الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ويقول [ وعلى الله فيتوكل المؤمنين ] ويقول [ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون] ويقول [ وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده]
ويقول [ وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم]
ويقول [ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين] ويقول [ وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا] ويقول [ فتوكل على الله إنك على الحق المبين ] ويقول [ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فأتخذه وكيلا ]
ويقول [ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ]
التوكل على الله خلق عظيم من أخلاق الإسلام وهو من أعلى مقامات اليقين وأشرف أحوال المقربين وهو نظام التوحيد وجماع الأمر كما أنه نصف الدين والإنابة نصفه الثاني ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها وهو مفتاح كل خير لأنه أعلى مقامات التوحيد وعبادة من أفضل العبادات يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَحَسْبُهُ(الطلاق : 3 .
وقولـه ) فَهُوَ حَسْبُهُ(، أي : كافيه .
ومن كان الله جل وعلا كافيه تيسرت أموره،ولامطمع لأحد فيه،وهو يدل على عظم شأن التوكل وفضله، حتى إنه لم يأت في أي عبادة من العبادات أن الله قال )وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ( إلافي مقام التوكل وحقيقة التوكـل : أن يعتمد العبد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في مصالح دينه ودنياه مع فعل الأسباب المأذون فيها.
فالتوكل : اعتقاد، واعتماد، وعمل
أما الاعتقاد فهو : أن يعلم العبد أن الأمركله لله، فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن . والله جل وعلا هو: النافع، الضار، المعطي، المانع. ثم بعد هذا الاعتقاد يعتمدبقلبه على ربه سبحانه وتعالى، ويثق به غاية الوثوق،
ثم بعد هذا يأتي الأمر الثالث وهو: أن يفعل الأسباب المأذون فيها شرعًا
أن يكون قلب الطالب للرزق معتمداً على الله تعالى ربِّه ، مع بذل الأسباب ، والسعي في تحصيلها . و من الأدلة على ارتباط التوكل بالأخذ بالأسباب : من القرآن (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) ،(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ، (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) ،(فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا الله) ، (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) ومن السنة: ما جاء عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ) .رواه الترمذي ( 2344 ) وابن ماجه ( 4164 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولقي عمر بن الخطاب ناساً من أهل اليمن فقال من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون ، فقال أنتم المتكلون ، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله.
وفي ذلك الرد البليغ على من يتركون الأسباب تقاعساً بدعوى التوكل على الله ، ولو صدقوا لأحسنوا العمل. قال ابن كثير - رحمه الله - :فالسعي في السبب لا ينافي التوكل - وذكر حديث ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... ) - ، فأثبت لها رواحاً ، وغدوّاً ، لطلب الرزق ، مع توكلها على الله عز وجل ، وهو المسَخِّر ، المسيِّر ، المسبِّب ." تفسير ابن كثير " ( 8 / 179 ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ومما ينبغي أن يعلم : ما قاله طائفةمن العلماء ، قالوا : " الالتفات إلى الأسباب : شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً : نقص في العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية : قدح في الشرع ، وإنماالتوكل ، والرجاء : معنى يتألف من موجب التوحيد ، والعقل ، والشرع " . وبيان ذلك : أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ، ورجاؤه ، والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا ؛ لأنه ليس مستقلاًّ ، ولا بد له من شركاء ،وأضداد ، ومع هذا كله : فإن لم يسخِّره مسبِّب الأسباب : لم يسخَّر ، وهذا مما يبين أن الله رب كل شيء ، ومليكه ، وأن السموات ، والأرض ، وما بينهما ، والأفلاك ، وماحوته : لها خالق ، مدبِّر ، غيرها " انتهى . مجموع الفتاوى " ( 8 / 169 ) . " فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله ، لا على سببٍ من الأسباب ، والله ييسرله من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة ، فإن كانت الأسباب مقدورة له ، وهو مأمور بها : فَعَلَها ، مع التوكل على الله ، كما يؤدي الفرائض ، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح ، ويلبس جُنَّة الحرب ، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أُمر به من الجهاد ، ومَن ترك الأسباب المأمور بها : فهو عاجز ، مفرط ،مذموم " انتهى . مجموع الفتاوى " ( 8 / 528 ، 529 ) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : أحدهما : الاعتماد على الله ، والإيمان بأنه مسبب الأسباب ، وأن قدره نافذ ، وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى . الثاني : تعاطي الأسباب ؛ فليس من التوكل تعطيل الأسباب ، بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله ، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل ." فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 427 ) . فالتوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه ، و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه ، وتقضى الحاجات ، و كلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق ، و هذا هو حال جميع الأنبياء و المرسلين ففي قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – لما قذف في النار روى أنه أتاه جبريل ، يقول : ألك حاجة ؟ قال : "أما لك فلا و أما إلى الله فحسبي الله و نعم الوكيل " فكانت النار برداً و سلاماً عليه ، و من المعلوم أن جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بطرف جناحه ، و لكن ما تعلق قلب إبراهيم – عليه السلام – بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر . و نفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ ) " سورة آل عمران : 173 – 174 " .
