب،
إنها ساعة الحساب التي يتذكر فيها العبد ما أصاب،
أيام خلت وليالٍ مضت قد قصر فيها في جنب الله،
إذا تذكر السيئات وما أصاب من الأوزار رق قلبه،
وانكسر فؤاده من خشية الله، تذكر حقوقاً لله ضيعها،
وحدوداً لله جاوزها، ومحارم لله انتهكها؛ فانكسر فؤاده
من خشية الله، ورقَّ قلبه خوفاً من الله، إنها ساعة الحزن والندامة
والأسى على التفريط في جنب الله، لكن سرعان ما يزداد الألم والندم
إذا تذكر أنه إلى الله صائر وراجع ومسئول، وأنه مرتحل من
هذه الدنيا ليقف بين يديْ جبار السماء والأرض، ثم يسأل نفسه،
كيف ألقاه وحقوقه ضيعت؟! كيف ألقاه ومحارمه انتهكت؟!
كيف ألقاه وحدوده تجاوزت؟! كيف ألقاه؟! بأيِّ وجه ألقاه؟!
بأيِّ قدم أقف بين يديْه؟!عندها ينكسر قلبه ويرقُّ فؤاده،
ولا يجد إلا أن يدمع من خشية الله، ثم لا يملك إلا أن يرفع يديْه،
ربَّاه أسأت، ربَّاه ظلمت، ربَّاه أسرفت، ربَّاه ذنوبي من أرجو لها سواك؟
من يفتح الباب إن أغلقتَه؟ من يعطي العطاء إن منعتَه؟ فيصلح الحال،
وتُبدَّل السيئات -بإذن الرب- إلى حسنات؛ فالبدار البدار.
ضرورة التوبة قبل إغلاق الباب
انتبه عبد الله وتيقظ وادخل باب التوبة المفتوح -قبل إغلاقه- مبادراً منكسراً:
وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الْذِينَ يَتَّبِعُونُ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً
[النساء:27]^.
أحبتي في الله! العيون تذنب، والآذان تذنب، والقلوب تذنب، والأبصار تذنب،
والأرجل تذنب، وكلنا ذوو خطأ وذنب.
والله لا يغسل هذه الذنوب إلا التوبة النصوح، التوبة التوبة لعلكم تفلحون،
الأوبة الأوبة، متى ما أقبلتم على الله فاستغلوا ذلك الإقبال؛
فإن النفس كالحديدة لا تلين بيد الحدَّاد إلا إذا كانت ساخنة،
فإذا بردت جمدت وصارت أشدَّ من الحجارة.
ألا واستغلوا اندفاع الأنفس إلى الخيرات؛
فإن لكل نفس إقبالاً وإدباراً، ولكل خافق سكوناً:
إذا هبت رياحك فاغتمنها فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها فلا تدرى السكون متى يكون
إن صاحب الشِمال -المَلَك الموكَّل بالسيئات-
ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ ؛
فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت عليه واحدة
فضلاً مِن الله ومِنَّة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، التوبة
على عَجَل قبل دنوِّ الأجل، لنندم ونقلع، ونرد المظالم،
ولنخالط الصالحين؛ فبخلطة الصالحين نتذكر رب العالمين.
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ
فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
[النساء:17]^.
يا نفس توبي قبل أن لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفري لذنوبك الـ ـرحمن غفار الذنوب
إن المنايا كالريا ح عليك دائمة الهبوب
***
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النُحَّل
اغفر لجمع تاب من زلاته ما كان منه في الزمان الأول
نسألك اللهم باسمك الأعظم، نسألك اللهم بعزِّك وذلِّنا إلا رحمتنا.
نسألك بقوتك وضعفنا، وبغناك وفقرنا إليك إلا غفرت لنا.
هذه نواصينا الخاطئة الكاذبة بين يديك.
عبيدك سوانا كثير ولا رب لنا سواك.
لا ملجأ ولا منجى إلا إليك، لا مهرب منك إلا إليك.
نسألك مسألة المسكين، ونبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل،
وندعوك دعاء الخائف الضرير،
ونسألك سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه،
وفاضت لك عيناه، وذلَّ لك قلبه إلا رحمتنا وتقبلتنا. |
|
|