1- معرفة الله بأسمائه وصفاته 2- إخلاص التوحيد لله تبارك وتعالى والبعد عن الشرك،
فمن تعلق قلبه بغير الله فقد نقص توكله على الله سبحانه وتعالى، من تعلق قلبه بمخلوق مهما كان هذا المخلوق، ولياً، أو صالحاً، أو غنياً، أو ملكاً، أو غير ذلك،فمن تعلق قلبه بأحد من الخلق نقص إيمانه وتوكله على الله سبحانه وتعالى،ولكن إخلاص التوحيد لله تبارك وتعالى شرط أساسي لإخلاص التوكل 3- أن الإنسان وهو يعتمد على الله سبحانه وتعالى يفعل الأسباب، لكنه لا يعتمد على الأسباب نفسها، وإنما يعلم أنها أسباب، وأن الله أمرنابها،فلا يقع في قلبه أن هذه الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى في خلقه أنها هي التي تنفع وتضر، وهي وحدها المتصرفة، لا، وإنما يفعل السبب و يصدق في توكله على الله سبحانه وتعالى، وأنه تبارك وتعالى هو الذي بيده الأمر كله 4- حسن الظن بالله سبحانه وتعالى
5-مطالعة الآيات والأحاديث الناطقة بفضله وجميل أثره في كسب الطمأنينة والرخاء
6-تقوية الإيمان بالله عز وجل ، والثقة بحسن صنعه ، وحكمة تدبيره لطفه ، وأنّه هو مصدر الخير ، ومسبّب الأسباب ، وهو على كل شيء قدير
7-التنبّه إلى جميل صنع الله تعالى ، وسمو عنايته بالإنسان في جميع أطواره وشؤونه ، من لدن كان جنيناً حتّى آخر الحياة ، وأنّ من توكّل عليه كفاه ،ومن استنجده أنجده وأغاثه 1 - الجهل بمقام الله من ربوبية وألوهية وأسماء وصفات 2- الغرور والاعجاب بالنفس
3- الركون للخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات
4- حب الدنيا والاغترار بها مما يحول بين العبد والتوكل لأنه عبادة لاتصح مع جعل العبد نفسه عبداً للدنيا.
التوكل على غير الله تعالى أقسام: أحدها: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؛ كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم من الطواغيت فيتحقيق المطالب من النصر والحفظ والرزق أو الشفاعة؛ فهذا شرك أكبر.
الثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة؛ كمن يتوكل على سلطان أو أمير أو أي شخص حي قادر فيما أقدره الله من عطاء أو دفع أذى ونحو ذلك؛ فهذا شرك أصغر؛لأنه اعتماد على الشخص. الثالث: التوكل الذي هو إنابة الإنسان من يقوم بعمل عنه مما يقدر عليه(الوكالة)
كبيع وشراء؛ فهذا جائز، ولكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وكل إليه فيه، بل يتوكل على الله في تيسير أموره التي يطلبها بنفسه أو نائبه؛ لأن توكيل الشخص في تحصيل الأمور الجائزة من جملة الأسباب، والأسباب لا يعتمد عليها، وإنما يعتمد على الله سبحانه الذي هو مسبب الأسباب وموجد السبب والمسبب. 2- طمأنينة النفس وارتياح القلب وسكونه .
3- كفاية الله المتوكل جميع شئونه: لقوله تعالى(ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . قال ابن القيم :أي كافيه ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا بأذى لا بد منه :كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فلا يكون أبداً.وهذا أعظم جزاء أن جعل الله تعالى نفسه جزاء المتوكل عليه وكفايته، فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل الله له مخرجاً وكفاه رزقه ونصره 4- من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار .
قال ابن عباس: " حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له الناس (إن الناس قد جمعوا لكم). قوله " ونعم الوكيل" أي نعم الموكول إليه. قال ابن القيم رحمه الله: هو حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه وهو الذي يؤمن الخائف ويجير المستجير فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه ، تولاه وحفظه وحرسه وصانه ، ومن خافه واتقاه ، أمنّه مما يخاف ويحذر وجلب إليه ما يحتاج إليه من المنافع.
5- يورث محبة الله تعالى للعبد لقوله تعالى (إن الله يحب المتوكلين) 6- يورث العزة قال تعالى (وتوكل على العزيز الرحيم) ، (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) ،( إن ينصركم الله فلا غالب لكم) آل عمران : 160(وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً)الأحزاب . 7 - يورث الصبر والتحمل و لهذا اقترن الصبر بالتوكل على الله في مواضع من القرآن منها (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) ،(ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) 8- يورث النصر والتمكين ، ولهذا قرن الله تعالى بينه وبين التوكل في قوله (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) آل عمران :160 9- يقوي العزيمة والثبات على الأمر . قال تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله) آل عمران :159
10- يقي من تسلط الشيطان. قال تعالى (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) 11 - يورث الرزق . عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطاناً. رواه أحمد وابن المبارك في الزهد والترمذي في الزهد وابن ماجه في الزهد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والبيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية وغيرهم. 12- يطرد التطير والأمراض القلبية كالتشاؤم ولبس الحلقة والخيط قال ابن مسعود وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل) بعد أن ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم(الطيرة شرك) رواه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. 13- يورث الرضا بالقضاء . قال ابن القيم: فإنه إذا توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله.
14-سبب في دخول الجنة بلا حساب ولاعذاب لحديث ابن عباس في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب متفق عليه .